فلسطين في ذهنية المثقف الغربي.. هل ينتصر الحق بدون مطالبين؟

image_pdfimage_print

شام قطريب

سؤال يحضر دائمًا عند مناقشة المسألة الفلسطينية من وجهة نظر الرأي العام العالمي، ويتعلق هذا السؤال بالمثقفين الأميركيين والأوروبيين الذين يفترض أنهم من دعاة العدالة والحريات ورفض الاحتلالات في أي مكان كانت. لماذا لا يتخذون مواقف حاسمة مع القضية الفلسطينية مادام منطق الحق يتطلب ذلك؟

الرأي العام الغربي المؤثر محسوم سلفاً بنتائجه النهائية لصالح “إسرائيل” سواء تحت غطاء ديني أو أيديولوجي أو استراتيجي محكوم بسياسات الدول التي تعتبر وجود “إسرائيل” مصلحةً قومية بالنسبة إليها من جميع النواحي العسكرية والاقتصادية. نضيف إلى ذلك ما يسميه الغرب باللامبالاة عند الرأي العام الشعبي، الذي يخضع في الغالب للتضليل بفعل وسائل الإعلام الممولة إسرائيليًا وأيضًا مجموعة اللوبيات والمؤسسات التي تصب في الخانة نفسها وهي الانحياز إلى “إسرائيل.”

إيما واتسون

نشرت الممثلة الإنجليزية إيما واتسون على حسابها على موقع إنستغرام، الذي يتابعه 64.3 مليون شخص، صورة لحشد يرفع الأعلام الفلسطينية، وأضيف إليها ملصق يقول “التضامن فعل”. هذا الموقف سبب جدلاً في وسائل الإعلام وأوساط المثقفين واتهمت على إثره واتسون بمعاداة السامية من قبل المؤيدين لإسرائيل، كما نشرت صحيفة الإندبندنت مقالاً لهارييت وليامسون بعنوان بعنوان “شكرا إيما واتسون – الحقوق الفلسطينية تستحق المناصرة والاهتمام.” وقد لخصت “BBC العربية” تلك السجالات في مقال نشرته عبر موقعها الألكتروني.

في عام 2008، نشر موقع “كونتر بنش” مقالاً لكل من كاثيلين المحللة السياسية السابقة في وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وبيل كريستيسون، المدير السابق لمكتب المخابرات الأميركية للتحليل الإقليمي والسياسي، وكان عنوان المقال “التحدث مع الجدار: فلسطين في الفكر الأميركي” وقد وثقا المقال بالخرائط والصور التي لا تنشر عادة في الولايات المتحدة، وتحدثا عن الظلم الذي يقع على الفلسطينيين والوهم الذي يتم تسويقه عبر وسائل الإعلام عن دولة فلسطينية مقطعة الأوصال بالجدار العازل. ثم أجريا جلسة حوارية مع صناع السياسة الخارجية الأميركية لمناقشة المقال على أمل إحداث أمل ولو صغير في هذه السياسة. لكن هذا الأمل ظل أضغاث أحلام لأن الحوار الموثق الذي قدماه لم يلق آذانًا صاغية بل وجهت إليهما إحدى الحاضرات اليهوديات تهمة حملت مصطلح ما وراء المعاداة للسامية beyond anti-Semitic  وكان من نتائج الجلسة الحوارية تأكيد الحاضرين بأن “إسرائيل” تعرف ما يجب عليها أن تفعل! كما اتهموا المؤلفان بأنهما يعرضان وجهة نظر أحادية الجانب!

لاحقًا أعرب المؤلفان عن صدمتهما من “النخبة السياسية والثقافية الأميركية” التي كانت تنظر بعدم المبالاة إلى “النظام القمعي الإسرائيلي” الذي تدعمه أميركا مع أنه منافٍ لحقوق الإنسان والحريات.

صحيح أن هناك حالات تخرج كل فترة على وسائل الإعلام لتؤكد دعمها للنضال العادل للفلسطينيين ضد الاحتلال، كالممثلة البريطانية إيما واتسون بطلة أفلام هاري بوتر، التي أعلنت ذلك منذ أيام، لكن ذلك يبقى نقطة في بحر، خاصة مع انعدام المؤسسات التي يمكن أن تتبناه وتستثمره أو تقوم بتوجيهه بالشكل المطلوب، وهذا الأمر يقع بالطبع على وزارات الخارجية في الكيانات السورية التي تتحمل الكثير من المسؤوليات في هذا الاتجاه.

مواقف الفنانين والمثقفين الغربيين كانت تتعاظم أثناء الحروب التي شنتها إسرائيل خلال السنين السابقة، وقد سبق للمخرج روبرت دينيرو أن أعلن الموقف نفسه في مقابلة مع قناة “فوكس” التلفزيونية الأميركية، وكذلك المغنية والممثلة الأميركية سيلينا جوميز، وأيضًا الممثلة الاسبانية بينيلوبي كروز وزوجها الممثل خافيير بارديم. وكذلك الملحن والمطرب البربطاني روجر ووترز، وجي كيه رولينج وهي مؤلفة سلسلة هاري بوتر الخيالية. ومن المشاهير أيضًا كريستانو رونالدو لاعب كرة القدم المعروف.

بغض النظر عن طبيعة هذه المواقف التي أعلنها مثقفون وفنانون جريئون عبر وسائل الإعلام أو عبر صفحاتهم الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي، فإن حسن الاستفادة منها لم يحدث، وكانت السياسات الخارجية لدول الكيانات السورية محتاجة دائمًا إلى لفت النظر من أجل التركيز على هذا الجانب الإعلامي الهام وفتح الخطوط مع أولئك الذين يساهمون بتشكيل الرأي العام ويؤثرون عليه بشكل قوي. صحيح أن أولئك الفنانين والمثقفين ربما لا يذهبون إلى اعتبار وجود إسرائيل ندبة يجب إزالتها نهائيًا، لكن تلك المواقف الجزئية يمكن أن تتطور لاحقًا ويمكن توظيفها لتكبر وتمتد بحيث يصبح لدينا في الغرب آلية لصناعة الرأي العام المضاد للدعاية الإسرائيلية التي تمتلك الساحة هناك. بالتأكيد لم تصل الصورة متكاملة إلى الوسط الثقافي الغربي حول كيفية نشوء هذا الكيان واتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور وسلب الأراضي بالمجازر والقوة، وهي قضايا لابد من إيصالها عبر الأساليب الحديثة المرتبطة بتطور التكنولوجيا والفنون البصرية والألعاب وغير ذلك، خاصة أن جزءًا كبيرًا من الدعاية الإسرائيلية يتم تسويقه عبر هوليود وبرامجها وأفلامها التي تصل إلى كل أرجاء العالم.

حتى اليوم، تبدو هناك نمطية محدودة النظر تحكم موضوع التعامل مع المسألة الفلسطينية، فالساعون إلى تحرير فلسطين لم يحدّثوا أدواتهم وأساليبهم أسوة بالجانب المعادي الذي يشتغل بدون كلل على جميع الاتجاهات. لقد سبق لسعاده أن قال إن القوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره، تلك القوة بجانبيها المادي والروحي مازالت بحاجة إلى الكثير من البناء كي تحدث أثرها، لأن هذا الحق لا يمكن أن ينتصر بلا مطالبين وعاملين من أجله، ليل نهار.

في هذا العدد<< مضبوعين!الطريق إلى العرّافة >>
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments