قانون الانتخاب الجديد في لبنان والطائفية الذكية

image_pdfimage_print

الفينيق / حزيران (يونيو) 2017 / في السياسة / سورية

في كتابه “أنطون سعادة والنظام اللبناني”، يقول الدكتور مطانيوس يوسف ابراهيم ما معناه إن المناقب هي دائماً جيدة وحميدة أما الاخلاق فيمكنها أن تكون جيدة ولكنها يمكن أن تكون أيضاً سيئة. إذا صح ما يقوله الدكتور ابراهيم، تكون المناقب هي الأخلاق الجيدة.

ما يهمنا من هذه الفكرة هي أن القيم الاجتماعية يمكن لها أن تكون سيئة في وقت يظن الناس أو يتوقعون لها أن تكون دائماً جيدة، والأخلاق هي مثال على ذلك.

لكن ماذا لو عكسنا النظر وتساءلنا: هل للمثالب حسنات؟ وبالتحديد أكثر: هل للطائفية صفات جيدة؟ هل لها حسنات ومنافع؟ وبالتحديد أكثر فأكثر: هل في القبح جمال؟ هل يمكن الحديث مثلاً عن ملكة جمال القبيحات بمعنى أقبح القبيحات، أو أقبح القبيحين؟ أو على الأقل، هل يمكن لأقبح القبيحين أن يفوز بمسابقة للقبح ويتمتع بالفوز ويحتفي به؟ أليس الفوز جميلاً ومحبباً؟

لكن ما علاقة هذه المقدمة بقانون الانتخابات الجديد في لبنان؟

إن الطبقة السياسية الطائفية في لبنان، القبيحة، تحتفي اليوم بـ”إنجاز” هو إقرار قانون جديد للانتخابات. والطبقة السياسية الطائفية في لبنان، القبيحة، تمنن اللبنانيين ثم تهنئهم وتبارك لهم هذا الإنجاز. وأطراف هذه الطبقة كلهم، ما عدا الذي استضعفوه وحرموه من نعمة الاشتراك معهم في إنجازهم، يتنافسون ويتبارون في انتزاع أبوة هذا الإنجاز وفضلهم عليه. وقد وردنا أنه في إحدى المناطق اللبنانية “الصرف” حدث أحتفال كان فيه طبل وزمر و”قواص” ليس فقط احتفالاً بالمولود الجديد بل أيضاً بأبوة زعيمهم الطائفي له.

الحقيقة أن من يقرأ القانون الجديد يجد بعض الصعوبة في فهمه واستيعابه من القراءة الأولى، ففيه كثير من الفذلكة وكثير من اللف والدوران والتردد بين النسبية والأكثرية، بين التقوقع الطائفي و”التعايش الوطني” لكن الطائفي. وفي النهاية والمحصلة الأخيرة يمكن القول بكل راحة ضمير: مرجوع الدب للنجاص، قانون الستين لا زال على قيد الحياة ويبلعط كثيراً في القانون الجديد.

أولاً: إن عيوب بل عاهات النظام السياسي والاجتماعي الطائفي في لبنان يبدو أنها مقدسات لا تمس. ولماذا لا؟ لولاها لما نشأت في لبنان دولة في الأساس. عيوب وعاهات هذا النظام هي، بالنسبة إلى الطبقة السياسية الطائفية بجميع أطرافها ورموزها، ليست إلا بعض شوائب بسيطة تعتري القانون يمكن إصلاحها بسهولة عندما تنتفي الحالة الطائفية، قريباً إنشاء الله! وجميع أطراف الطبقة السياسية الطائفية في لبنان بدون استثناء يكرهون الطائفية ويحاربونها، لكنهم مضطرون للمحاربة بها اليوم طالما هي موجودة، احتراماً لوجودها واحتراماً للبنانيين وتراثهم الطائفي وتاريخهم الطائفي وتاريخ دولتهم الطائفية. أرأيتم كيف يكون احترام الناس وتراثهم وتاريخهم والحفاظ عليه!

هكذا تمنن هذه الطبقة اللبنانيين وتدعوهم لاحترام فضلها عليهم. يقولون إن اللبناني ذكي. صحيح لكن الطائفية هي أيضاً ذكية. الطائفية تتذاكى!

إن توزيع الدوائر الانتخابية في القانون الجديد وحجمها بنيا على أساس طائفي، ورسمت حدود الدوائر لتتطابق مع حدود نفوذ الزعماء الإقطاعيين والطائفيين والحفاظ على هذا النفوذ ومراعاة المصالح السياسية لأطرافه، حتى ولو كان ذلك على حساب وحدة المجتمع، أي وحدة علاقاته ومصالحه الاجتماعية والاقتصادية الواحدة في وطنه الواحد. القانون الجديد، مثل القانون القديم، أريد منه أن يكرس الانقسامات الطائفية ويكرس حكم الإقطاعيين والطائفين ويبقيهم فوق رؤوس اللبنانيين وعبئاً على أكتافهم. لقد قلنا سابقاً إن هذا النظام لا ينتج غير هذا القانون، وإن من يحلم بالنسبية على أساس لبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي، هو كمن يطلب الدبس من قفا النمس.

ثانياً: عدم المساواة في حقوق الناخبين وفي طريقة انتخابهم هو أكثر من عيب وأكثر من عاهة في القانون الجديد. إنه فضيحة كاملة لا نجد مثلها في جميع الأنظمة الانتخابية في العالم إطلاقاً.

أنت في عكار، مثلاً، أو في عاليه أو زحلة تستطيع أن تعطي صوتك التفضيلي لمرشح من غير طائفتك الدينية لأن فيها مرشحين ومقاعد من أكثر من طائفة واحدة. لكنك في الكورة لا تستطيع ذلك، أنت مجبر على أن تفضل مرشحاً أرثوذكسياً حصراً وتحديداً، ولا يمكنك ولا دور لك في أن تختار مرشحاً مارونياً من بشري حتى ولو كان والد زوجتك أو زوج ابنتك، وزوجتك لا تستطيع تفضيل أخيها الماروني من زغرتا أو البترون المرشح في نفس الدائرة الانتخابية الكبرى التي اقترعت زوجتك لأحد لوائحها. إن عدم المساواة هو خرق كبير واضح فاضح لجوهر الدستور اللبناني نفسه ولجوهر ومبدأ الديموقراطية وحقوق الإنسان. لكن في شركة لبنان السياسية الطائفية لا يوجد حرمة وحصانة لوحدة المواطنة ووحدة حقوق المواطنين الاجتماعية والسياسية. كل ذلك لأن الطبقة السياسية الطائفية التي أنتجت هذا القانون، ومننت اللبنانيين به، أرادت قوننة التفاوت في الحقوق السياسية بين مختلف الطوائف والمذاهب، وأرادت تشريع التفاوت في الحق في المواطنية الواحدة التي هي الشرط الضروري الأساسي للديموقراطية كما للوطنية والولاء الوطني. الطبقة السياسية الطائفية في لبنان قررت أن تستمر، بالقانون، مغتصبة لحقوق المواطنين السياسية بعد أن كانت مستولية عليها بالتشبيح.

لقد قلنا سابقاً أن لا ديموقراطية حقيقية دون وحدة اجتماعية ووحدة حقوق سياسية. الديموقراطية في لبنان هي من أكثر الأكاذيب شهرة ورواجاً، لكن المأساة الكبرى هي في أن البعض يحتفي بذلك.

في هذا العدد<< المعارضة السورية… أزمة مشروع-مازن بلالأوروبا في مواجهة أزمة الخليج >>
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments