الطريق إلى العرّافة
إليك عزيزي
قررت أن أعيش جو قارئة الفنجان كما قدّمها عبد الحليم حافظ. أردت ذلك الجو المشحون بالعاطفة والغموض بطريقة أو بأخرى. إلا أن المسافة إلى قارئة الفنجان كانت محفوفة بالتلفت يمنة ويسارًا كي لا يلتقطني أحد، فالست مشهورة جدًا، وأي غريب عن الحارة ينظر إليه الناس على أنه زبون حتمي لهذه المرأة، لدرجة أن طفلاً أشعثَ أوقفني في الطريق يسألني: “بتعرفي بيتها؟” أجبته بالنفي، فطلب دينارًا كي يبلغني منتهاي. المهم دخلت وفي جعبتي ذاتي المجردة، بدونِكَ وبدون أي شيء. الهدف هو التجربة لأجل التجربة، فبدأت حديثها عنك، وأبشّرك فالأمر ينصبّ على علاجين متبادلين، فأنت علاج لي، وأنا علاج لك. هكذا قالت العرّافة المشهورة جدًا، صاحبة الكشفية البالغة 25 دينارًا على الفنجان الواحد. وللوضوح، فالعرّافة لم تفترِ شيئاً، بل قالت كل ما تبدّى لها منّا، على أنها أبقت حيرة الخائف الدائم رغم مظهره اللامبالي. لا أخفيك فأنا أؤمن بأن تاريخ الميلاد يسقطك في مرحلة مَرَضية معينة، ومرضي البسيط هو الثبات النفسي. فأنا لا أصحّ مع الحزن المستدام ولا أطيقه، وهو يهرب مني، وكذا الفرح الدائم. لذا فأنا نكدية وفي داخلي ما هو أبعد مني، وليس لي. فحتى توأمة غير مقصودة تبقى في حيز التنفيذ إلى أن أسقط في الملل، وهو أسوأ أعدائي. لكن الثبات النفسي صديقي المدافع عني، وصاحب أكبر حضور في كل مراحل الوقت الذي قطعته هنا، وهو بذا أكبر أعداء الجميع عداي.
حاولت العرافة أن تخبرني بأن هناك امرأة تناصبني العداء. ضحكت مطولاً وسألتها مباغتة: هل تظني لو أنك صاحبتني في مشوارين لن تعاديني؟ فأنا ورغم كل شيء أعادي الكثير من أنواع النساء، أعادي النسويات اللاتي لا يعرفن الخمسة من الطمسة في الواقع، ويعبّرن عن مسائل محدودة غير صالحة لحل أية مشكلة مهما كانت. وأعادي “النسوان” وعتبات ما يركضن خلفه من وهم الحياة المستقرة ويعشن طوال الوقت يحففن ويزففن بـ “أبو ريالة”. وأعادي المجسمات البلاستيكية التي ورطتنا في نموذج استهلاكي للجمال دون أي هامش من الخطأ. وأعادي ذلك النوع الذي يعتقد أنه يحمل الكثير وهو لا يحمل سوى التخلف على شكل خطاب مدافع عن إبقاء الفضيحة كقيمة نُحاكم من خلالها. وحتى هذه العرّافة، فأنا أعاديها لأنها لم تجبني بما قد يشفي الغليل. فأنا لم أحضر كي أعرف عن مصير علاقتنا عزيزي، بل حضرت لأستدل على طريق بسيط لا أكون فيه خارج ذاتي، وأقلل من شعوري بالعداء مع كل هاتيك النسوة، وأهمهن البلاستيك، والنسوان، والنسويات، وحاملات قيمة المحافظة على الفضيحة كقيمة.
نهاية المطاف خرجت كما دخلت مع خسارة مبلغ وقدره 26 دينارًا، دينار منها “مدلية” الطفل الأشعث الانتهازي.