قيمة المواطن في حد ذاته- رئيس التحرير

image_pdfimage_print

نتابع في هذا المقال ما كنا بدأناه في المقالين السابقين، القرارت التاريخية الصعبة، وكسر القيد.

نبقى مع العبارة التي استثارت غضبا كبيرا: “إن الديموقراطية التوافقية تبقى القاعدة الأساس للحكم في لبنان، لأنها التجسيد الفعلي لروح الدستور، ولجوهر ميثاق العيش المشترك. من هنا فإن أي مقاربة للمسائل الوطنية وفق معادلة الأكثرية والأقلية تبقى رهن تحقق الشروط التاريخية والاجتماعية للممارسة الديموقراطية الفعلية التي يصبح فيها المواطن قيمة بحد ذاته.

ليت التيار الوطني الحر وحزب الله أوضحا المقصود بهذه العبارة فوفرا علينا عناء التخمين. إنها تذكرنا بقول لتشرشل: “إنها لغز محاط بالغموض داخل معضلة.”

ما نفهمه منها هو التالي:

أولا، لا تُقارب المسائل الوطنية حسب الأكثرية والأقلية بل على توافق بين ممثلي الطوائف في مجلس النواب. هذا التوافق كان يُسمى “الميثاق الوطني” بين سنة 1943 و1990، حين كانت نسبة النواب المسيحيين إلى المسلمين هي 6 إلى 5، بناء على إحصاء سنة 1932 المشكوك بصحته. اتفاق الطائف غيّر هذه المعادلة فأصبحت مناصفة بين المسلمين والمسيحيين وتحول مفهوم “الميثاق الوطني” إلى مفهوم “العيش المشترك”؛

ثانيا، إن سبب عدم مقاربة المسائل الوطنية حسب الأكثرية والأقلية هو إرضاء المارونية السياسية التي فقدت الكثير من حيثيتها العددية والعسكرية بعد انتهاء الحرب الأهلية سنة 1990.

ثالثا، يبقى هذا التوافق ساري المفعول لحين “تحقق الشروط التاريخية والاجتماعية لممارسة الديمقراطية الفعلية”؛

رابعا، بناء على هذا التوافق – الديمقراطية التوافقية – ليس هناك من قيمة عددية للمواطن في حد ذاته، ولا تقوم له قيمة إلا عند تحقق تلك الشروط التاريخية والاجتماعية.

هل يتغير الأمر فعلا متى “تحققت الشروط التاريخية والاجتماعية للممارسة الديمقراطية الفعلية”؟ هل يصبح هناك قيمة للمواطن في حد ذاته؟ ربما. ولكن إلى أن يخبرنا أحد ما هي هذه الشروط، ومن يقررها، وهل ثمة اتفاق عليها، وكيف نعمل للوصول إليها، ومتى، فإن كل هذه الكلام هو “خلطٌ بخلط.”

ولكن كيف يمكن أن يكون المواطن بلا قيمة؟ بسيطة، نأخذها منه؟ كيف؟ نجعله تابعا – برضاه أو غصبا عنه – لطائفة يطيع مرجعيّتها بدون نقاش. فما تقرره “الطائفة” ينفذه بكل أمانة وإلا اعتُبر خارجا عليها. هذا هو اتفاق الطوائف الذي كذب بعض الذين يدّعون عِفَّة فصل الدين عن الدولة بالقول “إنه اتفاق مؤقت”.

أما أن قيمة المواطن هي كرامته وأخذها منه هو أخذ لكرامته، فهذا ليس بذي بال. ولم يكن بذي بالٍ في بال الذين وقّعوا على اتفاق الطائف. إن إفلاس لبنان هو النتيجة الحتمية لديمقراطية التوافق الكاذب.

باختصار، وثيقة التفاهم هي تدبير مؤقت بانتظار تحقيق متغيرات تؤمن الشروط التاريخية والاجتماعية للممارسة الديموقراطية الفعلية من منظور كل من التيار وحزب الله. بالنسبة للتيار، عليه استقطاب أكبر عدد من المغتربين اللبنانيين المسيحيين من أحفاد أحفاد من هاجروا منذ القرن التاسع عشر من لبنان، وتسجيلهم كلبنانيين بحيث يعيد التوازن الديموغرافي لصالحهم. أما بالنسبة لحزب الله، فالأمر بسيط. النمو الديموغرافي لصالحنا ودولة ولاية الفقيه آتية بأذن الله.

نمط التفكير هذا هو ما يجب تغييره، وسريعا.

وكي لا يساء فهمنا نقول: إننا مع عودة أكبر عدد ممكن من المهاجرين السوريين إلى وطنهم الأم ليساهموا في إعادة بنائه، ولكننا ضد تسجيل أسماء في قيد النفوس لكي نعيد توازنا مذهبيا مفقودا. ونحن لا نتدخل في العقائد الإيمانية لأي كان، ولكننا نقول إن لا مكان لذلك في بناء الدولة. الدولة مؤسسة جامعة لجميع المواطنين. لهذا هي دولة المواطن وليست دولة المذهب.

