انشقاقات الحزب القومي وآليات تدمير النهضة!
شام قطريب
حاولنا في هذا التحقيق، استطلاع رأي القوميين الاجتماعيين حول الانشقاق الحاصل بين “الروشة والبريستول”، ولماذا اختار البعض منهم الالتزام مع هذا الطرف أو ذاك؟ هل لأنهم وجدوا أن قيم الحق والخير والجمال يمتلكها هذا الجناح؟ أم لأن هناك اعتبارات أخرى تحكمت في اتخاذ قرارهم الحاسم بالالتزام، خاصة بعد أن تصارع الطرفان في ساحة العمل السياسي في الشام ولبنان على كسب الأعضاء “الموالين”، مستخدمين ما تيسّر من وسائل مارساها من أجل الجذب وامتلاك الساحة!
عانينا معاناة كبيرة في الحصول على إجابات شافية، والكثير ممن وجهنا السؤال لهم عبر أدوات التواصل الاجتماعي، تهربوا من الإجابة ولم يقولوا شيئًا رغم أنهم قرؤوا السؤال!
السؤال وُجه أيضًا إلى شريحة من القوميين الاجتماعيين غير الملتزمين مع أي طرف انشقاقي، بهدف معرفة عما يمكن أن يفعلونه من أجل إنقاذ الحزب، وهل يكفي الصمت والجلوس جانبًا كصكّ غفران للرفيق، أم يفترض أن يفكر الجميع في حلّ ما؟
لسنا في وارد ذمّ أحد في هذا التحقيق الصحفي، لكن ونظرًا لاحتكار المؤسسات الحزبية من قبل أفراد، وبسبب عجز هذه المؤسسات عن احتضان نقاش حزبي نهضوي وحقيقي يضع الإصبع على الجرح، اخترنا القيام بالعمل الإعلامي العلني والواضح، لأن قضية الحزب هي قضية الأمة، ولابد من البحث عن مخارج لما آلت الأمور إليه، حتى ولو كان عن طريق النقاش العلني. ويكفي أن نذكّر أن سعاده بعد عودته من المغترب القسري والبدء بطرد مجموعة المنحرفين آنذاك، قال إنه استغرب صمت القوميين عن حالات انحراف كهذه، حتى لو كان هذا الصمت بدافع الالتزام بالنظام.
لقد وجهنا إلى شريحة كبيرة من القوميين الاجتماعيين هذا السؤال:
(نجري تحقيقًا لمجلة “الفينيق” يشمل شريحة من القوميين الاجتماعيين، ويتمحور حول سؤال يقول: لماذا التزمتَ بهذا الجناح من الحزب؟ هل لأنه يجسد النهضة ويعبر عن قيم الحق والخير والجمال؟ ولماذا لا تجد هذه القيم عند الطرف الآخر؟ وإذا كنت غير ملتزم بأي شقّ، فلماذا؟ هل تنتظر حصول تغيرات ما في المشهد؟ هل فكرت بطريقة يمكن أن تُحدث أثرًا في الوضع الحزبي وتدفع للحل؟ يمكن للرفقاء المشاركة بأسمائهم الصريحة، إن رغبوا، ويمكن الاكتفاء بالاسم الحركي إن رأوا أن ذلك أنسب بالنسبة إليهم. حجم الإجابة حسب ما يراه الرفيق مناسبًا.)
نورد هنا الدفعة الأولى من الإجابات، وقد اخترنا تقسيمها على حلقات نظرًا لطولها ولكثرة المشاركين الذين قدموا آراءهم المختلفة. في كل الأحوال، يشكل هذا الاستطلاع، استبيان رأي واقعيًا وبالأسماء الصريحة للرفقاء، ما يعني أنه وثيقة معيارية لرأي القوميين الاجتماعيين فيما يجري من انشقاقات وحالات تسلط على الحزب وامتلاكه من قبل أفراد.. فلنتابع:
سمير اسحق
أزمة الحزب تكمن في أنه لم ينضج سياسيًا منذ ولادته. كان عملاقًا عقائديًا، وقد أثبتت كل الأحداث التي تنبّأ بها، أنه كان نبيًّا ملهمًا. بالمعنى الوضعي، شخّص المرض المجتمعي بكفاءة فريدة، لكنه لم يكن الحامل الذي استطاع أن ينقل فكره الى واقع معاش. قام بثورة طلب فيها من أدوات اسرائيل مساعدته في تحرير فلسطين وأقصد حسني الزعيم. لم يدرك حجم يهود الداخل، لذا اغتالوه بسهولة فكان شهيد فلسطين بامتياز. ولن اطيل في موضوع يخرجني عن سياق السؤال.
استشهد سعاده، وبعد سنتين عقد مؤتمر في بيت الأمين سامي الخوري بدمشق، أُقرَّ فيه أن الأمناء هم مصدر السلطات. وانتخب الامين عصام المحايري رئيسًا للحزب، في ظل تضخم مرضي للأنا عند أعضاء المجلس الأعلى. عندما هدّده جورج عبد المسيح بشق الحزب ليصبح رئيسًا تنازل المحايري عن سلطة لا يملكها وإنما يمثلها لمن لا يحق له استلامها وكانت الكارثة. المشكلة ليست في عبد المسيح والمحايري، بل في القوميين والأمناء. لقد قتل السراج المالكي، وكان رد عبد المسيح على مجزرة الحزب التي اعتقل فيها خمسين ألف قومي بليلة واحدة، مجموعة كلمات عنوانها سلسلة “من ولماذا” حيث حاول عبد المسيح تبرئة نفسه من التهمة، وذهب ليعيش في لبنان المحكوم فيها بالإعدام حتى ثمانينيات القرن الماضي بدون أن يعتقل!
في ظل هذا الاستقطاب الحاد بين زعامات الحزب، تربّى القوميون على عقلية النقل وليس العقل، وأصبحوا أدوات في الصراع بين أراخنة الحزب. وأصبح استخدام القوميين في المشاريع التقسيمية للحزب واردًا. لهذا كان الحزب ينهض ببطولات أفراد منه، ويعود ليكبو بمؤسسات تزعم أنها تمثل سعاده.
انقلاب الـ61 أطاح بما تبقى من عقائدية ليخرج بعدها مؤتمر “ملكارت” مطالبًا بوضع الحزب في خانة اليسار. حتى اليوم ما زال الحزب يبحث عن سعاده في حزب سعاده تحت ركام الأنا المتجذرة في قياداته. فهذا أسعد حردان يقول في لقطة متلفزة: “نحنا الحزب”. وقبله انعام رعد يكتب قراءة جديدة في المحاضرات العشر ويلصقها قهرًا في كتاب المحاضرات العشر. والبقية الباقية تنزوي كل في زاوية، وكل فرد يدّعي امتلاكه واحتكاره للنقاء الحزبي، مدعيًا أنه لو حصل ما قاله لما كان الحزب مر بهذه الأزمات.
القوميون فقدوا البوصلة العقائدية فأصبحت الجمهورية العربية السورية كيانًا نهائيًا لحزبهم بحكم الدستور. تمامًا كما أراد نعمة ثابت ومأمون إياس.
القوميون اليوم فقدوا القوة وفي طريقهم لفقدان المرجعية. فناصر قنديل هو رئيس تحرير البناء، وقاسم صالح يعمل لتنظيم مؤتمر للأحزاب العربية مع خصمه عبد الله منيني، والاثنان لم يفكر أحد منهما بعقد مؤتمر لأحزاب سوريا الطبيعية. أختم بأننا جميعًا ضائعون، سواء كنا ملتزمين مع هذا أو ذاك، أم خارجين عن هذا او ذاك. مؤخرًا أنجزت “الميادين” ما لم ينجزه قادة الحزب السابقون عن سعاده وحزبه وأعتقد أن سعاده يلعنهم في قبره!
اسماعيل سماحة
أعلن أنى غير عامل في أيّ من تنظيمات الحزب السوري القومي الاجتماعي، لأننا تعاقدنا مع الزعيم على أساس أن معركتنا هي معركة الوصول للشعب. وأننا في نهضه تحاكي كل مناحي الحياة في الأمة. وبعد قراءة مسيرة هذه النهضة منذ استشهاد الزعيم حتى الان، لم أر أي فعل يحاكي فعل النهضة القومية الاجتماعية، إنما مجموعات تتناحر من أجل تامين مصالحها ضاربة عرضَ الحائط، ببطولات القوميين وشهداء هذه النهضة العظيمة التي شاءها الزعيم القضاء والقدر.
وأمام هذا التناحر على السلطة في هذه التنظيمات، لا يسعني الا أن أؤكد أنه لا خيار لنا إلا بإعادة البناء واستكمال التأسيس، والعودة الى صباح الثامن من تموز.
ردينة الحكيم
لا حزب ولا انشقاق يعبر عن سعاده. ما أراه هو استرضاء لحلفاءٍ آخر همهم وحدة حزبنا. بتنا نخجل من أولادنا ومن محيطنا، خصوصًا لجهة الانفلات على وسائل التواصل الاجتماعي. ولا أرى الأزمه أزمة قيادة فقط، فالانشقاق الحالي أظهر تسطحًا معرفيًا وضعفًا في الروحية.
