LOADING

Type to search

الرأس المقطوع!

موضوع العدد نقد سياسي

الرأس المقطوع!

Avatar
Share

استيقظ في أحد الصباحات المشرقة، فوجد نفسه بلا رأس!
أول الأمر، اعتقد أنه كابوس ألمّ به بعد وجبة المجدّرة الثقيلة التي تناولها على العشاء. لكنه عندما تحسّس الفراغ بين كتفيه، تأكّد أن رأسه قد اختفى فعلاً!.
مدّ يديه مفتشاً وراء المخدّة وتحت السرير وفوق الطربيزة. فتح أدراج الخزانة وبحث خلف الكنبة، لكن بلا فائدة!.
تساءل إن جاء لصّ في الليل، فاستولى على الرأس وهو نائم؟ لكنه استبعد هذا الاحتمال، فمن غير المعقول أن تكون الأوهام والهموم والأفكار التي يحملها في رأسه، كنوزاً بالنسبة للسارقين!
تساءل بحيرة، كيف سيذهب إلى العمل بلا رأس؟ هل يعقد ربطة العنق حول خصره مثلاً، ثم كيف سيسرّح شعره ويحلق ذقنه؟
راجع سجلّ خيالاته في الفترة الأخيرة، وفكّر إن كانت الحكومة وراء اختطاف الرأس واعتقاله في أحد السجون، بعد إخبارية من أحد المتسللين إلى دماغه خلسةً في الليل؟ لكنه استبعد الفرضية، فهو يغلق صندوق رأسه جيداً بالقفل، ولا يخبر حتى زوجته بمكان المفتاح.
فكر أن الحياة يمكن أن تكون جميلة بلا رأس! لكنه خشي وقوعه في أيدي المغرضين الذين يمكن أن ينبشوا خباياه أو يستنطقوه فيسببوا له المتاعب. ثم هدّأ روعه قائلاً إن رأسه اليابس لا يمكن أن يغدر به، وهو بالتأكيد سيعود لأنه لن يقدر على الاستمرار بلا الجسد.
أمضى عدة أيام في المنزل، بانتظار أن يعود الرأس من تلقاء نفسه، وكان يتابع نشرات الأخبار ويتنقل بين محطات التلفزة، عساه يعرف أكثر عن الرأس المقطوع الذي قالت وسائل الإعلام إنه يتجول وحيداً آخر الليل.
الأنباء كانت متضاربة، بعضهم قال إن الرأس يظهر في العتمة مثل الشبح، وآخرون تحدثوا عن رؤوس راحت ترافقه ويزداد عددها في كل مرة. وعند كل نبأ جديد، كان منسوب القلق يرتفع لدى صاحب الجسد، من كارثة يمكن أن تحدث له بسبب هذه القصة غير المنطقية التي لم تحدث لأحد في السابق.
بعض المراسلين شككوا في نيّات الرأس بعد أن اجتمع حوله الكثير من الرؤوس، فتوقعوا أن يشكل حزباً بغايات مشبوهة. وبعضهم قال إن الرؤوس لاشك تعبت من الأجساد فتمرّدت عليها. وراحت وسائل الإعلام تنشر صوراً لرؤوس تتجول طالبة من جميع الرؤوس الانضمام إليها!.
فكر الجسد طويلاً وضرب أخماساً بأسداس وانتابه الهلع عندما تخيل أن الرأس قد قُبض عليه واضطُر، تحت الضغط، لنكت الخمير والفطير.. لكنه ابتسم في سرّه عندما تذكر صعوبة التأكد من هوية الأجساد صاحبة الرؤوس، خاصة بعد أن كثرت الرؤوس المتجولة، وتزايد عدد الأجساد التي فقدت رؤوسها!.
كبرت القصة، وصار معظم الناس في المدينة يتجولون بلا رؤوس، بعدما اختفت رؤوسهم بين ليلة وضحاها. القيادات كانت تجتمع بلا رؤوس، الموظفون والعمال أدّوا مهامهم بلا رؤوس. أيضاً العاشقون استغنوا عن الرؤوس، فتبادلوا القبلات بلا شفاه، والسائقون قادوا الحافلات بلا عيون، السعداء ضحكوا بلا أفواه، والحزانى ذرفوا الدموع بلا عيون.. حتى المدينة الكبيرة والعالية، ظهرت ممدّدةً ومستسلمة، كأنها مقطوعة الرأس!.
عرفتوا كيف؟

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
LinkedIn
Instagram0

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.