الفنان هاغوب عيد: الأعمال الدرامية فقدت هويتها بسبب سيطرة رأس المال

image_pdfimage_print

أسامة كرحوت

رغم دراسته للهندسة الكهربائية في جامعة تشرين باللاذقية، إلا أن عشقه للفن بقي هاجسًا دفعه إلى المشاركة في الورش التمثيلية والمسرحية. ففي عام 2007 شارك الفنان هاغوب عيد “1987” في ورشة إعداد الممثل التي أقامها الراحل نضال سيجري ضمن نشاطات المسرح الجامعي باللاذقية، حيث كانت بداية الانطلاق وتبعتها عدة دورات وورش عمل، منها في مسرح المعهد العالي بفرنسا “كونسرفتوار” مع المخرج الفرنسي مارسيل بوزونيت وكارولين ماركاديه، كان من نتاجها مشاركته في مسرحية “أنا لغتي” سنة 2017. حاز هاغوب على جائزة أفضل ممثل (جائزة الجمهور) عن مسرحية “طروادة تنبش قبرها” في مهرجان كلباء المسرحي عام 2017، كما نال جائزة أفضل ممثل باختيار لجنة التحكيم عن مسرحية “في انتظار غودو” في المهرجان نفسه دورة 2019. وفي السينما نال الجائزة الذهبية كأفضل إخراج عن فيلم delusion الذي نال أيضًا جائزة أفضل فيلم، من مدينة الشارقة للإعلام ضمن مشروعها «التجربة الفنية الإماراتية». له العديد من التجارب المسرحية والسينمائية والتلفزيونية.. حول المسرح والسينما وما يمكن أن يقدمه الفنانون الشباب من تجارب مختلفة تضيف إلى الفنون بصمتهم المختلفة، كان لنا هذا اللقاء مع الفنان هاغوب:

  • درست الهندسة الكهربائية، ثم ذهبت باتجاه التمثيل والإخراج، لماذا لم تحسم الأمر مبكرًا منذ البداية أكاديميًا بالذهاب إلى المعهد العالي للفنون المسرحية؟

درست الهندسة الكهربائية وأنا أحب هذا الاختصاص فعلاً. ولم تكن الأمور واضحة في وقتها حتى أتخذ قرارات باتجاهات أخرى. فعشق الفن كان ينمو بداخلي ولم يكن يتلمس الطريق بشكل واضح. لقد ساعدتني الصدف من ورشات عمل ولقاءات ومشاركات مختلفة في الأعمال الفنية خلال بداية مسيرتي، وكان العامل الحاسم في هذا الأمر هو سفري إلى الإمارات العربية المتحدة حيث انفتحت الفرص بشكل أكبر أمامي. ليس هناك تعارضًا بين الاختصاصين، ويمكن للإنسان أن يوفق بينهما إذا أراد. لكنني أجد نفسي في الفنون وقد شاءت الظروف أن أسلك هذا الطريق بشكل فعلي نتيجة ما تحدث عنه من مصادفات أعتبرها جميلة في حياتي.

  • هموم الفنانين الشباب تبدو كبيرة ومختلفة عن هموم الرواد، خاصة في عصر التطور الرقمي واختلاف أساليب الفنون بناء على التقنيات الحديثة وشروط التسويق والإنتاج القاسية التي تتدخل في جوهر العمل الفني. كيف يمكن للفنان الشاب أن يثبت موهبته وينال فرصه في ظل هذه الظروف؟

العمل الصادق النابع من القلب هو المقياس الحقيقي للنجاح. التمثيل يتطلب، مثل أية مهنة أخرى، توفر القواعد الأساسية كي يتمكن الممثل من البناء عليها، لكن العمل الدؤوب يذلل العقبات ويجعلنا نستفيد من التطورات التقنية التي تعتبر مكملة في هذا الإطار. لقد انقلبت مفاهيم العمل الفني في هذا العصر، وأصبح الأداء يختلف جذريًا على مستوى النص والمشاهدة عن الطقوس المتبعة في الثمانينيات مثلاً، وهذا يتطلب من الفنان أن يبقى مواكبًا لما يجري خاصة على صعيد السوشيال ميديا التي تفتح أبوابها للجميع لكن الذكي وصاحب الموهبة، يتمكن من إثبات نفسه في هذا المشهد المزدحم من الأعمال والاجتهادات التي يقوم بها الفنانون على أكثر من صعيد. اليوم أصبحت الحلقات القصيرة ذات الأحداث السريعة هي التي تستولي على المشاهدة، أما الأعمال الطويلة فقد فقدت جمهورها بشكل كبير.

  • نلت جائزة أفضل ممثل في مهرجان كلباء المسرحي مرتين، وجائزة أفضل إخراج عن فيلم delusion من مدينة الشارقة للإعلام. أين تجد مشروعك المستقبلي في التمثيل المسرحي، أم الإخراج السينمائي؟

لكل من التمثيل المسرحي والإخراج السينمائي، مكان في قلبي، لا أستطيع التخلي عن أي منهما. في هذه المرحلة أتجه إلى الإخراج السينمائي بشكل أكبر، فهو يمكّن الفنان من التحكم بجميع مفاصل اللعبة السينمائية وصياغتها كما تتطلب مخيلته الإبداعية. إنها متعة كبيرة أشعر بها عندما أقول بتحويل النصوص المكتوبة إلى مشاهد بصرية مليئة بالتفاصيل، لكن هذا كله لا يعني أنني نسيت المسرح أو تخليت عنه. الفنان كلٌّ متكامل لا يمكن فصله عن بعضه، المهم أن يبقى هاجس الفن حاضرًا ليبقى الفنان مندفعًا وعاشقًا للعمل الفني، وهذا الأمر كفيل بأن يجعله يقدم الجديد والمختلف في كل مرة.

  • هناك من يقول إن رأس مال شركات الإنتاج يتحكم بجوهر العمل الإبداعي اليوم، ويتدخل في فحواه وأسماء ممثليه ومخرجيه، ومختلف التفاصيل الأخرى. هل يؤثر ذلك على طموحات الشباب الإبداعية ويحدّ من خيالهم وخياراتهم سواء في التمثيل أم في الإخراج؟

راس المال ضروري لكل عمل فني، لكن للأسف يتدخل أحيانًا بشكل سيئ ويتدخل بجوهر العمل الفني، ويكون همه الوحيد هو جني الربح. هذه مشكلة كبيرة تواجه الفنانين الشباب الذين يبحثون عن فرصة حقيقة لأظهار مواهبهم، لكن الخيارات محدودة ولابد من التغلب على هذه النقطة بطريقة ما عند كل فنان. في النهاية لا يمكن للأعمال الرديئة أن تستمر إلى مالا نهاية، البقاء هو للأعمال الحقيقية العميقة التي تلامس القضايا الهامة وتواكب التطور التقني الحاصل.

  • قلت مرة إنك أقرب إلى مسرح العبث، وقد نلت جائزة في هذا النوع من الأعمال من خلال مسرحية “غودو”، هل تعتقد أن هذا الأسلوب مازال قادرًا على التعبير عن الحياة العصرية بنفس الزخم الذي انتشر في فترات سابقة؟

من مبررات وجود مسرح العبث، هو أن الحياة فيها الكثير من العبث، إنه أسلوب في فهم الحياة والتعامل معها والتعبير عنها. أحب هذا النهج في الفن وأرى أنه يحفر عميقًا في المخيلة والذاكرة، والدليل هو الأعمال الخالدة التي نبقى نشاهدها أو نقرؤها في هذا المجال رغم مضي زمن على تأليفها.

  • التهجين وتلاشي الهويات في الأعمال الفنية، أصبح ظاهرة واضحة اليوم بسبب شركات الإنتاج وامتلاك رأس المال من جهات محددة. هل تعتقد أن ذلك أضرَّ بالإنتاج الإبداعي السوري، أم فتح أمامه آفاقًا جديدة؟

صحيح، لقد فقدنا الروح التي كانت تدفع الحيوية في الدراما السورية سابقًا، والسبب هو فقدان الهوية وإصرار أصحاب رأس المال على توجيه الأعمال بما يناسب المحطات التلفزيونية التي تسيطر وتفرض شروطها هي الأخرى. لا أحد يعلم إلى أين يمكن أن يسير هذا الأمر الذي يعتبرونه تطورًا، لكن كل فنان يحمل هاجسه في نفسه ويحاول تحقيقه على الأرض، وأثناء ذلك سيواجه بالكثير من التفاصيل غير المتوقعة التي تجعله يغير المسار أحيانًا ويراعي الاتجاهات على أمل حدوث أمر يعيد الأمور إلى نصابها. المهم أن نبقى نعمل بصدق وبدافع عشق الفن.

  • هل يبدو الفنان السوري الشاب اليوم، مشغولاً بالأعمال الجدية العميقة صاحبة التساؤلات الكبرى، أم إن ظروف الحياة اليوم تميل إلى البساطة وربما الهشاشة في اختيار العناوين والقضايا؟

للأسف لا. الأعمال الهادفة والقيّمة أصبحت نادرة في هذا الوقت. لقد طغت ثقافة الاستهلاك في كل شيء. والجميع مشغول بكسب المال.

في هذا العددشروط العقد القومي الاجتماعي >>
5 1 vote
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments