LOADING

Type to search

جرائم الشرف.. من الاحتفاء بالآلهة الأم إلى القتل على الشبهة! 

الوطن السوري موضوع العدد

جرائم الشرف.. من الاحتفاء بالآلهة الأم إلى القتل على الشبهة! 

ميليا إسبر
Share

تاريخيًا، احتفى السوريون بالمرأة في الثقافة والقوانين والأعراف، وكانت الآلهة الأم عشتار خير دليل على مكانتها العالية التي اقتبستها منهم الثقافات العالمية، فكانت الأميرة السورية أوروبا التي أعطت اسمها وحضارتها للجانب الآخر من المتوسط. ولم يقتصر الأمر على الأدبيات، فعلى الأرض حضرت الملكة زنوبيا كي تقارع روما وتثبت أن المرأة السورية كانت متقدمة فعلا على نساء العالم.. تلك المكانة تضررت كثيرًا في القرون اللاحقة بسبب الغزوات واكتساح الثقافات الوافدة، حتى وصلنا إلى وقت باتت فيه جرائم الشرف إحدى المثالب الكبيرة التي يعاني منها المجتمع حيث يبرر القتل ولو على الشبهة ضد المرأة، ويندرج تحت ذريعة الشرف جرائم الزواج من غير الملة أو الطائفة، حيث يصبح القاتل صاحب حق يسترد شرف القبيلة المستباح.. 

تحت ما يسمّى “غسل العار” لم يتردد (محمد- أ) من قتل شقيقته في إحدى القرى التابعة لمحافظة دير الزور والبالغة من العمر ١٨ سنة، بعد أن هربت مع عشيقها الذي كان قد تقدّم لخطبتها مرّات عديدة مع رفض الأهل وإصرارهم على تزويجها لابن عمّها بحكم العادات والتقاليد السائدة في تلك المنطقة. وبعد مضي أشهر من البحث تمكّن أخوها من معرفة مكانها، ودون تردّد أو شعور بالأخوة، طعنها عدة طعنات استقرت واحدة في قلبها لتكون نهاية حياتها على يده. 

أمّا الجريمة الأكثر إيلامًا وظلمًا فهي حادثة الأب الذي قتل ابنته في ريف حلب لمجرد الشك فقط أنّها على علاقة مع شاب، دون التأكد أنها كانت قد ارتكبت خطيئة معه، قتلها بدم بارد وهي في ريعان شبابها حيث لم تتجاوز22 عاماً، والحجة الحفاظ على شرف العائلة. 

إذن، لا يزال التفكير المتخلّف، وكذلك العادات والتقاليد البالية تسيطر على جزء لا بأس به من الجغرافية السوريّة سيّما في المناطق والأرياف البعيدة التي تعتمد الأخذ بالثأر أو ما يسمى “غسل العار” والتي تكون ضحيتها المرأة بذنب أو بدونه. 

نمط سلوكي 

أحمد الأصفر، دكتور في قسم علم الاجتماع – جامعة دمشق يقول: “تعدّ جريمة الشرف واحدة من الأنماط السلوكية التي كانت نتاجًا لشروط اقتصادية واجتماعية وثقافية محددة. تاريخيًّا جاءت في سياق التنظيمات الاجتماعية القبلية والعشائرية التي كانت سائدة قبل ظهورمجتمع الدولة، وعلى الرغم من أن التغييرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية جعلت هذه الأنماط السلوكية تتلاشى في الكثير من المجتمعات الحديثة والمعاصرة غير أنّ بعض مظاهرها مازال منتشراً في مساحات واسعة من المجامع العربية عامّة بما في ذلك المجتمع السوري، لافتاً أنّ هذه الأنماط تشكّل مصدر قلق بالنسبة للمعنيين بها في المجتمع والدولة على حد سواء بسبب ما تنطوي عليه تناقضات مع المجتمع في نظمه الحديثة، خاصًة بعد أن أصبحت الدولة صاحبة السلطة الوحيدة المعنية برد الحقوق لأصحابها وكف عدوان بعض الأفراد عن بعضهم الآخر، مما جعل هذه الأنماط السلوكية وفي مقدمتها جرائم الشرف مخالفة لقوانين الدولة في المجتمع الحديث والتي تهدد أمن الدولة والمجتمع معاً. 

بسبب البعد الثقافي 

وعلى الرغم من ارتباط جرائم الشرف بالخصائص الذاتية للفاعلين من حيث مستوى التعليم والمكانة والدور الاجتماعي وغيرذلك من الاعتبارات، غير أن البعد الثقافي بما يرتكز عليه من أساس اجتماعي، مازال يشكّل البنية الأساسية التي ترتكز عليها جرائم الشرف والأنماط السلوكية المشابهة التي تخالف القانون، وتهدد أمن المجتمع وأفراده، فالعادات والتقاليد والقيم المرتبطة بسمعة القبيلة والعائلة وأيضاً سمعة الأسرة حسب ما قاله الدكتور الأصفر، حيث إنّ جريمة الشرف المترتبة على الشعور بالشموخ والتعالي على القانون تشكّل البيئة الحاضنة لجرائم الشرف ولهذه الأنماط السلوكية الشّاذة أخلاقياً واجتماعياً وثقافياً لأنها تنتمي إلى شروط مجتمعية لم تعد قائمة في المجتمع الحديث ولأنها تشكل تهديداً لسلامة المجتمع وسلامة أفراده. 

مسؤولية قادة الرأي 

وذكر الأصفر أنّ مسؤولية التوجيه والاشراف تقع على عمليات التوعية للحد من انتشار جرائم الشرف وما يماثلها من أنماط سلوكية تخالف القانون على جهات عديدة تتمتع بقدرات كبيرة على توجيه الشباب وضبط سلوكهم، وهي الجهات التي تسمّى في العادة بقادة الرأي، منهم على سبيل المثال وليس الحصر قادة القبائل ووجوده العشائر، ورجال الدين والمعنيون بقطاع التعليم، بالإضافة إلى غياب تطبيق القوانين وتنفيذها وخاصة القوانين ذات الصلة بجريمة الشرف، ذلك أن غياب التطبيق الفعلي للقانون في أي مجال من المجالات ولأي اعتبار يعدّ من العوامل التي تساعد على إعادة إنتاج الجريمة في المجتمع. 

عادات موروثة 

بدورها المرشدة والأخصائية الاجتماعية أسمهان زهيرة بيّنت أنّ العادات والتقاليد الموروثة تلعب دوراً أساسياً في تعزيز وتكريس هذه الظاهرة، فالتركيز على قيمتي الشرف والاحتشام تكتسب أهمية كبيرة في المجتمع، حيث يصبح لجسد المرأة وضعية في النظام القيمي التقليدي عن طريق تقسيم العمل وحصر دور المرأة في العمل المنزلي وإنجاب الأطفال وهاتان القيمتان تعطيان الشرعيّة للنظام الأبوي في المجتمع الذي يقوم على هيمنة الرجل على المرأة، والكبارعلى الصغار، وتفضيل انجاب الذكورعلى الإناث والتفرقة بين الإخوة ووصايتهم عليهنّ حتى لو كانوا أصغر منهنّ وتفضيل تعليم الذكورعلى الإناث أوحرمان الفتاة من التعليم. 

أسباب القتل 

وأوضحت زهيرة أنّ من أسبابها غياب الوعي المجتمعي وتشوه الوعي الديني في ثقافته السائدة، ومعظم أسباب القتل على خلفية الشرف غير قائمة على شرعية ولا قانونية ولا دلائل حقيقية، أسباب قد تعود لطلب الإرث أو تعود إلى عادات وأنماط اجتماعية سائدة موروثة، كما أنّ الشك الذي لا يستند على معلومة حقيقية وامتناع النساء عن التوجه إلى مراكز الشرطة لتسجيل الشكوى، كل ذلك عوامل تضاعف من العنف الموجه إليها وتزيد من الجرائم بدافع الشرف. 

نظرة دونية للمرأة 

وذكرت زهيرة أنّ جريمة الشرف ظاهرة خطيرة تعبّرعن سيادة مفاهيم وثقافة المجتمع الذكوري والنظرة الدونية لمكانة المرأة رغم التطورالنسبي لواقع المجتمع السوري في كافة المجالات فتشكل خطراً يهدد النسيج المجتمعي ويصيبه بالتفكك وانعدام الأمان ويصبح الشرف قناعاً يخفي السبب الحقيقي الذي يدفع القاتل إلى ارتكاب فعلته، كما يؤدي إلى انتشارالخوف بين أفراد المجتمع وانتشار بعض الاضطرابات النفسية كالقلق والتوتر وعدم قدرة الأشخاص على مزاولة حياتهم الطبيعية التي اعتادوا عليها من قبل وشعورهم بالتهديد المستمرعلى حياتهم وحياة ذويهم تؤدي إلى صراعات داخلية أسرية وتفكك أسري واضح. 

