الإصلاح من الداخل

image_pdfimage_print

ملاحظات أولية

 ” وإبقاء القديم على قدمه إنها لتسوية بديعة تلك التسوية التي تطلب إرضاء الحاجة إلى الإصلاح

سعاده

الإصلاح من الداخل” ضمن إطار فاسد هو بمثابة شعار فارغ، وتعبير يتنافى مع الحس السليم والمنطق العلمي. ومثل هذا الشعار كان موجوداً منذ سنوات، ولكن لم يكن بارزاً أبداً مثلما هو عليه الحال خلال الأزمة الحادة الحالية داخل حزبنا السوري القومي الاجتماعي.

وتقريباً منذ عام 1969 تبنت كل مؤتمرات الحزب مفهوم “الإصلاح من الداخل”. لكن لم يحدث أي تغيير حقيقي أو إصلاح جذري يذكر. بل على العكس من ذلك، فقد ذهبت الأمور من سيئ إلى أسوأ، ومن الأسوأ إلى أسوأ ما يمكن! واليوم، ينزلق الحزب في غيبوبة، ولا يزال بعضهم متشبثاً بشعار “الإصلاح من الداخل” على أنه طوق النجاة.

هل تساءلتم يوماً: لماذا يحدث هذا؟ لماذا يستمر الحزب بالانزلاق في الاتجاه الخاطئ؟ ولماذا أدت جميع مبادرات “الإصلاح من الداخل” إلى نتائج عكسية؟ والجواب هو لأن “الإصلاح من الداخل” في سياق فاسد هو هراء في هراء، بل هو دليل على عكس الإصلاح تماماً – أي إلى الركود ومزيد من الفساد. وإليكم الأسباب:

  1. من المستحيل أن تنجح مؤسسة سياسية  بتطهير نفسها من الفساد فيما هي في حالة من الإنكار لهذا الفساد. وعندما يحاول بعضهم تنفيذ “الإصلاح من الداخل” تحت هكذا إنكار أو ضمن أطر فاسدة، تكون النتيجة إما الفشل التام أو الإصلاح الجزئي الذي يسبب ضرراً أكثر مما ينفع. والاتحاد السوفياتي المنحل هو مثال تاريخي على ذلك. وهناك مثال آخر، أقرب إلينا، هو النظام السياسي اللبناني. إذا كان من المستحيل إحراز “الإصلاح من الداخل” لهذا النظام، وذلك لأنه فاسد، فلماذا نتوقع نجاح “الإصلاح من الداخل” في حزب سياسي (كحزبنا) الذي إدارته ملوثة بنفس القدر من الفساد؟ إن ازدواجية المعايير سيئة تماماً بنفس سوء الفساد.
  2. إذا كان “الإصلاح من الداخل” مُجدٍ ضمن أطر فاسدة، فلماذا تحمّل سعاده عناء تأسيس الحزب؟ لماذا لم يسعَ إلى “الإصلاح من الداخل” في النظام القائم بدلاً من محاولة تحديه؟ الجواب بسيط ومباشر: لقد قام سعاده بتأسيس الحزب لأنه يعرف جيدا أن “الإصلاح من الداخل” في ظل إدارة فاسدة هو ممارسة لا طائل منها. وينطبق هذا المبدأ أيضاً على الحالة الراهنة لحزبنا. إن البحث عن “الإصلاح من الداخل” تحت مظلة واحدة مع عناصر الفساد هي وصفة لكارثة مرضية طويلة الأمد.
  3. إن “الإصلاح من الداخل” هو مبدأ مثالي، كما هو الحال مع “الديمقراطية”. ولكنه لا يمكن أن يكون فاعلاً إلا إذا توافرت الظروف المناسبة المتمثلة في الوعي والشفافية والوصول إلى المعلومات والاستقلالية والمشاركة الهادفة والفاعلة والأفراد المناسبين لتحقيق ذلك. كل هذه العناصر غير متوافرة في الوقت الراهن بشكل كاف في الحزب. يجب أن تكون متوافرة ولكنها ليست كذلك. بعض العناصر موجودة، والبعض الآخر لا. بعضها موجود في الأماكن الخطأ، والبعض الآخر موجود لأسباب خاطئة. ولكي يتحقق “الإصلاح من الداخل”، يجب أن تكون جميع العناصر الصحيحة متوافرة في نفس الوقت وعلى المستوى السليم، وكل شيء آخر لا طائل منه.
  4. يتطلب “الإصلاح من الداخل” آلية دستورية للعمل به. توجد مثل هذه الآلية، من حيث المبدأ، في دستور الحزب. لكنها ألغيت، أو أصبحت بحكم المنحلة، من خلال التعديل المستمر والتلاعب بمواد وقوانين الدستور منذ استشهاد سعاده في العام 1949. واليوم وصل نطاق المشكلة وحجمها  إلى مستوى ينذر بالخطر. من حيث الإصلاح، فهذا يعني منطقياً أن “الإصلاح من الداخل” لا يمكن أن يتحقق إلى أن يتم إبطال هذه المشكلة، أو القضاء عليها، أو إيقافها. ولكن من غير المحتمل أن يحدث أي من هذه الأمور قريباً (ولنا عودة إلى هذا الموضوع).

