تجاوز مرحلة الأحزان
الحوار الأول
قال لي محدثي: “لقد خانتني زوجتي لمدة ثلاث سنوات قبل أن أعترف لنفسي أنها تخونني. كان جميع الناس، بمن فيهم أولادي المراهقون، على دراية بالموضوع. أما أنا، فكنت أرفض تصديق ما تراه عيناي. في الواقع أنها لم تجهد لإخفاء العلاقة. كانت مثلاً تذهب معه في يخته الشراعي حيث تمضي يوماً بكامله، لوحدهما! وحين كنت أسألها عن ذلك، كانت تقول: إنه صديق قديم! وحين كان أصدقائي يقولون لي إنهم شاهدوها بصحبته في مطعم فاخر، كنت أنا من يقول لهم: إنه صديق قديم. كان يجب أن أعرف، فالإشارات كانت كلها هناك، ولكني كنت أرفض تصديق الأمر”.
سألته: “وبعد ذلك، ماذا حدث؟”
أجاب: “انفصلنا، ولكني لم أستطع أن أعيش بدونها، فطلبت منها العودة. أقنعت نفسي أنني أسامحها وأعيدها إلى بيت الزوجية حفظاً لكرامتها. أولادي ضحكوا مني، وقالوا لي إنك مجنون، سوف تعيد الكرّة. ولكني رفضت التصديق. لا، لم تعتذر عما فعلت، ولكنها وعدتني أن تكون مخلصة”.
ـ “والنتيجة؟”
ـ “لقد عادت إلى الخيانة والكذب، فتطلقنا نهائياً”.
هذا حوار حقيقي دار منذ سنوات، بيني وبين أحد السوريين في المهجر.
الحوار الثاني، هذا حوار يحدث كل يوم. اليوم الأول.
ـ “مستحيل، زوجتي لن تموت. أنظر إليها يا دكتور، ألا ترى علامات الصحة في وجهها؟ إنها لا تشعر بأي ألم. لا يهمك حبيبتي، سوف تدفنينني وتعيشين بعدي دهراً. لن يصيبك مكروه. صدقيني”.
الحوار الثاني، اليوم أو الشهر الثاني.
ـ “ماذا تعني يا دكتور أنه ليس أمامها أكثر من ستة أشهر وأنه من المستحب أن نبدأ في ترتيب أمورنا. هراء! إنك تخرّف. سوف أذهب إلى طبيب آخر يفهم بالطب وليس شرلطاناً مثلك”.
الحوار الثالث، اليوم أو الشهر التالي.
ـ “رحمتك يا الله. أعرف أني لم أقم بواجباتي الدينية منذ زمن بعيد. نعم، لقد كنت أعيش كملحد أكثر مني كمؤمن. ولكني أرجوك اليوم أن تسامحني وأن تبعد هذه الكأس عن زوجتي الحبيبة. إشفها يا الله، ولك مني نذر أن أسير على الصراط المستقيم، وأن أتبع وصاياك في كتبك السماوية، وأن أتبرع للفقراء وأن وأن وأن…”
الحوار الرابع، اليوم أو الشهر التالي.
صمت، يقطعه طقطقة مسبحة وتنهدات عميقة تملأ الحديقة. الرجل جالس في كرسيه، نظراته ساهمة، إنه في وهدة الاكتئاب. كرسي الزوجة فارغ.
الحوار الخامس، بعد فترة غير محددة في مطعم فاخر.
ـ “مضى على وفاة زوجتي فترة من الوقت. كان القبول بالحقيقة هو الأصعب. ولكني أعترف أنني لم أرتح إلا عندما قبلت حقيقة أنها قد فارقتني إلى الأبد. نعم، لدي ذكريات لطيفة جداً عن حياتي السابقة. ولكني قررت أن الغد، كل غد، سيكون أول يوم مما تبقى لي من حياة. وأريد أن أحيا كل لحظة منها وأن أكون سعيداً. لنشرب نخب تعارفنا”.
سواء أكانت الصدمة نتيجة الخيانة أو الموت أو حتى الخسارة المادية أو الإفلاس، وسواء تكونت ببطء أم بشكل صاعق، فإن مسار المشاعر واحد: الإنكار، الغضب، المساومة، الاكتئاب ومن ثم الإقرار. بدون إقرار ليس هناك من إقفال لملف الحداد. تختلف مدة الإقامة في كل مرحلة بين شخص وآخر، وتعتمد إلى حد كبير على نوع العلاقة وعمقها وطبيعتها. بعض الأشخاص يعلق في واحدة من المراحل ويبقى أسيرها، فتراه في حالة إنكار دائم، أو غضب دائم، أو مساومة دائمة أو اكتئاب دائم.
لماذا نتكلم عن هذا الموضوع؟ لأن الخيانة صعبة، والموت كذلك، وكذلك الإفلاس. هذا ينطبق على خيانة الأفراد وموتهم، كما على إفلاس المؤسسات واندثارها. المهم أن نصل إلى الإقرار بالواقع كي نستطيع تجاوز مرحلة الأحزان.