الدكتور بسام زوان: سورية تشهد أسوأ موجة لفايروس كورونا

image_pdfimage_print

لا إجراءات حكومية ولا وعي مجتمعي وهناك تفشٍّ رهيب في المحافظات

اللقاح لا يكفي للسيطرة على الوضع الوبائي في البلاد

خالد معماري

اكتشف الأطباء قبل سنتين في مدينة ووهان الصينية جائحة بسيطة بين المواطنين، تظهر أعراضها على شكل إصابة في الجهاز التنفسي، ليكتشف العلماء لاحقًا أن فيروسًا مجهريًا سبّب تلك المشكلة، أطلق عليه لاحقاً اسم كورونا (كوفيد-19)، ومن هنا بدأت القصة، فالفيروس الصغير بدأ بالانتشار حول العالم، واجتاح جميع المجتمعات، وحجر نحو 4 مليارات انسان في منازلهم، وأرعب البشرية، وألبسها الكمامات، وشلّ اقتصاديات دول العام.

انتشر الوباء في سورية كما حدث في جميع دول العالم، إلا أن الإجراءات الوقائية السورية لم تشبه الإجراءات المتخذة في بقية دول العالم، فحين كانت الدول تحد من حركة مواطنيها، وتفرض عليهم منع التجمعات وارتداء الكمامات، كان السوريون يتحركون ويتجمعون بكل حرية، من دون أن يلزمهم أحد بارتداء الكمامة، في الوقت الذي كانت تبث فيه وزارة الصحة الطمأنينة بينهم، عبر نشرها أعداد الإصابات اليومية في البلاد، بأرقام لا يتجاوز عددها أصابع اليدين، بينما تعج المستشفيات بالمصابين، الأمر الذي أخرج الأطباء عن صمتهم، وبدأوا بفضح حقيقة الوضع الوبائي في البلاد، وتحذير المواطنين، ومناشدتهم. ومن أوائل أولئك الأطباء الدكتور بسام زوان، حيث ظهر في عدد من المقاطع المصورة عبر الفيسبوك، ليخبر المواطنين بالحقيقة، ويحذر السلطات الصحية في البلاد، ويرجوهم اتخاذ اجراءات سريعة ومشددة، تبدأ بفرض ارتداء الكمامات. وعندما اشتدت موجات الإصابة في سورية، خرج ليقول للسوريين بكل جرأة: “أتوجه بتحذيراتي إلى المواطنين، لأن السلطات في سورية لم تستجب، وتجاهلت نصائحي، وإن لم نلتزم سوف نصل إلى ما هو أسوأ، وقد نقضي على آلاف المواطنين.”

تشهد سورية هذه الأيام موجة رابعة من انتشار فيروس كورونا، وتعتبر من أسوأ الموجات التي تضرب البلاد، وللاطلاع على خطورة الوضع الوبائي في سورية، وآخر المستجدات، والتطورات، أجرت مجلة (الفينيق) حوارًا مع الدكتور بسام زوان عضو الكلية الملكية البريطانية للجراحين، زميل البورد الأوروبي لأمراض المفاصل والعظام، استشاري في جامعة لندن في الجراحة العظمية،

 والباحث في وباء الكورونا، وتوجهنا إليه بالسؤال عن رأيه بأعداد الإصابات التي تسجلها وزارة الصحة السورية، وهل نحن أمام انخفاض في الموجة الحالية وتراجع في أعداد الإصابات، كما تبين إحصاءات الوزارة الأخيرة؟ فأجاب:

ــ حقيقةً، لا أعلم ما هي الطريقة التي تحصي فيها وزارة الصحة السورية أعداد الإصابات، فتلك الأعداد يتم تحديدها عن طريق إجراء فحص PCR، وفي سورية معدل إجراء الفحوصات منخفض جداً، مقارنة بدول الجوار، فبالعودة إلى الأرقام حسب مركز (جونز هوبكنز) العالمي للإحصاء، نجد أن سورية قامت بإجراء 103 آلاف فحص فقط طوال فترة الوباء، في الوقت الذي أجرت فيه الأردن 10 ملايين فحص، فكيف استطاعت الوزارة تحديد تلك الأرقام، والجميع يعلم أن المستشفيات ممتلئة بالمصابين والمراجعين بالآلاف، فكيف يمكننا الإعلان عن بلوغ الذروة، أو التأكيد على أننا أمام تسطح لمنحنى الإصابات، ضمن تلك الشروط المستحيلة؟