إبراهيم عجول
للأسف، لا أرى أيّ جناحٍ يملك كامل الحقيقة أو الشرعية. قد يكون بعضهم أقرب أو أصدق. التجارب أثبتت أن البعض يمارس السياسة على الصف الحزبي أكثر من العقيدة. تعاقدنا مع الزعيم ونحترم جميع القوميين أينما تواجدوا، ولو خارج المؤسسة بسبب هذه الأوضاع. كلنا أمل بعودة وحدة الحزب الى فكر سعاده كما أراده المؤسس.
كريستا خوري
حالياً أنا ملتزمة مع المركز، باعتبار أن المركز كنظام داخلي وحالة دستورية هو الشكل للنظامي. بصراحة أنا غير متفائلة بأي تحسن يمكن أن يحصل في الوضع الحزبي، فليس في الافق ما يوحي بذلك. في الحقيقة أنا أميل لعدم الالتزام بأي منهما، لأنني لست منهما. ألتزم بسعاده نهجًا وفكرًا بغض النظر عن المؤسسات الموجودة. للأسف هناك حالة انعدام أمل، وانعدام ثقة.
حسن الجعم
لست منضويًا مع أي تنظيم من تنظيمات الحزب السوري القومي الاجتماعي. ولكن هناك عاطفة تشدني لمن هم ضد أسعد حردان. لأنني أعتبر أن مشكلة الحزب هي التفرّد والتسلط واعتبار الحزب ملكية شخصية. أيضًا لا أرى في تنظيم الروشة الخلاص، لأن أكثريتهم تخرجوا من النهج نفسه. أتمنى أن يخرجوا من نهج أسعد، لكن لا ثقة لدي حتى الآن. حتى إنه لا يوجد أي ثقة بما يسمى باللقاء الموسع للإصلاح أو الإنقاذ والوحدة، لأنني أراهم رجال تسويات لا أكثر. أريد حزبًا واحدًا لا يكون خاضعًا لأجندات أمنية وسياسية من أجل مصلحة أشخاص فقط. لذلك لا أنضم إلى صفوف أي تنظيم.
إياد استنابولي
أنا غير ملتزم بأيّ من الأجنحة أو الانشقاقات أو التيارات. وأعتبر جميع الفرقاء، قوميين اجتماعيين، إلا من ثبتت ادانته وخيانته. الوضع الحزبي بحاجة الى دراسة معمّقة، وتلزمه شخصيات ذات قيادة استثنائية توحّد جميع الصفوف وتكون على مستوى كبير من المسؤولية. الأجنحة الموجودة اليوم لا تعبر عن النهضة للأسف.
صونيا ضعون
أنا غير ملتزمة بأيٍّ من الأحزاب أو الانشقاقات التي تعصف بالحزب القومي. متمسكة فقط بالعقيدة وأمارسها عن قناعة في الحياة العملية والاجتماعية، وغير راضية عن نهج أي جانب، لأنهم بعيدون كل البعد عن العقيدة، ولأن هذه الأحزاب أحزاب أشخاص. كل جانب منهم يلهث وراء الكرسي، والأنا متغلبة على النحن. مؤمنة بفكر سعاده ومتمسكة به، وقد درّسته لأولادي. نحن سائرون على خطا سعاده.
إحسان الأسمر
لم ألتزم بأي جناحٍ منذ عام 1986 وإلى الآن، لأني أرى المشهد مغايرًا لحقيقة الحزب الذي انتميت اليه. لدي مشروع إنقاذيّ جذريّ للحزب، طرحته منذ أربع سنوات، ولم أجد له أصداءً بين القوميين. وقتذاك نشأت تيارات معارضة كحركة 8 تموز وغيرها، إلا أنني اكتشفت أن تلك التيارات متخبطة لا جدوى منها.
مراد السامح
أنا غير ملتزم بأي من الأحزاب “القومية”، والسبب الرئيسي للعزوف عن الالتزام هو الانهيار الأخلاقي الذي يعصف بالمؤسسات الحزبية بشكل عام.
على الهامش
ـ أحد المنفذين العامين في الشام، وهو من التابعين لشقّ “البريستول”، تمنّى عدم ذكر اسمه، قال إنه اضطر إلى الالتزام مع هذا الجانب، رغم أن أصحابه لا يعبرون عن النهضة ولا علاقة لهم بالأخلاق القومية ولا بروحية المؤسسات التي أسسها سعادة. وقال: “أنا مضطر للالتزام بطرف تعترف بوجوده الشام قانونيًا. ففي المتحد لدينا مواطنين إذاعيين، ولدينا عددًا كبيرًا من الأشبال، كما أسسنا فرقًا ولدينا العديد من المشاريع. هذا كله بحاجة إلى غطاء، وللأسف نحن مضطرون لهذا الغطاء رغم مساوئه الكثيرة.في النهاية نريد أن نعمل ولا نريد أن يمنعونا من العمل. فالكل يعرف أن جماعة البريستول مدعومين!”