السابقة – رئيس التحرير
“وقد بذلت القيادة السورية مشكورة جهودا كبيرة لتحقيق هذه الوحدة…”
“وبناء على الاقتراح الخطي المقدم من حضرة رئيس المؤتمر العام والمبني على اقتراح سعادة سفير الجمهورية العربية السورية في لبنان بإعلان…”
هاتان العبارتان مأخوذتان من وثيقة وصلتنا خلال الساعات الماضية من أكثر من عضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي. ومع أنه واضح من نص الوثيقة أنها مسودة، فإن هاتين العبارتين تتكرران في معظم المسودات التي قرأناها فيما يتعلق بأزمة الحزب التي انفجرت بعد انتخابات أيلول الماضي. لم نسمع ردا على هذه الوثيقة، ونتحفظ على نشرها. ولكن وقعها مسيء كما لاحظنا من الرسائل العديدة التي وصلتنا.
لعلّ أخطر ما قام به أسعد حردان بعد انتخابات 13 أيلول الماضي هو تأسيسه للسابقة التالية: يقوم من يخسر الانتخابات الحزبية بالاستعانة بصديق قوي يفرض على الرابح التراجع عن ربحه وإعادة الانتخاب. فإن فاز الخاسر، كان خيرا، وإن لم يفز، نعيد الكرّة إلى أن يفوز. وإذا كان لحردان السجل الأطول في تاريخ الفاسدين في الحزب، فإن هذه السابقة هي الأبشع والأخطر، وسوف تثبت كقاعدة عمل إذا قبل القوميون بها، بحيث تصبح الانتخابات مهزلة.
هذه السابقة ما كان يمكن لها أن تصل إلى حيث وصلت دون رئيس هيئة المؤتمر وتحركاته. منع هذه السابقة من الترسّخ في تاريخ الحزب يجب أن تكون في طليعة أولويات القوميين أينما كانوا.
ومع أن التدخلات الخارجية في الانتخابات الحزبية كانت أمرا واقعا منذ السبعينات وربما من قبل، إلا أنها كانت دائما تُغَلّف بعملية انتخابية “نظيفة”، تنتهي برئيس جديد، وحفل تسلم وتسليم، وابتسامات كاذبة، ومصافحات بيد وخناجر وراء الظهر. بعد سابقة حردان، لم يعد هناك من حياء وتكاذب. “نحن هنا بسبب أصدقائنا، شئتم أم أبيتم.” هذا هو الموجز لما نخشى ان تسفر عنها التحركات الدائرة إذا عقد مؤتمر تليه انتخابات كما يروج. وقد أعطينا رأينا بذلك في مقال سابق هو “سريالية المشهد“.
نترك كل هذا وراءنا للحظة، ونسجّل ما يلي:
- إن معركة الحزب التاريخية، سواء أكانت أثناء وجود سعاده أم بعد استشهاده هي معركة بين خطين لا يلتقيان، خط الصراع في سبيل القضية، وخط التناحر طمعا بالسلطة، وقد سميناهما في مقال سابق حزب الحزب وحزب السلطة.
- حزب السلطة هو المسيطر تاريخيا، وكان له يد في عملية اغتيال سعاده سواء بالتواطؤ أو بالإهمال.
- يستخدم حزب السلطة أعضاء من حزب الحزب تنفيذا لمآربه، فيشارك هؤلاء ظانين أنهم يعملون في حزب القضية.
- حزب السلطة يستفيد من بطولات حزب القضية ويقرّشها لمصالحه الخاصة.
- الانشقاقات هي نتيجة ممارسات حزب السلطة، وقد أخذت شكلين تاريخيا: رفض حزب القضية لممارسات حزب السلطة – انتفاضة أبو واجب، وهذه انتهت بالاغتيال على يد حزب السلطة. أما الشكل الثاني فهو تناحر داخل حزب السلطة يؤدي إلى انقسامهم ومن ثم اتفاقهم، إما على صيغة لاقتسام المغانم، أو بالضغط من جهة خارجية.
- لا استقلالية لقرار حزب السلطة. أقصى إنجازاته تلزيم الحزب لممول خارجي يستعطيه ويقدم له الطاعة.
هذه النقاط هي زبدة درسٍ لتاريخ الحزب ليس من ناحية سردية، بل من ناحية فهم أسباب الانشقاقات الحزبية وآلياتها.
إن ما ينتظر القوميين في آب القادم في حال تم للخاسر والصديق إرادتهما هو استمرار لهذا المسار. الخاسر “استعان بصديق”. والصديق ضغط وهدد واعتقل وضيّق الحريات. هل ينجح في ذلك؟ الأيام القليلة القادمة ستكشف المستور.
والعمل، يسألك صديق مخلص. في رأينا أن المرحلة القادمة يجب ان تكون مرحلة فرز وقطع. فرز لمن هم في حزب السلطة وقطيعة تامة معهم. أما ما سينتح عن المؤتمر والانتخابات في الشكل الذي يحضر له، فهو استمرار لحزب السلطة. وهذا الحزب لا علاقة له بالقضية القومية. نقولها بكل راحة ضمير.
أما لمن يقول “خلينا نتوحد ونجرب ونعطي الفرص”، فهناك لائحة من الأمثال التي تصور الحالة. أولها، “اللي جرّب المجرّب…” وليس آخرها المثل الإنجليزي القائل، ” تخدعني مرة عار عليك. تخدعني مرتين، عار علي.”
صريح وواقعي هل هناك من يسمع ام انه صرخة في وادي؟
أعتقد أنها تسمع.
عندما يقتنع من يعمل في حزب الحزب (حزب النهضة) _وهم الاكثرية _أن تضحياتهم تخدم حزب السلطة ولا تخدم النهضة يمكن ان يتغيّر الكثير.
شكرا. وهو كذلك، وهذا ما نعمل عليه.