5 . يعتمد نجاح “الإصلاح من الداخل” على توافر إصلاحيين حقيقيين يتمتعون بالرؤية والالتزام والمناقب، ولا يعتزمون مكافحة التغيير، بل معانقته بكل ما لديهم من قوة. وقد يوافق  معظم مؤيدي “الإصلاح من الداخل” على هذا الرأي أيضاً، لكن مفهومهم  بالنسبة إلى “الإصلاح من الداخل” اليوم ليس مبنياً على هذه الفرضية، بل على فرضية حفظ كل شيء في المنزل، الفاسد وغير الفاسد.  وهذا خطأ وأمر خطير جداً لأنه من حيث المنطق، لا يمكنك الإصلاح من خلال أشخاص هم أنفسهم بحاجة إلى إصلاح. ولأنك لا تستطيع الإصلاح بالتعاون مع أولئك المسؤولين، في المقام الأول، لخلق  الضرورة للقيام  بالإصلاح. وأيضاً لأنك لا تستطيع القيام بالإصلاح بوجود فئة مستبدة تتحكم بالحزب ولا يوجد لديها أي تأنيب ضمير بشأن تعطيل الإصلاح إذا لم تتمكن من السيطرة على مساره.

6 . يكون “الإصلاح من الداخل” عملياً فقط إذا لم تكن هناك تدخلات من قوى خارجية تستخدم قيادات منصاعة لها وتعمل على دعمها وتثبيتها في مواجهة الاعتراض الحزبي على مسيرتها المسيئة للحزب. وهذا أمر شبه مستحيل بالنسبة لنا لأنه تم اختطاف الحزب من قبل مصالح خارجية منذ زمن طويل. هذه المصالح هي مصالح قوية لا تتوقف عند أي شيء  من أجل تحقيق أهدافها، وسوف تحشد أو يتم حشدها من قبل أعوانها  في الحزب (كما حدث مرات عديدة من قبل) لتعطيل الإصلاح أو الإبقاء على الوضع الراهن.

  1. عملياً ونظرياً، “الإصلاح من الداخل” هو بمثابة “هزيمة الذات” (self defeating) عند السعي له  “مع”  بدلاً من  وقوفها  “ضد” ‘الفساد وصانعيه. وكثير من أعضاء الحزب على علم بذلك – من حيث المبدأ على الأقل – ولكن، لسبب غريب، فإنهم لا يزالون يعتمدون على ويناشدون نفس الفئة المستبدة التي يتهمونها بإبعاد الحزب عن مساره الصحيح. والأمر الأكثر سوءاً أنهم يتوقعون من هذه الفئة تأييد دعوتهم للإصلاح أو الاستماع إلى مطالبهم!

