LOADING

Type to search

سعاده.. طقسًا

موضوع العدد

سعاده.. طقسًا

أسامة المهتار
Share

… و”طقسًا” هنا هي حالٌ، وتعريف الحال لغةً هو: الوقت الذي يكون فيه الإنسان الآن، وما ينطوي عليه من خير أو شر.” ومن هذا التعريف يمكن لنا ان نفهم أن الحال هو حالة مؤقتة، ولكن يمكن لها أن تطول أو تستقر. وما نراه من طقوس ومفردات ترافق ذكرى استشهاد سعاده، تتصاعد وتيرتها سنة بعد سنة، تدفعنا للتحذير من تحويل سعاده إلى أيقونة دينية نتمسح بها، أو لطمية عاشورائية نندبه فيها، ومن ثم نتابع حياتنا اليومية قاعدين عن المهمة التي دعانا إليها.

إن ما يسمى بـ “المواكبة” التي ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالدعوة إليها في الأيام السابقة للثامن من تموز بشكل متصاعد وصولاً إلى ذروة “لاقونا”، أمر يستدعي الاهتمام. وأول مرة سمعت بهذا المصطلح “المواكبة” كان من رفيقة قد انضمت إلى تنظيم عبد المسيح هربًا من تنظيم الروشة منذ سنوات. وصفت لي تلك الرفيقة الجو الديني الذي يسيطر أثناء المواكبة إذ يكون هناك وقفة عند كل محطة منذ تسليمه للأمن العام اللبناني في دمشق إلى لحظة إطلاق الرصاص عليه وما تلاها من دفن مستعجل، في جو من الرهبة المفروضة.

الخطر هو في انتقال هذه الظاهرة من جماعة منغلقة على نفسها تمارس طقوسها في الظلام، إلى واحدة من أكبر المؤسسات الثقافية التي تحمل اسم سعاده، بحيث تقوم هي بالترويج لها ويقوم أعضاء فيها بالدعوة لها عبر مكبرات الصوت الافتراضية وبشكل يومي.

المواكبة هي تخدير جماعي حزين مثل مرافقة آلام يسوع أو عاشوراء الحسين، لا أكثر ولا أقل. ولن نستغرب إذا ما استمر الوضع على هذا المنوال، ان يقوم أحد بنظم لطمية سعادية مواكبة للمواكبة لحظة بلحظة.

عودة إلى المهمة التي دعانا إليها.

نقرأ كثيرًا ومن مثقفين قوميين هذه العبارة: “غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي بعث نهضة”، نقطة على السطر. ومن هذه العبارة، استنبط أحدهم كلمة “نهضوي”، فأصبحت مقياسًا عامًا غامضًا لا يفيد شيئًا: فلان “نهضوي”، “النهضويون”، وإلى ما هنالك من مشتقات.

ما ينساه، أو يتناساه الذين يكتفون بالقسم الأول، من القسم الأول، من غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي، هو القسمان الثاني والثالث: تنظيم حركة وإقامة نظام جديد. ومع أن بعث نهضة وتنظيم حركة أمران متلازمان، بل إن تنظيم الحركة شرط ضروري لبعث النهضة التي أرادها سعاده، فإن القسم الثالث لا يمكن له القيام من دون حركة ونهضة. ونحن نستنتج من مراقبتنا لمسار حركة الحزب والمثقفين فيه خصوصًا، أن التركيز على “بعث نهضة”، هكذا في المطلق، وإهمال تنظيم حركة وإقامة نظام جديد ما هو سوى هروب من المواجهة لاستحقاقين داخلي وخارجي. الاستحقاق الداخلي هو كيف يمكن فعلاً بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئ الحزب، من دون حركة واحدة منظمة، “تفعل إدارة وسياسة وحربًا” لتحقيق أهدافها. أما الخارجي، فهو كيف يمكن إقامة نظام جديد يقضي على كل الأنظمة والتشكيلات الرجعية القائمة من دون هذه الحركة.

