LOADING

Type to search

الإذاعات الخاصة في سوريا.. إسفاف مضحك وخزعبلات أبراج!

ثقافة وفنون موضوع العدد

الإذاعات الخاصة في سوريا.. إسفاف مضحك وخزعبلات أبراج!

جواد ديوب
Share

خلطةٌ عجيبةٌ غريبةٌ باتت تقدمها الإذاعات الخاصة في سوريا. فبعضها يخلط “عبّاس” الأخبار السياسية بـ”دبّاس” الأبراج والتنجيم، مع خردل النكت السمجة التي يطلقها المذيعون والمذيعات بضحكاتٍ مجلجلة معتقدين أن كثرة الضحك تزيد عدد المتابعين والمستمعين. عدا عن الكوارث اللغوية التي يرتكبها مقدّمو النشرات والمذيعون ومقدّمات البرامج الثقافية والفنية والموسيقية، كأنّ اللغة العربية الفصحى باتت مذمومة وملعونة، وبات من يقاربها “دَقّة قديمة” لا تتناسب مع “حداثة” الموضة، و”تريند” السوشال ميديا، ومعنى المُعاصَرة!

كلُّ ذلك حرّضني لأسأل أهلَ الكار الإذاعي ممن قضوا عمرهم في جعل صباحاتا ومساءاتنا أكثر هناءة وأكثر قابلية للعيش، رغم كمية الرداءة والبشاعة التي تحيط بنا، فصُغتُ سؤالين محوريين مركّبين، الأول: ما هو رأيكم بالإذاعات الخاصة في سورية وبرامجها عموماً؟ هل ترونها تقدم إسفافًا كنوع من “ثقافة الاستستهال” لدرجة باتت تستسهل “الثقافةَ” والمعرفةَ ذاتها؟

والثاني: ماذا عن دُرجَةِ اللهجة العامية ونسيان أو تجاهل اللغة العربية الفصحى بل والأخطاء التي يرتكبها مذيعون وترتكبها مذيعات؟

هيام حموي

فخصّتنا الإعلامية هيام حموي برأيها قائلةً: “لكي أكون صادقة في الإجابة، سأعترف بأنني لا أستطيع أن أدلي برأي موضوعي فيما يتعلق بالإذاعات الخاصة وبرامجها، لكوني لا أستمع بشكل عام إليها ولا حتى الرسمية نظرًا لأن اهتمامي كان منصبًّا بشكل أساسي على إذاعة شام إف إم، محور اهتمامي خلال السنوات الأخيرة وحرصي الدائم على متابعة التفاصيل فيها، من حيث المضمون والشكل. وكلاهما من وجهة نظري يجب أن يظلّا متلازمين لخدمة الهدف المزدوج المطلوب مبدئيًا، أي الفائدة والترفيه. طبعًا هنالك، بين فترة وأخرى، حديث عن أحد البرامج الخدمية البارزة أو الثقافية الراقية في هذه الإذاعة أو تلك، ولكن حسب ما يتم تناقله أن هنالك جانبًا كبيرًا من الاستسهال الذي قد يصل إلى حد الإسفاف، والأسباب معروفة نوعًا ما، قد يطول شرحها فهي تعود لسنوات بعيدة، وبكل الأحوال هي ظاهرة عالمية وليست مقتصرة على بلادنا، والكل يقلّد الكل بحثًا عن الرواج، وما يتبعه من أرباح إعلانية وفيرة، عدا أن الظاهرة ازدادت رسوخًا وتجذرت في السنوات الأخيرة مع الانتشار المرعب لوسائل “التواصل”/”التنافر” الاجتماعي التي باتت طاغية على مختلف جوانب الإعلام بكل فئاته، وعلى جوانب حياتنا أيضًا”.

لُقية ثمينة!

وقدّمت الإعلامية نهلة السوسو رأيًا جريئًا لـ”مجلة الفينيق” فقالت: “إذاعاتُ الموجات القصيرة (ف. م) كانت لقية ثمينة للمؤسسات الرأسمالية التي تريد تحويل الإنسان من مواطن إلى مستهلك لا ينتمي إلا للسلعة التي تتنافس مع غيرها في سوق شرس، يجعل من الأخلاق والقيم التي درجت عليها البشرية عبئًا على أصحابها وتخلفًا عن قيم العصر التي لا رحمة فيها ولا تعاطف ولا تعاضد ولا إيثار! على هذه الضفة الإعلانية التجارية الاستهلاكية كان الحامل الثاني الذي يسمى برامج المنوعات وجذب المستمع بطريقة تختلف جذريًا عن إذاعات الموجة المتوسطة التي كانت تمثل دولها بشكل رسمي! ولأن ساعات البث طويلة توجب ملؤها بالأغاني الخفيفة (ودائمًا يتم اجتزاء جملة منها، وقطعها من أجل إعلان تجاري) بحيث يستحيل أن تلبث في ذهن المستمع، ثم استعارت هذه الإذاعات برامج اجتماعية لا تستضيف خبراء بل تعتمد اللغو والثرثرة وتماثل برامج النميمة التي تبنتها الصحافة الصفراء أيام زمان”

هوية ثابتة دون إملال

علي ابراهيم

وكان للإعلامي علي إبراهيم علي صاحب الصوت المميز في “صوت الشعب” رأيه الجريء إذ صرّح لـ”الفينيق” بأن “الإذاعات الخاصة لم ترتقِ إلى مستوى الإذاعات الرسمية، وفكرتي عن الإذاعة الخاصة هي أن تكون موجودة في كل مكان، إذ يجب أن يكون هناك محطات إذاعية في كل محافظة، بل في كل مدينة، خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وفتح فضاء البثّ، حيث أصبح كل فرد “ناشر” بشكل أو بآخر.. وأصبح الأمر شبه متروك للمستمع كي يقرر ما يريد”.