بعد هذا يمكننا مقاربة القسم الثاني من موضوعنا، لماذا التيار الوطني الحر وحزب الله؟

لأنهما مع حلفائهما يشكلان قوة شعبية تملك أكثرية برلمانية أهلتهما للإتيان بالحكومة الحالية. والاثنان معا، يدّعيان رغبتهما في الإصلاح والتغيير لما هو أفضل، ويقولان بمحاربة الفساد. كل هذه الأسباب مجتمعة تدفعنا للقول إن المسؤولية الأساس في قيام الدولة المدنية والديمقراطية الفعلية المنوه عنها في وثيقة التفاهم تقع على عاتق هذين الفريقين. ما الذي يبقى إذا؟ يبقى اتخاذ القرار.

قبل ان نستطرد نجيب على سؤال يطرح نفسه: ماذا عن الأطراف الأخرى المناوئة لحزب الله والتيار؟ لماذا لا نطلب ذلك من تيار المستقبل والقوات اللبنانية مثلا؟ الجواب بسيط، إنهما لا يمتلكان عناصر القوة التي يمتلكها التيار وحزب الله، ناهيك عن الأكثرية البرلمانية المطلوبة.

هل يجرؤ حزب الله والتيار الوطني الحر على اتخاذ قرار بتقديم مشروع قانون إلى مجلس النواب ينسف كذبة “العيش المشترك” من أساسها ويقيم الدولة المدنية حيث “للمواطن قيمة في حد ذاته”؟ هذا السؤال قد مرّ عليه الزمن. السؤال اليوم هو هل يتحمل الوطن الاّ يُقدم التيار والحزب على مشروع كهذا؟ هذا هو السؤال.

نعود إلى منهجية إدارة التغيير، والتغيير يمر في خمس مراحل: الوعي بضرورة التغيير، فالرغبة به، فالمعرفة بمتطلباته، فالقدرة عليه، ومن ثم تدعيمه، وتعرّف بالإنجليزية بكلمة “ADKAR” وهي الحرف الأول من كل من الكلمات الخمس السابقة. أهمية هذه الكلمات في تسلسلها المرحلي فلا يمكن القفز فوق أي منها.

أين هو حزب الله والتيار من هذه الخطوات؟ نعتقد أنهما يعيان أهمية التغيير، ولكنهما عالقان في مرحلة الرغبة به. إنهما لا يرغبانه لأنه يخالف الأساس المذهبي الذي قام كل منهما عليه، ويهدد المستقبل الذي يطمح كل منها إليها: التوازن الديموغرافي وولاية الفقيه.

من هنا قولنا آنفا، نمط التفكير هذا هو ما يجب تغييره، وسريعا. ولكن كيف؟ كيف ندفع التيار والحزب للرغبة بالتغيير؟ نعود إلى ما سبق ذكره في المقال السابق: إن نتائج عدم التغيير سوف تكون قاتلة للوطن وللحزب والتيار. هذا ما لا يجب أن يكون ثمة شك فيه وهذا ما يجب على قواعد كل من الحزب والتيار وحلفائهما تحذير قيادات هذين الحراكين منه، ومطالبتهما بالتحرك السريع، فالفرصة مؤاتية ولا يجب تفويتها.

نعود إلى التأكيد للتيار والحزب أنهما لن يكونا وحدهما إذا بادرا اليوم. معظم الشعب في لبنان سيكون معهم.

المهم هو المبادرة.

 

في هذا العدد<< القرارات التاريخية الصعبة-رئيس التحرير
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
3 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
ايلي عون
ايلي عون
4 سنوات

مقالة جيدة جدا ومفيدة. غير ان زج عبارة “…ولاية الفقيه الآتية باذن الله..” هي في غير محلها. حزب الله قد يؤمن بها ولكن لا يطرحها ولا يقدمها كأحد خياراته السياسية. السيد كان قد اعلن ،غير مرة ،ان ولاية الفقيه “لا تنطبق على لبنان بسبب تعدده الديني والمذهبي”. والسيد حسن اعلن ايضا انه موافق سلفا على اي نظام يتم التوافق عليه. صحيح انه يفتقر الى رؤيا اصلاحية جديرة بان تطرح وتأخذ حيزا في الاهتمام السياسي والشعبي الا انه لا يعارض خطة من هذا النوع. الجيد في هذه المقالة انها تشير وتحذر الحزب والتيار معا من عدم الاسراع وتغيير طرحهما الطائفي التوافقي… قراءة المزيد ..

trackback
3 سنوات

[…] المقالات الثلاثة التي نشرناها تباعا وتتضمن دعوتنا لحزب الله والتيار […]