الطائرات المسيرة والمعادلات الجديدة للحروب

image_pdfimage_print

علي قطريب

غارتان نفذهما اليمن ضد مطاري دبي وأبو ظبي وبعض المنشآت النفطية، كان من شأنهما إحداث قلق إقليمي وإعادة تموضع للقوات وشراء أسلحة جديدة وإبرام اتفاقيات بين الدول المتحالفة وعلى رأسها الإمارات و”إسرائيل”. الباحثون اليوم يتساءلون إن كان بإمكان الطائرات المسيرة إحداث هذا الانعطاف غير المتوقع في الحروب التقليدية؟ وهل يمكن أن تكون هناك تطورات لم تصل إلينا بعد مثل استخدام الروبوتات الذكية في المعارك إلى جانب المدرعات الذكية التي يتمكن التحكم بها عن بعد؟

بقدر ما أدت إليه الغارات اليمنية على الإمارات من قلق لدى “إسرائيل”، فإنها من ناحية ثانية شكلت فرصة للذهاب بالإمارات إلى أبعد ما هو متوقع في تحالفها مع كيان العدو. صحيح أن الإمارات حسمت أمرها بهذا الاتجاه، لكن يمكن لهذه التطورات العسكرية التي فاقمت شعور الإمارات بالخطر، أن تؤدي إلى إبرام صفقات أسلحة جديدة مع “إسرائيل” خاصة من جهة الرادارات والصواريخ المضادة للطائرات المسيرة والصواريخ البالستية التي تستخدمها إسرائيل فيما تسميه بالقبة الحديدية. المسافة بين مكان إطلاق الطائرات المسيرة اليمنية، والأهداف التي وصلت إليها في أبو ظبي ودبي تبلغ قرابة 1200 كيلومتر، وهي قريبة من المسافة التي تفصل تواجد القوات اليمنية بالقرب من مضيق باب المندب، من “إيلات” وبعض المواقع الإسرائيلية الأخرى، حيث تصل المسافة إلى 1500 كيلومتر. وهنا يكمن القلق الإسرائيلي من تطور القدرات اليمنية، ويزيد من احتمالات استهداف “إسرائيل” خاصة بعد التنسيق العسكري والاتفاقيات المتعددة التي أجرتها هذه الأخيرة مع الإمارات.

الطائرات المسيرة سبق أن استخدمت كثيرًا في الحروب خلال السنوات الماضية، فقد تعرض مطار حميميم في اللاذقية إلى عدة هجمات دفعت روسيا لاستقدام أسلحة ليزرية جديدة من أجل الكشف المبكر عن هذه الطائرات التي وفرها الأتراك للمجموعات المسلحة المدعومة من قبلها في الشمال السوري. كما تعرض الجيش السوري أثناء الحرب إلى هجمات مبرمجة من هذه الطائرات دفعته لاتخاذ الاحتياطات المسبقة من أجل التعامل مع هذه الظاهرة الجديدة التي وصلت إلى أيدي مسلحي داعش والكثير من التنظيمات المتطرفة، وكان المصدر دائمًا تركيًا أو أميركيًا.

الصحف والإذاعة الإسرائيلية، أفردت أكثر من مرة خلال الفترة السابقة برامج ومقالات من أجل الحديث عن هذا الموضوع، وتحدثت عن قلق وفرصة يمكن استغلالها لتطوير العلاقات وتشكيل حلف ضد إيران التي يتهمونها بأنها وراء تطوير قدرات اليمن القتالية. في غمرة هذه التطورات يمكن أن نتحدث عن دفعة ستشهدها الأحداث في المنطقة، خاصة بعد أن هدد اليمن باستهداف معرض إكسبو التي تقام فعالياته في دبي هذه الأيام، وهو ما دفع المنظمين إلى إلغاء احتفال كبير كان مقررًا إقامته ضمن الفعاليات. في كل هذا تبدو الطائرات المسيرة هي المسؤولة بشكل رئيسي عن التغيرات المنتظرة، وهذا الأمر ينطبق على احتمالات الحرب مع لبنان، إذ إن حزب الله سبق وأرسل طائرة مسيرة منذ عدة سنوات إلى داخل الأرض المحتلة، الأمر الذي دفع الإسرائيليين للحديث عن أسلحة حديثة يمتلكها الحزب وستشكل مفاجأة في المواجهة القادمة.

