عزّلوا سقيفاتكم.. أيها السادة!
Share
تبيّن بعد تحليل مريع، أن هناك سقيفة مبنية بشكل مخفي داخل رؤوس البشر. بغض النظر إن كانت جماجمهم ثلاث غرف وصالون مع تراسات ووجائب، أم غرفة ومطبخ بلا برندة على الشارع. فالرؤوس المفلطحة مثل البطيخة، والدائرية مثل الطابة، أو المستطيلة مثل الطربيزة، ومعها الرؤوس اليابسة مثل الحيط، والمرنة مثل الجيليه، جميعها تمتلك سقائف سرية معتمة تحتاج للنبش والتعزيل كل فترة، وإلا تحول المخ إلى مستودع خردة، أو كراج للسيارات الصدئة!
. وحتى لا يسرق أحد اكتشافي النادر هذا، رحت أطلب ممن أخوض معهم جدلاً بيزنطياً لا يوصل لنتيجة، أن نجلس في السقيفة حتى نناقش الوضع السياسي وأسباب انقراض القصيدة العمودية أو مستقبل قصيدة النثر. وعندما كان الشخص ينكر وجود السقيفة لديه بشكل حاسم، أضطر لفتح المخطط التنظيمي للرأس العربي الذي رسمه المهندسون المحليون والأجانب منذ ألف وخمسمئة سنة حتى الآن!
ولأن سقيفة الرأس العربي، أصبحت غرفة معيشة عند الناطقين بالضاد، فإن خططهم الاستراتيجية تمدّ أرجلها على قدّ سقائفها، بل وصل الأمر لأن يقول بعضهم: سقيفتي.. ومن بعدها الطوفان!
تاريخياً، نسج العرب أخطر خلافاتهم، تحت السقيفة. وعندما داروا فضائحهم وضبضبوها، صعدوا إلى السقيفة! في السقيفة خبأوا المفاتيح والأقفال مع الضغائن والعلاقات المحرمة والعيش بعدة أوجه. ورغم أن جميع البشر يملكون في رؤوسهم سقيفات بحكم الطبيعة، إلا أن سقيفات العرب ظلت رائحتها تزكم الأنوف نتيجة كثرة النفايات وعدم التنظيف!
يقولون إن السقيفة يمكن أن تؤثر على البيت كله. وعندما يوصف أحدهم بالمخ النظيف، فمن المؤكد أنه يواظب على تنظيف سقيفته بشكل دوري. حتى على صعيد الحب والموارد البشرية واستيقاظ الأحزان الدفينة، فإن السقيفة هي المنبع والمصب في آن معاً. ورحم الله شخصاً عرف محتوى سقيفته فوقف عنده!
يتورط بعض الكتاب بالتكرار وغياب الابداع، والسبب يعود دائماً إلى تراكم الكراكيب في السقيفة.. حتى العشاق يصابون بالفشل إذا أهملوا سقيفاتهم وحولوها إلى مخازن للمشاعر التالفة.
السياسيون ينبشون الخطابات القديمة من السقائف. والقتلة يخفون جريمتهم في السقيفة. السقيفة تقود البيت وتصنع ديكوره ورائحته الخاصة دون أن يعلم ربّ المنزل.
تلك الروائح العفنة.. مصدرها السقيفة أيها السادة! عرفتوا كيف؟