برأيي الشخصي، ووفقًا لمتابعتي وضع المستشفيات السورية، ومئات الرسائل اليومية التي تصلني من الداخل، أستطيع القول إن الأعداد الحقيقية للمصابين كبيرة جدًا، وما زلنا نشهد ارتفاعًا في الموجة، وازديادًا في أعداد المصابين، وقد أعلنت قبل أيام عبر صفحتي الشخصية، أن سورية تشهد أسوأ موجة انتشار للفيروس منذ بداية هذا الوباء، وقد اعتمدت في تقديراتي على تصريح وزارة الصحة عن حالة الإشغال الكامل للمستشفيات، بالإضافة إلى متابعتي لنسب الوفيات المرتفعة بشكل كبير جدًا، فهناك عائلات فقدت أكثر من فرد فيها، كما هناك حالات وفاة يومية بين الكوادر الطبية والعلمية والتدريسية، وكذلك انتشار للإصابات بشكل كبير بين الطلاب. كما أن متابعتي لصور التجمعات في المهرجانات والأفراح، والتعازي، وازدحام وسائل النقل من دون وجود أدنى وسائل حماية، كل تلك الأمور تجعلني على يقين أن هناك انتشارًا رهيبًا جدًا في جميع المحافظات السورية، ويمكنني التأكيد على أن انتشار الوباء سوف يزداد، فهو لا يقابل بأي إجراءات رادعة من قبل وزارة الصحة أو الفريق الحكومي، وليس هناك وعي مجتمعي لخطورة الوباء، فتدهور الوضع سوف يفاقم الأمور، ويزيد الضغط على المستشفيات، ويخلق حالة من العجز في تأمين طلبات الأوكسجين، ما سيؤدي إلى انهاك القطاع الصحي، وبالتالي سوف نشهد ازدياد في أعداد الوفيات بين المواطنين والكوادر الطبية.

الفطر الأسود

أما عن ظاهرة انتشار الإصابة بالفطر الأسود في سورية تحدث الدكتور زوان قائلاً:

ــ يمتلك مرضى السكري مناعة ضعيفة تسبب لهم (حماض استقلابي)، والذي يعتبر البيئة المناسبة لنمو الفطر الأسود، كما أن إعطاء (السيتروئيدات) (الكورتيزونات) بشكل غير مدروس، يسبب ضعف المناعة وازدياد سكر الدم بصورة غير مسيطر عليها، ما يؤدي إلى الإصابة بالفطر الأسود.

برأيي، كتحليل علمي، إن استخدام الصادات الحيوية والكورتيزون بشكل عشوائي من قبل المرضى في سورية، وخاصة مرضى السكر، أدى إلى انخفاض المناعة، وظهور الإصابات بالفطر الأسود، وانتشاره. 

وعن محاولات وزارة الصحة السورية، السيطرة على موجة الوباء الرابعة، من خلال حملاتها الإعلانية التي تهدف إلى اقناع المواطنين بالتوجه لتلقي اللقاح، واعتباره هو الحل الأسرع والوحيد، لكسر حلقة العدوى، قال الدكتور زوان:

ــ اللقاح مهم جداً في هذه المرحلة، فخلال دراسة أجريناها في بريطانيا، بعد أن تم تلقيح 90% من الكهول، وجدنا أن نسبة الوفيات بين الذين لم يتلقوا اللقاح بلغت 97%، بينما انخفضت تلك النسبة إلى 3% بين الملقحين، وهذا المؤشر يؤكد أن اللقاح يمنع اشتداد الإصابة والوفاة، لكنه لا يمنع من الإصابة ونقل العدوى، لذا يجب على من تلقوا اللقاح المحافظة على التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامات للتخفيف من انتشار الوباء، ومنه يمكن التأكيد على أن مجرد إعطاء اللقاح لا يكفي للسيطرة على الوضع الوبائي، كما أنه في سورية تنتشر ظاهرة الخوف من اللقاح، وللأسف يشارك في تعزيز تلك الظاهرة عدد كبير من الأطباء، من دون الاستناد إلى أي دليل علمي.

