استئصال المخيلة!
يسألني الطبيب: هذه إلى أين؟
أرد بسرعة: إلى الأعلى.
يشير بالعصا النحيلة ثانيةً: وتلك إلى أين؟ أقول بلا تردّد: إلى اليسار.
يعكس الحكيم الاتجاه ويسأل: طيّب هذه إلى أين؟ أجيب مباشرة: إلى اليمين!
يصرخ الطبيب: رائع.. ويتابع: والآن هذه “الفستوكة” الصغيرة إلى أين؟ أقول بسرعة: إلى الأسفل!
يقلب الحكيمُ اللوحة ويعيد توزيع أحرف الـ E ثانيةً، ثم يعيد الكرّة والنتيجة دائماً عشرة على عشرة!
يضع الحكيم عصاه الرفيعة على الطاولة ويقول: تفضل يا أستاذ.. يخزي العين، نظرك مثل زرقاء اليمامة!
أقول: ولكن يا دكتور هناك ألم في عيوني وصعوبة في قراءة المرحلة! يردُّ بحزم: لكنك اكتشفت اتجاهات جميع أحرف الـ E حتى الدقيقة منها التي لا يكتشفها عادة إلا أصحاب النظر الثاقب!
.. يغيّر الحكيم أسلوب المعاينة، فيضع رأسي بين أساور وسنّادات ويطلب مني أن أجحظ عيني وأحدّق جيداً في الشاشة، ثم يسأل:
.. طيّب ماذا سيتضمن بيان الحكومة القادمة؟
أجيب: سيؤكد استمرار عملية التنمية وتعافي الاقتصاد ودخول الشعب حالة البحبوحة بإذن الله.
..وهل من تغييرات في كراسي الوزارة؟
أبدا، تبديل طرابيش والأداء نفسه “دبكة خرما”.
..ولماذا أجّلوا موعد المؤتمر العام للحزب؟
اختلفوا على تقاسم الغنائم والمناصب ثم جاءتهم أوامر التأجيل من فوق ريثما يتم الاتفاق!
يخلع الدكتور نظارته، ويفك الأشرطة ويشيل الأفياش والأساور، ثم يجلس خلف الطاولة ويقول:
مممممم.. المشكلة في المخيّلة يا أستاذ.. تحتاج علاجاً للمخيّلة كي لا تكتشف علامات الـ E وحتى لا تعرف بيانات الحكومة، ولا تكتشف نتائج مؤتمرات الأحزاب قبل أن تُعقد.. المشكلة بالمخيّلة يا أخي، فأنت ترى الأشياء برأسك وليس بعينيك، عالج المخيلة أولاً ثم ارجع لعندي كي نعيد نظرك إلى وجهته السليمة أسوة ببقية أبناء الشعب!
.. عند الحكيم المختصّ بنفض المخيلات كانت الوصفة: نشرة الأخبار الرسمية ثلاث مرات في اليوم.. خمسة أباريق متة مع أبو جعفر “ع الريق” يومياً.. كبسولة تدجين تحت اللسان.. وعند الضرورة سيكارة تحشيش.. وإلاّ استئصال المخيلة يا فهمان!… عرفتوا كيف؟