8 . من السخافة والسذاجة رفع راية “الإصلاح من الداخل” عندما تتقن النخبة الحاكمة في الحزب جميع الوسائل والتكتيكات لإحباط الإصلاح. وما علينا  فقط سوى أن ننظر إلى آخر مؤتمرين للحزب لفهم ما نعنيه. بل أنه من سخافة التفكير وضعف العقل أن نناشد تلك النخبة بـ “الإصلاح من الداخل” في حين أنها لا تبغي الإصلاح وتعتبر وضع الحزب في حالة جيدة!

9 . إن العمل مع الفاسدين من أصحاب السلطة في الحزب  من أجل تحقيق “الإصلاح من الداخل” أو مناشدتهم هو أمر غير أخلاقي. فإن ذلك لا يقوم  بأكثر من منح الفاسد شرعية جديدة لا يستحقها.  بل هو أيضاً عمل غير عادل لأنه يحوّل المفسدين إلى أبطال (كما هي الحال مع الذين شقوا الحزب سنة 1987) ويحوّل الإصلاحيين إلى أضحوكة.

  1. إن “الإصلاح من الداخل” جنباً إلى جنب مع الفساد والمفسدين يتنافي مع كل ما يمثله سعاده من أخلاق الفروسية والشجاعة والإخلاص والوضوح. فهو ينتج في أحسن الأحوال “حلولاً واسطية” فقط، كما يفعل دائماً. وإذا كان هناك أي شيء يكرهه سعاده أكثر من غيره فهو “الحلول الواسطية”: “كل إصلاح واسطي، وصولي يتناول جزءاً أو بعض أجزاء هذه القضية (قضية الإصلاح) هو إصلاح ناقص فاسد! وكل حزب أو فئة أو تشكيلة أو مؤسسة تنادي بالإصلاح الشكلي، السطحي بينما هي غارقة في خصوصياتها وواسطياتها هي بعيدة جداً عن الأمانة للحقيقة وعن الإصلاح الحقيقي”! (“لائحة العقاقير لا تصنع طبيباً”،كل شيء،بيروت، العدد 106، 8/4/1949)

*****

نحن لسنا ضد “الإصلاح من الداخل“ من حيث المبدأ، بل نحن ضد “الإصلاح من الداخل” بالصيغة التي يتم تسويقها. إذ أن أي إصلاح يتم  بالتواطؤ “مع” بدلاً من “ضد” الفساد والمستفيدين، سوف يعيدنا إلى الوراء. إن الذين يدعون إلى “الإصلاح من  الداخل” لمجرد أنهم لا يريدون “أن يُنشر غسيلنا القذر في العراء” لا يدركون (أو يدركون لكن لا يعترفون) أن أفعالهم تأتي بالضرر لقضية الإصلاح أكثر مما يهمهم أن يتصوروا. وربما ينبغي تذكيرهم مرة أخرى أنه إذا لم يتم نشر ‘الغسيل القذر” فسوف يتعفن ويصبح نتناً.

إن مفهوم “الإصلاح من الداخل” بصيغته الحالية هو بمثابة طعنة في الظلام وآفة على قوى الإبداع والابتكار التي نمتلكها.

يقول سعاده: “لا يمكن إصلاح أمراض الإدارة والنظام الإداري بدون إصلاح العلة في أهلها” (المرجع السابق). ونحن نزيد أن “أهل” العلة في الحزب قد أصبحوا اليوم غير مؤهلين للإصلاح.

لقد حان الوقت للتفكير خارج المألوف.

في هذا العدد<< جولة ترامب الأولى في الخارج: حسابات الربح والخسارة!سورية… أزمة القانون 107: “الإدارة المحلية -مازن بلال” >>
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments