الإلغاء المتوقّع والتداعيات “المخيفة- صوفي نادر”
كان من المتوقع أن يعلن الرئيس ترامب قراره من الاتفاق النووي في تاريخ 12 أيار الجاري، لكن يبدو أنه لم يستطع الانتظار فأعلنه في 8 أيار، قائلا في قرارة نفسه إن العالم بأسره يعرف القرار مسبقا فلما إذن التأخير في الإعلان؟
التصريحات السياسية عامة، وتلك الصادرة في وقتنا الحاضر خاصة، يسبقها دائما نوع من الترقب، ويليها من التبعيات ما لا يعد أو يحصى. تصريحات الإدارة الأميركية فقدت عامل الترقب واستحوذت على التبعيات كلها. فإذا أردنا حصرها لن تتعدّى الأسف والخوف والخطر وطلب النجدة.
الأسف الأوروبي
حاول ماكرون خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأميركية إقناع ترامب أن الخروج من الاتفاق النووي الإيراني أمر ليس في الصالح الدولي العام. ذهب ماكرون إلى أميركا وكله ثقة في أن طلبه لن يرد نظراّ ما قدمته دول أوروبية – فرنسا وبريطانيا وألمانيا- كبرهان لانصياعها لترامب وتنفيذا لأوامره. فمقابل القصف على سوريا اعتقدت هذه الدول أنها تستطيع أن تطلب من ترامب ما تريد فيقبل. وتابع ماكرون تنازلاته بالتصريح أن الاتفاق النووي ليس كاملا وأن أوروبا تقبل بتعديله وإدخال إضافات عليه.
لكن أوروبا لم تأخذ بعين الاعتبار أن ترامب يعرف أن الاتفاق النووي هو في صالحها بقدر ما هو في صالح إيران. أوروبا التي تحتاج إلى حل لأزمتها ترى في الاتفاق الإيراني النووي مخرجا اقتصاديا يقيها شر الأيام الحالكة المقبلة. فلهذا لن يقبل ترامب أن تستفيد أوروبا من هذا الاتفاق في حين يعمل هو على تفكيكها بشتى الوسائل. فإن أي مصدر لقوتها يعتبر مرفوضا رفضا تاما.
وهنا لا يسع الاتحاد الأوروبي إلا أن “يأسف” للقرارات الأميركية، وسيعمل كما صرح به ماكرون على تمتين الاتفاق بإطار أشمل يعمل على تغطية الأعمال النووية، تغطية فترة ما بعد 2025 ويعمل على استتباب الأمن في منطقة الشرق الأوسط.
الخوف الكوري
الآن وقد قبلت كوريا الشمالية الجلوس إلى طاولة المفاوضات لبحث الشأن النووي مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية فقبلت، ليس دون وعود بوقف نشاطها النووي، أصبح الخوف يسيطر عليها من أن ينسحب ترامب من الاتفاق المستقبلي المحتمل إبرامه قريبا
وحسب مصادر موثوق بها، عبر وزير الخارجية البلجيكي، ديديه ريندرز، خلال اجتماعه بسفراء جامعة الدول العربية في الرابع من أيار عن هذا التخوف قائلا: « إذا غير ترامب موقفه من إيران فما الذي يمنعه من تغيير موقفه من كوريا؟ ». المملكة البلجيكية، التلميذ الأوروبي المجتهد، تعرف معنى الخوف من التغيرات الأميركية. فأوروبا عانت وما زالت تعاني من أن تطالها تغيرات القرارات الأميركية فتودي بها إلى التفكك.
الخطر السعودي
إثر القرار الأميركي، صرح وزير الخارجية السعودي أنه إذا استعادت إيران نشاطها النووي ستعمل المملكة العربية السعودية على الحصول على سلاح نووي؛ علما أن إيران تعمل حاليا ما بوسعها للتنسيق مع روسيا والصين وأوروبا للحصول على ضمانات بشأن الاتفاق النووي بالرغم من الخروج الأميركي. إنما وبغض النظر عن هذا القرار السعودي المفاجئ، فإن السرعة التي أطلق فيها عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي قرار مملكته بالعمل على الحصول على سلاح نووي تجعلنا نعتقد أن القرار كان قد اتخذ بين الطرفين السعودي والأميركي قبل تصريح ترامب الأخير بكثير، وأن الأمر سيتعدى موضوع اتفاق نووي إيراني فُكت أواصره ليصل إلى أعطاء الضوء الأخضر للسعودية بأن تأخذ بزمام الأمور وتعمل إما أقله على ضرب إيران ومنعها من بسط نفوذها، وإما القضاء على المنطقة برمتها في حرب شرسة.
من يطلب النجدة؟
ما تبقى من اتفاقيات دولية لا تروق لترامب حيث أعلنها مرات عدة أنه لا يرى المنفعة من وجود منظمة الأمم المتحدة ولا من وجود منظمة حلف شمال الأطلسي. فهو يعتبر أن الولايات المتحدة تساهم بالكثير من الأموال لبقائهما. وهاتان المنظمتان تستغيثان لأن القرار الأميركي واضح بشأنهما. إنما العمل على تفكيكهما يتطلب جهدا أكبر ودهاء وحنكة لخرق دولهما الأعضاء، وتشكيل تحالفات صغيرة، وإعطاء وعود حتى ولو كانت كاذبة. أي اتباع سياسة « فرق تسد ».
وبانتظار أن يعرف ترامب كيف يزيل هاتين المنظمتين الهائلتين، نراه يلهو بالاتفاقيات والمعاهدات غير آبه بردود الفعل. إلا إذا فاقت الدول من سباتها وصرخت كفى….
كم هو صعب أن تقف هذه الدول المستعبدة من قبل أميركا لتقول كفى!
الصراع كبير وعميق، بين الوجود هوية راسخة، وبين التلاشي تحت أقدام الكيان المتوحش والوقح المسمى أميركا.