أنا ضد الإغلاق التام في بلد يعاني وضعاً اقتصاديًا سيئًا كسورية، هناك دول غنية، مثل استراليا، قامت بإغلاق مدينة (ملبورن) مدة 262 يومًا، لكن استراليا لديها إمكانيات كبيرة، وقدرة هائلة على تلبية حاجات الناس، وهو ما ساعد مواطني تلك المدينة على الالتزام بمنازلهم بكل سهولة ومن دون اعتراضات، إلى أن تم القضاء على التفشي، والسيطرة على الموجة. لكن في سورية يمكن تطبيق عدة إجراءات لا تؤثر على الاقتصاد أو معيشة الناس، كوقف النشاطات التي تسبب التجمعات، وقد شاهدنا مؤخرًا صورًا صادمة لتجمع مئات الطلبة على أوتوستراد المزة، ضمن فعالية نظمها اتحاد الطلبة، وهو ما يعتبر أمرًا غير مقبول. كما يمكن منع الحفلات، والأفراح، والتعازي التي تقام حتى للمتوفين بالفيروس، كما يجب إجبار المواطنين على ارتداء الكمامات في جميع الأماكن المغلقة، وبالأخص في المواصلات العامة. ويمكن أيضاً إجبار طلبة المدارس في المرحلتين الإعدادية والثانوية على ارتداء الكمامة، فالطلبة في تلك المراحل يستطيعون استيعاب مخاطر الإهمال، لأن فرض ارتداء الكمامة يساهم في حمايتهم، وحماية الأهالي، والكوادر التدريسية. لكن نحن نعلم أن هناك إهمالاً للكمامات حتى في المستشفيات وبين الكوادر الطبية.

انتشار متحور (دلتا) في سوريا

أما بالنسبة لمتحور كورونا الجديد (دلتا) وعلاقته بانتشار الموجة الرابعة في سورية، قال الدكتور زوان:

ــ تحدثت على عدة وسائل إعلامية وحذّرت من وصول هذا المتحور إلى بلادنا، لأن من صفاته شدة الانتشار وقدرته على العدوى، وإذا وصل إلينا سوف يُحدث انتشارًا كبيرًا وكارثة وبائية، وللأسف هذا ما حدث.

متحور (دلتا) هو ذاته فيروس كورونا، إلا أن بعض التغيرات طرأت على بنيته، فأصبح أكثر كفاءةً في الوصول إلى الخلايا الرئوية، وإحداث العدوى، وبالتالي أصبح أكثر انتشارًا، وقد عانت عدة دول من تفشي هذا المتغير، على الرغم من تطبيقها الإجراءات الوقائية واللقاحات، كبريطانيا مثلاً حيث امتلأت مشافيها، إلا أن الوفيات كانت بأعداد قليلة، لأن أغلب المواطنين كانوا قد أخذوا اللقاح، أما عندما أصاب متحور (دلتا) الهند، فقد أحدث فيها عددًا هائلاً من الإصابات، أما الوفيات فيقدر عددها بـ 5 مليون حالة وفاة، ومن المؤكد أن هذا المتغير قد وصل إلى منطقتنا، وبالأخص سورية، وهو ما يبرر الانتشار السريع للوباء، كما أن التساهل في إجراءات الوقاية، ساهم في سرعة التفشي وازدياد عدد الوفيات.

(يتبع)

في هذا العدد<< مؤسسة سعاده للثقافة في انطلاقة إلكترونية جديدةفرخ البطّ.. غرقااان! >>
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments