LOADING

Type to search

القرارات التاريخية الصعبة-رئيس التحرير

وراء الحدث

القرارات التاريخية الصعبة-رئيس التحرير

أسامة المهتار
Share

 ليس هناك أفضل من الوقت العصيب لاتخاذ القرارات التاريخية الصعبة. بهذا الاستهلال، نتابع بحثنا في الدعوة التي أطلقناها في مقالنا السابق “كسر القيد“.

كثيرون ممن قرأوا ذلك المقال قالوا إنه لمستحيل ان يقوم كل من التيار الوطني الحر وحزب الله بمبادرة لبناء الدولة المدنية لأن “مذهبيتهما هي علة وجودهما”. جوابنا كان صريحا: “إذا كانت المذهبية هي علّة وجود التيار الوطني الحر وحزب الله، وهي نفسها علّة الوطن المزمنة، فعليهما أن يبحثا عن علّة وجود جديدة.”

أول سؤال يُطرح في منهجية “إدارة التغيير” هو التالي: “ماذا يحدث إن لم نقم بالتغيير المطلوب؟” إذا كان الجواب، “لا شيء يحدث”، فلا بأس. أما إذا كان ثمة أخطار مرافقة لعدم التغيير، فالتغيير يصبح واجبا ملحّا قد تترتب على إهماله نتائج وخيمة. في الوضع اللبناني، نتيجة عدم تغيير النظام المذهبي قد حصلت. إنها الإفلاس! إن لم يحصل التغيير الآن، فإن نتائج هذا الإفلاس سوف تتفاقم في شكل دالةِ تزايدٍ أسي، (كما يحدث مع الكورونا الآن). أما القول إنه لا يمكننا إلا أن نكون صوت هذه الطائفة العالي، أو، لا يمكننا التخلي عن صلب إيماننا الديني، فهذا لا يُصرف في حساب مستقبل الوطن. وعلى المتمسكين بالمذهبية القاتلة تحمّل مسؤولياتهم.

نحن نصرّ على أنه في هذا الوضع التاريخي الخطير، على كل من التيار الوطني الحر وحزب الله مسؤولية إطلاق مشروع الدولة المدنية العادلة، وفق جدول زمني سريع، وبغض النظر عن نظرة كل منهما المذهبية. ولتفصيل هذه المسؤولية نبدأ من “وثيقة التفاهم” اللبنانية الموقّعة من قبل الطرفين في شباط 2006.

تتضمن وثيقة التفاهم عددا من العناوين، ولكننا لن ندخل في تفاصيلها. سوف نركز على نقطتين يمكن أن تشكّلا مدخلا لما ندعو إليه. إنهما “الحوار” و”الديموقراطية التوافقية”، وقد جاء تفصيلهما في الوثيقة كما يلي:

الحوار

  1. “مشاركة الأطراف ذات الحيثية السياسية والشعبية والوطنية، وذلك من خلال طاولة مستديرة.
  2. الشفافية والصراحة، وتغليب المصلحة الوطنية على أي مصلحة أخرى، وذلك بالاستناد الى إرادة ذاتية، وقرار لبناني حر وملتزم.
  3. شمول كل القضايا ذات الطابع الوطني، والتي تقتضي التوافق العام.”

الديموقراطية التوافقية

  1. “إن الديموقراطية التوافقية تبقى القاعدة الأساس للحكم في لبنان، لأنها التجسيد الفعلي لروح الدستور، ولجوهر ميثاق العيش المشترك. من هنا فإن أي مقاربة للمسائل الوطنية وفق معادلة الأكثرية والأقلية تبقى رهن تحقق الشروط التاريخية والاجتماعية للممارسة الديموقراطية الفعلية التي يصبح فيها المواطن قيمة بحد ذاته”. (لقد أضفنا اللون الأسود للأهمية.)

لا مشكلة في نقطة الحوار. إنها تشكل قاعدة متينة لما ندعو إليه. إنها دعوة للحوار حول كل القضايا الوطنية التي تقتضي التوافق العام، وفق إرادة لبنانية ذاتية يشارك فيها الأطراف ذات الحيثية السياسية والشعبية والوطنية. ممتاز!

المشكلة هي في البند الثاني، أو ما يسمى الديموقراطية التوافقية. فما هي الديموقراطية التوافقية؟ ذلك أن وصفها في الوثيقة مُرَمَّزٌ ومُشُفَّرٌ يحتاج إلى تفكيك.

تقول الوثيقة إن “الديموقراطية التوافقية هي التجسيد “لروح الدستور“. هذه العبارة بحد ذاتها تطرح سؤالا كبيرا: لماذا روح الدستور وليس للدستور؟ الجواب هو أن الدستور اللبناني المعدل سنة 1990 ينص في مقدمته (البند “ج”) “على العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل“؛ وفي الفصل الثاني المادة 6، “كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم“؛ والمادة 12 من الفصل نفسه، “لكل لبناني الحق في تولي الوظائف العامة لا ميزة لأحد على الآخر إلا من حيث الاستحقاق والجدارة حسب الشروط التي ينص عليها القانون.”

إذا كان هذا النص الواضح عن المساواة هو الدستور، فما هي روح الدستور؟ هل هي شيء مختلف؟ مع الأسف نعم. روح الدستور هي ما كان يعرف بالميثاق الوطني اللبناني، وهو اتفاق غير مكتوب نظّم أسس الحكم في لبنان سنة 1943، وتقمّص تعبير “العيش المشترك” في البند “ي” من مقدمة الدستور الحالي الذي ينص على أن “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.”

ما هو العيش المشترك؟ إنه، وباختصار شديد، ما نجده في المادة 24 من الفصل الثاني من الدستور:

“يتألف مجلس النواب من نواب منتخبين يكون عددهم وكيفية انتخابهم وفاقا لقوانين الانتخاب المرعية الاجراء.

والى أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، توزع المقاعد النيابية وفقا للقواعد الآتية:

أ – بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين.

ب – نسبيا بين طوائف كل من الفئتين.

ج – نسبيا بين المناطق.”

هذه هي “روح الدستور” التي تعلو فوقه والتي هي علّة العلل في لبنان. هذه الروح هي اتفاق الطائف.

لن ندخل في تفاصيل اتفاق الطائف بل سوف نتابع تفكيكنا لعبارة “الديموقراطية التوافقية” من نص وثيقة التفاهم، إنها تقول:رهن تحقق الشروط التاريخية والاجتماعية للممارسة الديموقراطية الفعلية التي يصبح فيها المواطن قيمة بحد ذاته.

ليس هناك من كلام يحقّر اللبنانيين أكثر من هذه العبارة: “حين يصبح المواطن قيمة بحد ذاته.” أنها تختصر مأساة اللبنانيين وإفلاس دولتهم والفساد الذي ينخر حياتهم والطائفية التي تذبحهم والحروب الأهلية التي تفتك بهم كل بضعة عقود. فإن لم يكن للمواطن قيمة في حد ذاته، فأين تكمن قيمته؟

وفق وثيقة التفاهم، لا قيمة للمواطن اللبناني، في حد ذاته، لا لدى التيار الوطني الحر الذي يقول بالحرية والسيادة والاستقلال والعهد القوي، ولا لدى حزب الله، الذي يخاطب جمهوره بالقول، “يا أشرف الناس”. لم يكن لديه قيمة يوم وقعت الوثيقة سنة 2006، وما من قيمة له اليوم. فنحن لا نزال في عصر الديمقراطية التوافقية. وما ينطبق على التيار الوطني الحر وحزب الله ينطبق على جميع الأحزاب اللبنانية والمؤسسات الطائفية والمذهبية كلها، ولا نستثني أحدا. ليس من قيمة للمواطن، في حد ذاته، لدى أي منها.

كل الكلام عن الحرية والسيادة والاستقلال وشرف الناس ساقط ولا قيمة له، بحد ذاته، على الإطلاق. من هذه النقطة تحديدا، يجب أن تبدأ مبادرة الدولة المدنية. من نقطة استعادة المواطن اللبناني لقيمته بحد ذاته.

مهما استثارت هذه العبارة غضبنا، فإنها، عمليا، تمثل الواقع. في الديمقراطية التوافقية، لا قيمة للمواطن في حد ذاته. إنه “محسوب” و”تابع”. إنه مُستعبَد لأمراء الديمقراطية التوافقية ورؤساء المذاهب والطوائف. وبما أن لا قيمة له فإنه يُذل يوميا: في استجداء لقمة عيشه من صاحب الوظيفة المذهبية، ومن مدير مدرسته المذهبية، وعلى باب مستشفاه المذهبي وحتى باب مقبرة مذهبه. فإن انتفض وثار، كما فعل حبيب الشرتوني، الذي حكمه نظام العيش المشترك بالإعدام، فإنه يعتبر “خارجا” عن مذهبه وعن تركيبة الوجدان المذهبي والنظرة التطلعية داخل البيئة المذهبية. (بالإذن من شارل جبور.)

إذا كانت قيمة المواطن الفعلية تبدأ بممارسة “الديمقراطية الفعلية”، فماذا ينتظر حزب الله والتيار الوطني الحر للبدء بها؟ في الانتفاضة التي اندلعت في تشرين الأول 2019، قال اللبنانيون كلمتهم، كما سمعناها في استفتاء الفينيق آنذاك، حيث وقفت غالبية اللبنانيين مع تغيير النظام الطائفي، ولم يؤيد بقاءه سوى 10% من اللبنانيين.

على هذه الغالبية يجب ان يعتمد الطرفان الأقوى في لبنان اليوم، التيار الوطني الحر وحزب الله. وهذه الأكثرية تؤيدهما إذا بادرا، وستلعنهما إذا أحجما. القرار لهما والحكم للتاريخ.

يتبع.

في الحلقة القادمة: قيمة المواطن في حد ذاته؛ لماذا التيار وحزب الله؟

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
LinkedIn
Instagram0

0 Comment

  1. Avatar
    فوزي حرب 3 أبريل، 2020

    رائع ننتظر المقال القادم

    رد
    1. اسامة عجاج المهتار

      شكرا على لطيف الكلام.

      رد
  2. Avatar
    نزار زين الدين 8 أبريل، 2020

    اسعدني وصولي لموقعكم الإلكتروني وقراءة المقالات المتعددة حول وضع الحزب وضرورة الإصلاح …و تذكرت الشهيد الدكتور وسيم زين الدين (ابو واجب).
    أتمنى لكم دوام النجاح وايصال الفكر القومي الصادق

    نزار زين الدين إبن أخ الشهيد ابو واجب

    رد
    1. اسامة عجاج المهتار

      شكرا، وعلى أمل المتابعة الدائمة.

      رد

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.