الطائرات المسيرة الأميركية سبق وقامت بغارات كثيرة في الأراضي السورية، تخللها العديد من المجازر ضد المدنيين، فقد ذكرت جريدة “نيوروك تايمز” في تحقيق استقصائي أن القوات الأمريكية قامت بغارة جوية مسيرة على قرية “توخار” في الشمال السوري مستهدفةً فيها ثلاثة تجمعات لقوات “داعش” نجم عنها 85 قتيلًا من عناصر التنظيم حسب التقارير الرسمية الأميركية. التحقيق يؤكد لاحقاً أن الغارة استهدفت مجموعة من المنازل القروية البعيدة عن خط القتال مما أسفر عن وقوع 130 ضحية من المدنين. إنها الطائرات المسيرة، التي يمكن أن تقع في الأخطاء الجسيمة كما يقول الأميركيون أنفسهم. ففي عام 2019 شنت القوات الأميركية غارة فاشلة في بلدة “الباغوز” السورية، حيث أسقطت طائرة مسيرة قنبلة بوزن 500 رطل على حشد من النساء والأطفال، ثم تبعتها بقنبلة أخرى بوزن 2000 رطل، مما أدى إلى مقتل أكثر من 50 ضحية من النساء والأطفال،  بعد الحادث طالب أحد الضباط بحفظ مقاطع الفيديو التي صورتها الطائرات المسيرة خلال قيامها بالعملية وأبلغ الرتب الأعلى بالضربة. الغارة بأكملها تنتهك” قانون النزاع المسلح” وهذا ما يعد جريمة حرب في القوانين الدولية وبناءً على ذلك تمّ تجميد التحقيق ودفنه بين الملفات السرية.

رداً على أسئلة جريدة “نيويورك تايمز” قال الكابتن Bill Urban  المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية إنه “حتى مع وجود أفضل التقنيات في العالم  تحدث أخطاء سواء بناءً على معلومات غير كاملة أو سوء تفسير للمعلومات المتاحة. ونحاول التعلم من تلك الأخطاء.” ما نريد قوله، إن عمل الطائرات المسيرة وتقنياتها يخضع للتجارب الأميركية على الأرض السورية حيث تعتبر واشنطن هذه الحرب فرصة لاختبار المعدات المسيرة عن بعد والتي تطورت كثيرًا عن الفترة التي استخدمتها أميركا أثناء حربها في أفغانستان.

بالعودة إلى الغارات التي حصلت مؤخرًا على مطاري أبوظبي ودبي ومواقع نفطية أخرى، فإن الصحافة الإسرائيلية تحدثت عن إرسال إيران لطائرة شاهد 136 إلى اليمن، ويبلغ مدى هذه الطائرة 2000 كليومتر. أي أن هذه الطائرة ستكون قادرة على الوصول إلى الكثير من المواقع الإسرائيلية التي لا تبعد عمليًا عن باب المندب سوى 1500 كيلومتر. وهذا من شأنه أن يسرّع في إنجاز الاتفاقات الإماراتية الإسرائيلية على الصعيد العسكري، كما أنه سيدفع بتشكيل الحلف الخليجي الإسرائيلي نحو الأمام حيث إن الدول المترددة في الانخراط في هذا الحلف ستجد الذرائع التي تتحمس لذلك. هذه التطورات تجري بلا رؤية سياسية عربية أو في المشرق العربي المعني كثيرًا بهذه التطورات. فالعرب في هذه المرحلة يظهرون وكأنهم بانتظار الأحلاف التي سوف تتشكل عمليًا على الأرض كي يكونوا جزءًا منها!

في هذا العدد<< التعديلات الدستورية 1950 وما بعدبين مصدر السلطة وانبثاقها >>
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments