LOADING

Type to search

إسرائيل من الداخل -3: “لا توجد بطاطا في السوق”.. “طوفان الأقصى” يهدد الأمن الغذائي لإسرائيل

موضوع العدد

إسرائيل من الداخل -3: “لا توجد بطاطا في السوق”.. “طوفان الأقصى” يهدد الأمن الغذائي لإسرائيل

أحمد أشقر
Share

كانت صرخة امرأة يهودية: “لا توجد بطاطا في السوق”، مؤشّراً على أزمة حادة في توفير الخضار في الأسواق؛ أزمة قد تدوم، خاصة إذا علمنا أن منطقة النقب الغربي التي تعدّ جزءاً من مسرح الحرب الحالية، تشكلّ 50% من الأراضي الزراعية في إسرائيل، وتُعدّ مصدر 75% من الخضار، و20% من الفاكهة، و6.5% من الحليب. تُضاف إليها منطقتي الجليل والجولان وهما أكبر مزودان للفواكه، والبيض، واللحوم المختلفة. ووسط البلاد ومرج ابن عامر اللذان ينتجان الخضراوات والحبوب واللحوم والحليب. علماً أن إسرائيل تصدر 40% من الخضراوات والبطاطا التي تنتجها (موقع وزارة الزراعة).


اعتمد المستعمرون اليهود، وكيانهم الإستعماري فيما بعد، على الزراعة لعدة أسباب: احتلال أراضي العرب والسيطرة عليها، وتأمين غذائهم، لأن غالبية المُستعمرين الأوائل كانوا من الفلاحين ولا يملكون مهارات أخرى. وفيما بعد عندما شرعت إسرائيل في التطور الصناعي، أولت الزراعة الحديثة أهميّة خاصة، لسبب إضافي، وهو تحويل الزراعة إلى أداة تغلغل في العديد من الدول النامية. لذا صدّرت تقنيات الري الحديثة مثل: بناء الدفيئات البلاستيكية، وأشتال زراعة الحمضيات، واللوزيات والتفاح للعديد من تلك الدول. ولا أزال أذكر بعض الأشخاص من بلدي، إكسال، في مرج ابن عامر، ممن شاركوا في مشاريع كهذه في الصين، وكوبا، والفيتنام، والهند، ومصر والأردن. ولنا أن نتخيّل ما فعله “الخبراء” اليهود الذين ينحدرون من خلفيات أمنية وعسكريّة غالباً، في تلك الدول حتى نهاية القرن الماضي. فقد كان لرجل الموساد السابق، رافي إيتان (1926- 2019)، شركات في كوبا لزراعة الموز (ذِاماركز 30. 3. 2006) وكما يبدو إن علاقات إيتان بالزعيم الكوبي، فيديل كاسترو، أثّرت كثيراً بالأخير وجعلته يتبنى الرواية اليهودية كاملة (‘Castro: ‘No One Has Been Slandered More Than the Jews, The Atlantic September 7, 2010).. وقد كشف البروفيسور شوموئيل فوهوليرس، رئيس مديريّة التخطيط والتطوير الزراعي في وزارة الزراعة في فترة أريك شارون، أن الأخير أسهم كثيراً في تحديث الزراعة في مصر (دون ذكر الأسباب). وفي سنة 2020 أنشأ السفير السابق، رونان جيل- أور، في ميانمار شركة علاقات تجارية صناعية، وزراعة تعتمد على الابتكار، تضم رجال أعمال إسرائيليين يعملون في ميانمار ورجال أعمال بورميين محليين (الموقع الإعلامي للكنيست 16. 2. 2022). والأمثلة من هذا القيبيل، لا تعد ولا تحصى. ولنا أن نتخيّل ما فعلته وتفعله إسرائيل في الصفقات السريّة والنصف سريّة حول الزراعة. لهذا السبب- على ما يبدو- عينت الحكومة الحاليّة، رئيس الشباك السابق، أفي ديختر، وزيراً للزراعة.
شكلت الزراعة في ستينيات القرن الماضي 60% من الانتاج المحلي الإسرائيلي إلا أنها انخفضت إلى 1.8% سنة 2022 لسبيين: التركيز على الصناعة العسكريّة، والمعلوماتيّة العسكرية والاستخباريّة، والزحف الإستيطاني- العمراني على الأراضي الزراعيّة وخصخصتها.
انخفضت نسبة الدخل من الزراعة بـ0.01% سنة 2022 مقارنة بسنة 2021، وذلك بفعل المعارك التي دارت في منطقة النقب الغربي بين الجهاد الإسلامي وإسرائيل. فهذا المؤشر وإن كان طفيفاً للغاية إلا إنه يؤشر إلى ما هو أكبر؛ إلى انخفاض قيمة الإنتاج الزراعي بعد طوفان الأقصى، وما قد يحصل لهذا الإنتاج مع استمرار التوتر العسكري- الأمني مستقبلاً. لذا تأخذ السلطات المختصة هذه التغيّرات على محمل الجدّ وفقا لما ورد في مقال مدير عام وزارة الزراعة، أورِن لافي، أن الوضع المستجد يهدد الأمن الغذائي لإسرائيل. وأنها بحاجة إلى المليارات لإعادة ترميم واقع الزراعة فيها (آيس 30. 10. 2023). هذه معضلة كبيرة لإسرائيل، تُضاف إلى معضلة فقدان الأمن الشخصي والجمعي بعد الطوفان. يضاف إلى هذا استحالة عودة مستوطني النقب الغربي إلي مستوطناتهم لأنها خربت بالكامل وستستغرق إعادة بنائها عدة سنوات، إن تمت فعلاً (ذِماركر 9. 11. 2023).
وفقا لدائرة الإحصاء المركزيّة ووزارة الزراعة لسنة 2022، يعمل في القطاع الزراعي نحو 150 ألفاً، منهم 60- 70 ألفاً في العمل الزراعي المباشر في الحقول، والبيارات، والكروم ومواقع تربية الحيوانات والدواجن والأسماك. وما تبقى منهم يعملون في القطاعات المرافقة لها، مثل الدعاية، والتسويق والتصدير، والإرشاد والتطوير، وإصلاح المعدات، وإنتاج الأغلفة والصناديق والمحاريث وما إلى ذلك.
تشير معطيات وزارة الزراعة (وحدها) إلى أن عدد العمال الأجانب في هذا القطاع نحو 30 ألفاً من تايلاند، وفقاً لاتفاقية ثنائية بين الحكومتين الإسرائيلية والتايلاندية. وهناك 2000- 3000 عاملاً من نيبال، الفلبين، الهند.. وأثيوبيا (غادر مهم حنى الآن 22 ألفاً). وهناك عدة آلاف من العمال الفلسطينيين غير الدائمين الذين غادروا المزارع.


تعد انتماءات العمال المذكورين بمثابة سيّْف ذو حديّن- بسبب تكاليف الأيدي العاملة المذكورة الرخيصة مقارنة بالإسرائيليين، وقد تمكنت إسرائيل من تحويل بعض منتوجاتها الزراعة إلى تنافسيّة في الأسواق العالميّة- وبسبب تردي الأوضاع الأمنيّة سيغادر قسم كبير منهم العمل كما حصل أثناء الحرب الأخيرة، الأمر الذي يهدد فقدان ما تبقى من الموسم الحالي، وفقدان غالبية الموسم القادم بسبب عدم وجود أيدٍ عاملة قادرة على الزراعة للموسم القادم (هآرتس 2. 11. 2023). أما بقيّة العمال في الزراعة، فهم من المستعمرين اليهود، أصحاب ومديري المزارع، وهم من كبار السن، لأن اليهود الأصغر سنّاً لا يريدون العمل في هذا القطاع لصعوبة العمل فيه والأجور المتدنيّة. ويعمل الأجانب في ظروف قاسيّة جداً وغير آمنة. حتى الآن يرفض الجيش وضع حمايات من الإسمنت المسلح لهم، كما ترفض شركات التأمين المختلفة تأمينهم وممتلكاتهم (زمان يسرءل 1. 11. 2023). لهذه الأسباب هنك من يقول بضرورة التخلي عن القطاع الزراعي الذي لم يعد مجديّاً اقتصاديّاً، خاصة وأن استيراد المنتوجات الزراعية أقل تكلفة من إنتاجها. وهذا ما تقوم به الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة رغم رفض اتحادات المزارعين، التي تضعف تدريجيّاً أمام سياسيات الحكومة. لذا فتحت الحكومة الباب لاستيراد الكثير من منتوجات الألبان، بعد أن كان ممنوعاً قبل ذلك. ولهذا السبب يخطط وزير المالية الحالي، سموطريتش، تقليص 250 مليون شاقل من المساعدات المباشرة للفلاحين لصالح تمويل الحرب (دفار1 10. 11. 2023).
نعود إلى البطاطا- من المعروف أن سعر البطاطا في العادة رخيص، إذ يبلغ سعر الكيوجرام الواحد ما بين 0.5- 1.0 دولار في الأسواق، فجأة قفز في الأيام الأولى للحرب إلى 3 دولارات؛ وقفز سعر الخيار والبندورة من 1- 1.5 دولار إلى 7- 8 دولارات. هكذا ارتفعت أسعار الخضار والفواكه، لأن المزارعين لم يتمكنوا من جني المحصول في الموعد المحدد. كما أن إسرائيل تصدر كميات من أنواع البطاطا إلى أوروبا.
نعيد إلى الأذهان أن إسرائيل تنتج 75% من الخضار في منطقة غلاف غزّة. وبهذه النقطة تحديداً تأتي أهمية الوثيقة التي أعدها المجلس الوطني للأمن الغذائي أثناء الحرب، بمشاركة كبار المسؤولين في مختلف الوزارات والتي أكدت أن “هناك حاجة ماسة للتدخل الحكومي الفوري من أجل ضمان الأمن الغذائي في إسرائيل”. بحسب المجلس، يجب الاهتمام بـ”الوصول المالي والمادي إلى الغذاء، وتوافره وجودته، واستقرار الإمدادات الغذائية”. وأوصى بإجراء عاجل يتمثل بإضافة مبلغ 50 مليون شيكل إلى الميزانية لمشروع الأمن الغذائي، الذي يقدم المساعدات الغذائية للعائلات المحتاجة. لذا من المتوقع أن ينخفض كثيراً تزويد الأسواق من الخضار والفواكه وأن ترتفع أسعارها في الشهرين المُقبلين والموسم الشتوي القادم، خاصة إذا أدركنا تهديد قيادة الجيش بتاريخ 10. 11. 2023 أن الحرب قد تستمر سنة أخرى، بطرق وأساليب مختلفة.
مما تقدم، نفهم أن الحرب الحالية حشرت الزراعة في إسرائيل في الزاوية وحمّلتها تحديات مصيريّة، قد تؤدي بالتالي- وهذا هو الأهم- إلى ارتفاع أسعار الخضار، والفواكة، واللحوم ومشتقات الألبان. أي إرتفاع سعر السلّة الغذائية العائليّة، هذا إذا علمنا أن ثمن الخضراوات في إسرائيل أعلى من مثيلاتها في دول OECD بـ14% (كوهيلٍت 29. 5. 2023). وأن تكلفة المعيشة فيها أعلى بـ38% في دول OECD (يسرائيل هيوم 27. 8. 2023). يقول يريف فالاك الذي يدير أكبر مزرعة للأقحوان في البلاد، إن الاستيراد من شأنه أن يقضي على الزراعة- أي القضاء على الاستيطان في النقب الغربي (ملحق كلكليست 3. 11. 2023).
يمكن القول إن أزمة القطاع الزراعي والحفاظ على الأمن الغذائي لإسرائيل، وارتفاع تكلفة المعيشة كان معروفاً منذ سنوات. وقد تفاقمت مع خصخصة الأراضي، والتوجه نحو الصناعات العسكرية، والأمنيّة- المعلوماتيّة. وعندما انفجرت الأوضاع بدأت الدولة بالبحث عن حلول آنية مثل إستيراد الخضار من تركيا، الذي قيل أنه توقف- نقول قيل لعدم توفر تأكيد على ذلك- والآن يبحث القطاع الخاص عن مصادر جديدة لإستيراد الخضار والمنتوجات الغذائية التي يتعذر إنتاجها أثناء الطوفان وبعده.
كان كل من ليرون ألمدور وليرون يسرائيلي قد أعدا تقريراً عن التجديد في الزراعة. يقرّان فيه أن إسرائيل قد تكون غير قادرة على تأمين الغذاء لمواطنيها، لعدم التحاق الشباب اليهود بالزراعة، وعدم توفر الدعم الحكومي، وبيروقراطية انتقال المزارع من الكبار إلى الشباب، خاصة إذا علمنا أن هذه المزارع تم إنشاؤها كشركات تشاركيّة، ثم تحولت فعليّاً إلى القطاع الخاص دون أن تمر بكل السلاسل التشريعيّة والإداريّة.
وفقاً للخطة التي وضعها كل من ألمدور ويسرائيلي لسنة 2020 فإن إسرائيل بحاجة إلى 1.5 مليون دونم إضافي لزيادة مساحة الأراضي الزراعية من 4.2 مليون إلى 5.7 مليون دونم، وزيادة عدد مزارع الخضار والفواكه من 4800 إلى 19200 مزرعة، ومزارع الحيوانات والدواجن من 7600 إلى 21900 مزرعة لتامين غذاء 80% من مواطينها (https://www.yfpp.org.il/). هذه الخطة تؤكد لنا ما صرح به يجآل ألون ذات مرّة بأن هدف الاستيطان زراعي بالدرجة الأولى- الأمر الذي يعني ضمن هذه الخطة، السيطرة على مناطق C في الضفة الغربيّة، التي تبلغ مساحتها نحو 60% من الضفة (وتعدّ مناطق السلة الغذائية لعرب الضفة الغربيّة)، لتأمين غداء مواطنيها اليهود فقط، دون السكان العرب، وفقاً لقانون القوميّة من سنة 2018، مع العلم أن نسبة العرب في مناطق 48 تشكل نحو 21% من السكان، وعلى ما يبدو وفقا لسياسة الدولة الإسرائيلية التي تحاصر عرب 48، فإن إسرائيل قد تمنع الغذاء عنهم في أية مواجهة قادمة، خاصة إذا علمنا أن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي اعتبرهم في تقريرة لسنة 2022 خطراً استراتيجيّاً على إسرائيل، مثلهم مثل حزب الله وإيران!

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
LinkedIn
Instagram0

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.