ملف الشهيد نزار بنات: نزار بنات سوري قومي اجتماعي حتى لو لم يكن منتمياً إلى الحزب – د. علي حمية
دلّت مظاهر الاحتجاج والغضب العارم التي رافقت، على مدى أسبوع، حادثة اغتيال المناضل نزار بنات، على أن الشهيد بنات لا ينتمي إلى أي من التنظيمات الفلسطينية المعروفة، المقاومة منها أو المدنية بالسواء، فلم ترشح أية معلومة تشير إلى أنه انتسب إلى حركة فتح أو الجبهة الشعبية في مسمياتها الثلاثة، أو حماس أو الجهاد، أو… إلخ، بدليل حركة الاحتجاج الشاملة- لا الجزئية أو الفئوية- التي شهدتها فلسطين بأكملها، من غزة في الجنوب إلى الجليل في الشمال، ومن شاطىء المتوسط في الغرب إلى ضفاف الأردن في الشرق، لا فرق بين منطقة وأخرى: غزة أو الضفة أو الداخل الذي يُرمز به، عادة، إلى أراضي الـ 48. مظاهر الغضب هذه التي شاركت فيها كل الفصائل: الوطني منها والإسلامي والعلماني، لم تشهدها فلسطين التاريخية (ومن ضمنها شرق الأردن) إلا في حالات معدودة نذكر منها الانتفاضة الأولى في الثمانيات من القرن الماضي ومعركة سيف القدس مؤخراً. فكما اجتمع شعبنا كله في فلسطين حول الانتفاضة مقدّماً الشهداء والجرحى والمعوقين من رماة الحجارة، بالآلاف، واجتمع في معركة القدس بالقوة والعزم والزخم نفسه، فكانت صواريخه تقضّ مضاجع المحتلين الغزاة وتنذرهم بنهايتهم القريبة، اجتمع الشعب نفسه، وكله، في مسيرة تشييع الشهيد ربيع بنات مهدداً المحتلين والخونة معاً بأشدّ ما يكون القصاص.
إن الأنباء التي تداولتها وسائل الإعلام والتواصل عن بُعد عرّفت الشهيد بنات للرأي العام العربي والدولي بأنه مناضل وناشط سياسي فلسطيني عُرف بمعارضته الشديدة للسلطة الفلسطينية المتهمة باغتياله، خدمة لدولة الاحتلال الصهيوني، وقد لاحقته هذه السلطة المأجورة باستمرار و”استضافته” سجونها ومعتقلاتها وأقبيتها، أكثر من مرة، ولمدد متفاوتة.
من هو نزار بنات، إذن؟
في تغريدة له بتاريخ 14/4/2018 يردّ فيها على سائلٍ عن سبب انبهاره بسورية: “ألهذه الدرجة سورية مهمة لك؟”، فيجيبه قائلاً: “من الطبيعي للتعريف بهويتي هو أن أقول: أنا سوري من فلسطين! إقرأ التاريخ تعرف شو يعني سورية الطبيعية”. من الواضح هنا أن بنات يُحيل سائله إلى الجغرافيا والتاريخ ويستعمل مفردات جغرافية مثل: “سورية الطبيعية” التي تدل على منطقة جغرافية محدّدة تجري فيها دورة حياتية إقتصادية – زراعية استراتيجية واحدة متشابكة بالأنهر والكتل الاجتماعية المتفاعلة، وتاريخية – جغرافية مثل:”الهوية” حيث يربط الهويّة بالجغرافيا، أي المكان، فنقول” سوري” لكل مقيم، تاريخياً، على الأرض السورية كما نقول”مصري” لكل مقيم على الأرض المصرية في حوض النيل. ومن المعروف، هنا، أن ربط التاريخ بالجغرافيا أو المكان، والسياسة بالجغرافيا أو الحيّز، في جدلية لا انفكاك منها، هي روح الفكر السوري القومي الاجتماعي الذي أرسى أنطون سعاده قواعده في هذه البلاد المعروفة بـ”سورية” أو”الهلال الخصيب” والتي تشكل فلسطين، ومن ضمنها الأردن، القسم الجنوبي منها أو ما يُعرف بـ”سورية الجنوبية”. هكذا نفهم جواب الشهيد بنات على سائله:”أنا سوري من فلسطين”.
ويُضيف بنات في تغريدته قائلاً:”سورية التاريخية المقسّمة تخوض صراعاً مريراً مع ذاتها المحطمة. إنها تقاوم بقوة فكرة سورية الانتدابية. هذا هو لبّ الصراع. وستنتصر سورية التاريخية طال الزمان أو قصر!”. هنا، يستعير بنات عبارته عن”الذات المحطمة” من رسالة للكاتب السوري جبران خليل جبران إلى صديقته الأميركانية ماري هاسكال، في عشرينيات القرن الماضي، يصف لها فيها أحوال سورية وما تعانيه من ضائقة شديدة في حياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في مرحلة ما بعد الحرب الكبرى (1914-1918). هذا ما يدفعنا إلى الاعتقاد أن بنات كان قارئاً لجبران ومتأثراً به، إلى حدّ كبير، بدليل استعارته لهذه “العبارة” التي عبّرت تعبيراً وافياً عن حالة سورية في تلك الحقبة من تاريخها. هذا، ويُميّز بنات في هذا الجزء من تغريدته بين “سورية الانتدابية” أي سورية المجزأة إلى دويلات هشّة، كما هي، في واقعها، اليوم، عنيت سورية سايكس- بيكو والانتداب الفرنسي- البريطاني، من جهة، وسورية التاريخية، أي سورية المجتمع الواحد والأمة الواحدة، من جهة ثانية، ويقول بأن سورياه أي سورية التاريخية- وهو تعبير يستخدمه السوريون القوميون أيضا- تخوض صراعاً يصفه “بالمرير” مع ذاتها المحطمة لانقسامها على نفسها إلى كيانات سياسية هزيلة هي نتيجة التجزئة الاستعمارية مؤكداً على أن سورية الحقيقية ستنتصر، في نهاية المطاف.
نزار بنات، إذن، هو سوري قومي اجتماعي من فلسطين أو سورية الجنوبية، وإن لم ينتمِ إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، عملياً، لأسباب قد نعرفها لاحقاً. إنه قومي بالروح والثقافة والتاريخ المشترك الذي يربط أجيال فلسطين بأجيال بلاد الشام كلها. إنه ابن الوسط الاجتماعي الثقافي الوطني الذي قاوم الاحتلال البريطاني والغزوة اليهودية إلى فلسطين، في النصف الأول من القرن الماضي، وهو الوسط الذي يشارك، اليوم، بقوة في الصراع الجاري ضد الدولة اليهودية الغازية ومن يقف وراءها من قوى دولية متجبرة.
نزار بنات: أمام ضريحك، سنقف يوماً نؤدّي التحية السورية القومية الاجتماعية منادين بحياة سورياك/ سوريانا وعزها وانتصارها، معتزين ببطولتك ومواجهاتك للمحتل وعبيده، حتى الاستشهاد !.
شهيدنا أنت ، وللأمة البقاء!.
بيروت في 25/6 /2021