LOADING

Type to search

Peripety

موضوع العدد

Peripety

أسامة المهتار
Share

كُتبت مسودة المقال الأولى منذ أكثر من أسبوع، فلا علاقة للمضمون بأي حدث آني. إنها ملاحظات من اختبارات الحياة.

أول مرة قرأت هذه الكلمة كانت في “إلى مخرج حفنة ريح” للرائع سعيد تقي الدين. وهو، بعد أن يعطي معناها القاموسي، “التأرجح”، يتوسع في شرحها فيقول، “الحيرة والتأرجح والتردد واحتمال وقوع أي شيء – ضع كل هذا في قنينة وخضّها تفز بكوكتيل اسمه Peripety”.

يستخدم سعيد تقي الدين التأرجح كقوة درامية تُبقي المشاهد في حالة ترقب لما سيؤول إليه المشهد نتيجة التأرجح. ولكن للتأرجح نتائج سلبية جدًا خاصة في الحركات التغييرية. بل يمكننا القول إن أخطر ما تواجهه الحركات التغيريّة هو تأرجح بعض أعضائها بين مستقبل يجب ان ينشدّوا إليه وماض يشدّهم. فهذه الحركات تعمل لإحداث تغيير جذري في مؤسسة ما أو في مجتمع ما، فتضع رؤية جديدة تدعو الناس إلى العمل لتحقيقها. والتغيير الجذري ضروري للحماية من أخطار وأضرار قد لا يمكن عكس مفعولها. ولنجاح التغيير، يجب ان تكون القوى التي تنهض به أكثر قوة من القوى المناهضة له.

وحيث أن التغيير الجذري يهدف إلى تغيير واقع حالي متجذر ونافذ في المجتمع، فمن الطبيعي أن تكون القوى التغييرية، في بداية عملها، أقل قوة من القوى المناهضة لها. بناء عليه، لا يمكن أن يتم التغيير بين ليلة وضحاها، بل سوف يأخذ جهدًا ووقتًا لينتشر الوعي بضرورته من جهة، وبالمخاطر الناجمة عن عدم الأخذ به، إلى أن تصبح لقوى التغيير قوّة التغيير.

نعود الآن إلى التأرجح الذي يطال بعض قادة فريق التغيير، أسبابه، ونتائجه.

السبب الأول: عدم تحقيق انتصارات مبكّرة تدعم معنويات فريق العمل وتعطيه شحنًا إضافيًا للاستمرار. بل إن قادة التغيير عادة ما يبحثون عمّا يعرف بـ “الفاكهة المتدلية”، أي انتصارات سريعة لا تحتاج إلى مجهود قوي، تشحن فريق التغيير وتزيد من فاعليته. في حال عدم تحقيق الانتصارات سريعًا، يبدأ العاملون بالتساؤل عما إذا كانت قضيتهم محقة أم لا، خاصة وأن القوى المناهضة للتغيير هي في حالة عمل مستمر لإحباط معنوياتهم.

السبب الثاني: الركض وراء السراب. والمقصود بالسراب هنا هو محاولة فريق الواقع الحالي، أن يظهر نفسه بمظهر المدرك لأهمية التغيير وأنه هو القائد التغييري، ولكن وفق أجندته وبرنامجه الزمني، ووفق “أهداف معقولة” وليست “تعجيزية”. إن هذا الفريق لن يتواني عن عرض جميع المغريات أمام فريق التغيير لكي يترك برنامجه التغييري وينضم إلى “برنامج إصلاحي”.

السبب الثالث: “البرق الخلّب”، أي الخادع الذي لا مطر معه، وهو قريب من السراب. والمتأرجحون يأملون خيرًا منه دونما تفكير ما إذا كان يحمل مطرًا أو لا. عمليًا، يحدث هذا حين تختبئ منظومة الواقع الحالي وراء شخص نظيف الكف منزوع الصلاحيات. ينساق المتأرجحون، وراء “النظيف” إلى أن يجدوا أنفسهم في وضع أسوأ مما كانوا فيه.

السبب الرابع: الخوف من النجاح. وهذا السبب قد يبدو غريبًا، ولكنه يحدث حين يضع بعض أعضاء مجموعة التغيير جهدًا كبيرًا يوصلهم إلى عتبة النجاح، فيصيبهم نوع من القلق أو الخوف الذي لا مبرر له، فيتركون العمل، دون تفسير، وينكفئون كليًا، أو يدورون من سراب إلى برق خلب فسراب، فبرق، وهكذا.

إن نتائج التأرجح، خاصة إذا ضرب أعضاء قياديين في المؤسسة أو المجتمع، تكون كارثية على الجميع. أول من يخسر هو المتأرجح نفسه؛ إنه يخسر مصداقيته. الخاسر الثاني هو فريق العمل التغييري. فالتأرجح يصيب باقي فريق العمل بالحيرة والارتباك وحتى الشك وهذا ما يؤثر على نفسية الفريق، وعلى عملية التغيير برمتها. في مثل هذه الحالات تقوم قوى الأمر الواقع باستخدام المتأرجحين كدليل على فساد المشروع وعلى عدم ثقة حتى العاملين بأنفسهم وبمشروعهم. وما قد يصيب فريق العمل أيضا هو الانقسام خاصة إذا كان المتأرجحون من ذوي المكانة او الاحترام، إذ قد يلحق بهم بعض الأعضاء في رحلتهم إلى الماضي الذي زعموا انهم يريدون فكاكا منه.

عمليات التغيير الجذرية تحتاج إلى قناعات مبنية على أسس علمية ومنطقية، وعلى أناس صلبين، يحملون هذه القناعات ويعملون من وحيها ضمن خطط عمل مدروسة بحيث لا تنتهي إلا بالنصر. في عملية كهذه، لا مكان للتأرجح، إنه مقتل التغيير.

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
LinkedIn
Instagram0

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.