رأس المال “العربي” يفتك بالدراما السورية!
يشير الخط البياني لتطوّر الدراما السورية، إلى طبيعة العقبات التي اعترضتها أو العوامل التي ساعدت في نجاحها. إذا عدنا إلى عام 2006 سنجد إنجاز الدراما السورية لافتًا، فقد وصل عدد الأعمال إلى أكثر من 50 مسلسلًا، وفي عام 2007 تراجع الإنتاج إلى 37 عملاً، أما في عام 2009 فوصل إلى 30 عملاً. في تلك الفترة اكتسحت الدراما السورية المشهد العربي، وصار هناك ما يمكن أن نسميه باللون السوري في الأعمال الدرامية الذي تخطّى ما حققته الدراما المصرية على الصعيد العربي أيضًا. وكان من النادر أن تخلو محطة عربية من عرض مسلسل سوري ولا يشذّ عن هذه القاعدة إلا المحطات المصرية المعروفة بامتناعها عن عرض الأعمال السورية بذريعة زحمة الأعمال المصرية لديها.
بعد الحرب التي شُنت على سورية، شهدت الدراما تبدلات كثيرة وعصف بها الكثير من العقبات، أولها مقاطعة المحطات الخليجية ورأس المال الخليجي للإنتاج السوري، وهو ما أدى إلى هجرة الكثير من الفنانين إلى الخارج، ونشوء ما يعرف بالإنتاج العربي المشترك الذي تركز في بيروت وأنتج لونًا مختلفًا عما كان يُنتج في السابق.
لقد خضعت الدراما السورية لشروط التسويق في جزء كبير منها، وراح صاحب رأس المال يفرض الأفكار والمواضيع التي يفترض طرحها في العمل الدرامي بحيث تتفق وسياسة العرض لديه. بل ذهب أصحاب رأس المال إلى أبعد من ذلك عندما راحوا يفرضون أسماء الأبطال والممثلين بناء على العلاقات الشخصية والحسابات السياسية وغيرها. كل هذا كان يجري في ظل محاصرة الإنتاج السوري واشتداد ظروف الحرب، ومنع القنوات السورية من البث على قمر “عربسات”. هذه الأسباب مجتمعة أثرت على انتاج الدراما كمًّا وكيفًا، فبعد أن اشتهرت المسلسلات السورية بجديتها ومناقشتها أحوال المجتمع وتنوعها استنادًا إلى البيئة المحلية، فقد غرقت لاحقًا في الإثارة والتشويق والعنف ومناقشة قضايا لا تمتّ إلى المجتمع بصلة! الانتاج الدرامي السوري لم ينخفض فقط من خمسين مسلسلاً إلى أقل من النصف وأقل من ذلك بكثير أحيانًا، بل فقد خصوصيته التي كانت قد ارتسمت في منتصف التسعينيات مع انتاج أعمال هامة مثل “نهاية رجل شجاع” الذي اعتمد الرؤية السينمائية في التلفزيون على يد المخرج نجت أنزور.
أثر الحرب على الدراما
مع بداية الحرب على سورية، شهد السوق الدرامي السوري تراجعًا في كمية الإنتاج نتيجة سوء التسويق والحظر كما أسلفنا، الأمر الذي دفع بالكثير من فنانيها وفنييها إلى الخروج من العباءة السورية والتظلل بشركات الإنتاج العربية لضمان الحضور على خارطة الواقع الدرامي، وكان الثمن هو القبول بشروط المنتج والقنوات العارضة. في هذا الشأن يقول المخرج فادي سليم صاحب مسلسل “مقابلة مع السيد أدم”:
“لقد تأثرت الصناعة السورية بتحكم السوق الخارجية كثيرًا، ولكن قبل الحديث عن الخارج يجب أن نتحدث عن الداخل، فحتى محليًا يتم فرض وجهات نظر معينة وأشخاص معينين. المنتج يحتاج إلى التسويق، والبيع هنا موجه إلى المحطات الخارجية كوننا لا نملك سوق عرض، لذا فالمحطة تشتري حسب سياستها وهي تحدد مدى ملاءمة هذا العمل لشرط العرض لديها، وهذا الأمر موجود منذ زمن فهي تشترط وجود أسماء معينة ونجوم معينين أو حتى أشباه ممثلين كي تقبل عرض العمل لديها، وإلا سيكون مصير المسلسل الرفض.”
يضيف سليم: “لقد تزايد ذلك مع انتشار الفضائيات والمحطات الخاصة التي تسببت بهذه الفوضى في الإنتاج الدرامي، فقد أصبح الإقبال عليها أكبر كونها أصبحت هدفاً للمعلن الذي أصبح له يد فيما يقدم على الشاشات وعلى هوى مزاجه – وهو لا يفقه في أمر الدراما شيئًا- ليلعب على وتر الجمال أو الدلع أو الجنس، وعلى ما يؤثر في المشاهد ويصبح له اليد الطولى في أي عمل فني درامي وحسب رغباته.”
واقع لا يمكن نكرانه
الموضوع شائك جدًا! بلهجة كئيبة يجيب المخرج تامر إسحاق، ويضيف:
“هذه حقيقة لا يمكن نكرانها لأن رأسمال هو المتحكم بهذه الصنعة، والتساؤل هنا إلى حد يفهم رأس المال في هذا المجال؟ وهل يستطيع التفكير بطريقة ايجابية أو على الأقل لا يتحكم بطريقة سلبية! ولكن حسب سياسته وفي ظل تحكم المعلن والمنتج بالمضمون الموجه للناس، فإن الدراما تسير في الاتجاه الخاطئ ونحو الهاوية. نستطيع القول إن المحطات الخارجية تفرض شروطها علينا بنسبة تفوق 50% من ناحية فرض الممثلين ومكان التصوير وحتى وجود بعض الفنيين، وهذا الكلام موجود وهذه التدخلات أمر واقع لا يمكن نكرانه وقد يتم الاستغناء عن أي ممثل أو أي مخرج لا تريده المحطة العارضة هكذا ببساطة!
مضطرة ساير
إحدى الفنانات السوريات، فضلت عدم الكشف عن اسمها، قالت:
“بدك تضطري تسايري لتشتغلي وتمثلي” وعندما طلبنا منها تفسيرًا قالت:
“لجهات التسويق والعرض الدرامي فنانون محددون. فهذه الجهات هي التي تقوم بصناعة النجوم كأسلوب جديد في التحكم بالعمل الفني، والحقيقة أننا ل
ا نستطيع إيقاف هذا المد غير الشرعي، فالنجوم الذين يقدمونهم يمكن تشبيههن بمحظيات الملوك، ورغم انعدام موهبة بعضهن، إلا أننا لا ننكر أنه بات لهنّ حضور في الدراما من مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وفهمكم كفاية، لذا تضطر الواحدة منا أن تقدم تنازلات كي تبقى في سوق العمل، فأنا مثلاً أضطر للابتسام معظم الوقت والمسايرة وتقديم الكلام المعسول كي أعمل وحتى القيام ببعض أدوار الإغراء كي أضمن تواجدي في الأعمال الفنية.. فلا حدا يعتب علي.”
هشّك بشّك!
فنانة سورية أخرى، شاركتها الرأي ورفضت الكشف عن اسمها أيضًا، قالت: “إن أشباه الفنانين الذين يقدمهم سوق العرض أو رأس المال الخارجي هم فنانون هشّك بشّك ليسوا أكاديميين، إنما مفتاح الموهبة لديهن القدّ المنحوت بعناية والوجه المملوء بعمليات التجميل والخالي من التعابير.”
واستطردت بامتعاض: “انظروا إلى واقع الدراما السورية وستعرفون ما أقصد؟ لقد بات واقع هذه المهنة مزريًا وفي الحضيض، فقد يتم تهميشنا إذا لم نكن على مزاجهم وقد يتم استبدال أي فنان إذا لم يخضع لأهواء المحطة ورغباتها، وبعض الفنانين معذورون في عدم الإعلان عن مواقفهم لأن بدهم يعيشوا!”
الجودة تفرض نفسها
المنتج أحمد رضا الحلبي أكد بأن عرض أعمالنا السورية وتسويقها يجب أن يكون على بند الأولويات. وقال رضا:
“الدراما صناعة مهمة. ويجب مخاطبة السياسيين والاقتصاديين واستثمار علاقاتهم لتسويق الأعمال الدرامية في الخارج مع الالتزام بشرط العمل الفني السوري بكل تفاصيله، وعدم السماح لشركات الإنتاج العربية وحتى القنوات بفرض شروطها وذلك انطلاقًا من مبدأ الجودة تفرض نفسها. وهذا لا يتم إلا بوجود سوق عرض محلي للعمل الدرامي، الأمر الذي سيدفع بالكثير من المحطات لتغيير سياستها تجاه العمل السوري.”