الحد من انتشارها 

وللحد من ارتكاب جائم الشرف في سورية تقول زهيرة: لابدّ من وجود حملات توعية أهمها : 

  • تنظيم حملات اعلامية منظمة تسلّط الضوء على مكافحة العنف ضد المرأة مع التركيزعلى ظاهرة جرائم قتل النساء. 
  • العمل على إشاعة ثقافة الحوار وحل المشكلات بعيدًا عن العنف واستخدام القوة والقضاء على الثقافة التي ولّدت مثل هذا النوع من القتل وفي مقدمتها ثقافة التمييز بين الذكر والانثى واعتبارالمرأة المسؤولة عن شرف العائلة مع العمل على تحديد مفهوم الشرف وإبراز خطورة القتل وحكمها الشرعي وهذا يلقي المسؤولية الكبرى على مؤسسات التعليم بمراحلها المختلفة والمؤسسات الدينية العمل على تثقيف الناس وتكاتف كافة المؤسسات الرسميّة والأهلية على الحد من هذه الظاهرة. 
  • العمل على تعزيز ثقافة احترام الأسرة وتقوية الترابط بين أفرادها لتأمين الاحتياجات العاطفية لأفرادها ومساعدتهم في التغلب على مشاكلهم عن طريق بناء جسورالثقة بين أفراد الأسرة والترابط الأسري ومسبباتها حتّى وإن حصل الخطأ ووقعت الأسباب فإنّ الأسرة المترابطة والمتماسكة تعرف كيف تواجه هذه المشكلة وتعمل على علاج آثارها ومنع تكرارها. 

دور القانون 

للقانونين رأيهم بموضوع جرائم الشرف،كيف يتعامل القانون مع هذا النوع من الجرائم. 

التقت “مجلة الفينيق”المحامي عبد الفتّاح الدايه لمعرفة دورالقانون في هذا الموضوع يقول بأنّ المادة ٥٤٨ من قانون العقوبات كانت تنص على ما يلي: 

1- يستفيد من ((العذر الَمُحل)) من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو ايذائهما أوعلى قتل أو ايذاء أحدهما بغيرعمد. 

2- يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أوأحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر، مشيراً أنه جرى تعديل عليها لتصبح كما يلي : 

يستفيد من((العذر المخفف)) من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو ايذائهما أو قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد على أن لا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل 

وذكرالداية أنه تمّ إلغاء المادة السابقة وهذه التعديلات في يوم المرأة العالمي سنة ٢٠٢٠، الخطوة التي تتلاءم مع أحكام الدستورالسوري المتعلقة بالمساواة، وتتلاءم أيضاً مع اتفاقية القضاءعلى جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام ١٩٧٩. وهو إلغاء يعزز بلا شك قوة القانون وتعزيزمفهوم الدولة والمؤسسة كجهات مسؤولة عن تنفيذ القانون والدفاع عن المجتمع والأشخاص دون أن يستوفي أحداً حقه بيده، مضيفاً أنه في يوم ٢٠٢٠/٣/١٧ أصدر السيد رئيس الجمهورية مرسوماً ألغى بموجبه المادة /٥٤٨/ من قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /١٤٨/ لعام ١٩٤٩ وتعديلاته، والنصوص القانونية التي حلّت محلّها، أي إلغاء المادة وجميع التعديلات التي طرأت عليها، وأصبحت كغيرها من جرائم القتل. موضحاً أنّ العقوبة كافية مع عدم تجاهل أن الحل ليس جميعه في عدد السنوات، وسواء تم ارتكاب هذه الجريمة تحت أي مسمّى أو مصطلح كغسل العار أو الدفاع عن الشرف أو إلى ما هنالك من تسميات، سيبقى الفعل مُجرماً ولا فرق. 

جهود جماعية 

أمّا عن الحلول والمقترحات للتخفيف من هذا النوع من الجرائم يرى الداية أنّ الأمر يحتاج لجهود جماعية، النّص القانوني بات جيّداً ولكن علينا ألا نتغافل عن حقيقة أن بعض النساء تظلمهنّ العادات والعائلات أكثرمما ظلمتهنّ النصوص القانونيّة السابقة وبأضعاف، وتالياً المطلوب جهد جماعي يبدأ في المناهج والمدارس والأعمال الدرامية والفنية وعلى مستوى الأحزاب والجمعيات والندوات والنشاطات، وفي كل مكان، وذلك حتّى يدخل المجتمع بحالة وعي تكون رادعًا فعليًا يستند إلى تغيير في الأفكار وليس فقط بالنصوص، لافتاً أنّ النص بات جيدًا ولعلّه يحدّ من ارتكاب هذه الجرائم بنسبة معينة ،ولكن الوعي الجماعي الذي يتكون كنتيجة لخطة شاملة لا يحد من الأمر فقط بل يتخطّى الأمر ليكون مانعًاً له مع استمرار هذا الجهد لسنوات قليلة. 

ما نريد قوله هنا، هو حرية المرأة في اختيار شريك حياتها المستقبلي، وتغليب الجانب القانوني في تحقيق العدل عوضًا عن الحكم القبلي، وذلك بالطبع لن يتحقق من دون بناء مجتمع جديد لأن هذه القضية جزء من سلة كاملة من المشكلات البنيوية التي يعانيها المجتمع السوري الذي تعرض للكثير من المفاهيم الدخيلة التي لا تنتمي إلى حضارة الموغلة ولا تمت إليها بصلة. 

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
LinkedIn
Instagram0

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.