إن كون هذه الحركة مشلّعة دون أن يتمكن القوميون من وقف هذا التشلع، هو مدعاة لسؤال خطير: هل انفض القوميون من حول سعاده، وتركوه ينادي أجيالاً لم تولد بعد؟

هل نفهم الآن خطر المواكبة؟ هل نفهم الآن خطر المحاضرات عن التاريخ السوري منذ ما قبل الزمن التاريخي، وعن حياة سعاده واستشهاده، فيما حزب سعاده مخطوف ومنهوب وبعيد عن تحقيق قضيته.

ويأتيك مثقف فيقول “لا حل”. تشير إلى منهاج عمل كتبه قوميون صرفوا الساعات في بحث جذور المشكلة واستنباط الحلول العملية لها. فيمط شفتيه قائلا، “آه، ذلك المنهاج، إنه طويل”. طويل!؟ عشر صفحات بضمنها ملخص تنفيذي وخلاصة، مع روابط إلى عدد من الملاحق الاختصاصية تعالج أزمة الحزب البنيوية، لا قدرة لحضرة المثقف على قراءتها. ولكنه يستلذ الجلوس عشر ساعات في مواكبة طقسية يبكي فيها على سعاده وعلى ما حل بحزبه!

قلنا إن الحال في اللغة هو حالة وقتية. وحال القوميين وبعض المثقفين في طليعتهم، في هذه اللحظة التاريخية، هي انزلاق في طقوس دينية خطرة لا تنقذ أمة ولا حزبًا. في هذه اللحظة التاريخية، المثقفون القوميون أمام مسؤولية تاريخية، فإما طلاق مع الطقوس وتنكب لمهام الحركة وإقامة النظام الجديد، وإلا الندب في هيكل لا علاقة له بسعاده القائد سوى بالاسم.

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
LinkedIn
Instagram0

6 Comments

  1. Avatar
    ايلي عون 10 يوليو، 2022

    كلام سليم وتوصيف صحيح. من السخرية بمكان أن يلتقي هذا الجمع الغفير وينتشي بنفسه ويزهو بحماسه وبعد اللقاء يعود كل الى موقعه ومنازعاته. هذا يعني أن كثيرين من ” الآتين ” الى الحرية لم يتركوا القيد قبل مجيئهم ولم يبرحوه بعد لقائهم.
    لتحي سورية.

    رد
    1. أسامة المهتار
      أسامة المهتار 10 يوليو، 2022

      شكرا. هذه هي الحقيقة المرّة.

      رد
  2. Avatar
    Simon Ibrahim 10 يوليو، 2022

    اوافقك الرأي بما يتعلق بالمواكبة وتحويل سعاده الى مادة اكاديمية للدرس او الى ايقونة دينية كما يحصل الان. ولكن الاتكال على المثقفين و”القيم الفكرية” لتخليص الحزب من حالته الحاضرة يمكن ان يكون اخطر من صرعة المواكبة.
    تحيا سورية
    سيمون ابراهيم

    رد
    1. أسامة المهتار
      أسامة المهتار 10 يوليو، 2022

      شكرا رفيقي. ليس الاتكال عليهم، بل الطلب هو ان يعوا ما يقومون به من أخطار ويتوقفوا عن تكراراها.

      رد
  3. Avatar
    Hussein Bazzi 10 يوليو، 2022

    لقد جمع رجال الدين كتبهم وعمرها ناهز 3000 الاف عام وبداؤ بصياغة وتصحيح وتوضيح وتفسير كتب الله التي انزلت من السماء على الارض وبالعكس تماما ..فما بالنا نحن نعود الى الوراء ..ننتحب ونبكي ونلوم وننتظر من يمسك يدنا لنقف بعد الركوع ..هناك من سقط حتى قعر النخاع .. ولا يٱبه الا ان نسير خلفه .لقد تحدث سعاده مع كاهن واحد ..واصبح كل واحد كاهن …شكرا لك رفيق اسامه على كل اضاءة .

    رد
    1. أسامة المهتار
      أسامة المهتار 10 يوليو، 2022

      شكرا رفيقي.

      رد

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.