لكن المذيع علي يرى أننا “بعيدون عن التخصص في الإذاعات”، ورغم إنه لا يدعو للانغلاق إنما إلى قليل من التخصص في الثقافة مثلاً أو الفنون أو في الرياضة وبرامجها والأمور المتعلقة بها بحيث يكون هناك “هوية ثابتة” لهذه الإذاعة… إلا أنه يدعو إلى ذلك شرط أن يكون دونَ إملال أو مع الإضاءة على برامج ومواضيع ثانية كي لا “تغرق” المحطة في التخصص ذاته.

فيما ارتأت الممثلة القديرة ثراء دبسي أن “أغلب البرامج التي تقدمها الاذاعات الخاصة هي ذات بريق وهّاج، لكن لو دققنا قليلاً لرأينا أنها فارغة من المعاني والمضامين الغنية وذلك -في اعتقادها- عائدٌ لرغبة مالكي تلك الإذاعات لاستقطاب أكبر عدد من المتابعين من دون الاهتمام بالنوعية… نحن في زمن متردٍّ خالٍ من الثقافة والفكر وتغلب عليه الطروحات المنمّقة التي لا معنى لها سوى من فضائح ونميمة وللأسف عن معظم من يقدّمون تلك البرامج ليس لديهم حصيلة ثقافية وفكرية”.

لكن الممثلة دبسي صاحبة التاريخ الطويل في الدراما الإذاعية اقترحت “أن تُقدَّم ضمن تلك البرامج فقراتٌ، يعمل علها مثقفون، تُنمّي ذائقة المستمع وتحيي الفكر والمعرفة داخل نفوس المستمعين من دون تكلّف أو بشكل غير مباشر ومعقّد، وهذا ربما يحتاج لرغبة جادّة من ممولي الاذاعات ومقدمي البرامج المقترحة على حد سواء.”

بعض أسباب الرداءة!

نهلة السوسو

ولو أننا بحثنا عن أسباب تردّي بعض المحطات الإذاعية الخاصة، لوجدنا شيئاً من الإجابة في كلام صاحبة الفكر والضحكة الرهيفة هيام حموي لأنها تعتقد “أن وجود الإذاعات الخاصة مكّنَ من الترويج لأغنيات هابطة، والانفتاح على مواضيع خارجة عن المألوف، حسب رغبة صاحب رأس المال المؤسس وفكرِهِ الباحث عن الربح المادي، أو نشر فكر معيّن قد لا يجد له منفذًا في الإعلام الرسمي. والسؤال، مَنْ يريد أن يستثمر في الأمور الثقافية والمبادئ والأخلاق في زمن الانهيارات والحروب؟ باختصار –تكمل الحموي وتجيب على تساؤلها- سأكتفي بالعودة إلى مقولة عن قناعة ثابتة لديّ، أظهرت صوابها لي على مر السنوات الخمسين وأكثر في الإعلام الإذاعي، ألا وهي أن كل مؤسسة تشبه إدارتها؛ إذا كانت الإدارة رصينة تبحث عن أهداف إيجابية فهي أولاً لن تسمح بتوظيف مذيعين أو موظفين غير مؤهّلين بما يكفي لتنفيذ الهدف المنشود، ولن تستغل شهوة الباحثين عن الشهرة بالرغم من استعداد هؤلاء للعمل تحت أي ظروف والانصياع لكل ما يُطلب منهم.”

!فصحى أم لهجات؟

وفي موضوع اللغة الفصحى واللهجات يقدّم لنا المذيع علي ابراهيم تصوره بأن “ليس كلُّ مَنْ تخرَّجَ من كلية الإعلام بقادرٍ على أن يكون ضليعًا باللغة العربية، ولا كل من تخرّج من كلية الأدب العربي بقادر على أن يكون مذيعًا مميزًا وضليعًا في مهنته… لكنها جَدليّة موجودة ومستمرة ونحاول أن ننصح أي مذيع بأن يجمع على الأقل الحدَّ الأدنى من كل منهما، فَمِن غير اللائق أن يقع إعلاميٌّ خبير بالأخطاء المجانية، ولدينا مثل يقول: “خطأ شائع أفضل من صواب متروك!”

فيما تشنّ الإعلامية السوسو، وهي صاحبة تاريخ طويل في إذاعة دمشق، انتقادها كجوابٍ على السؤال الثاني، فتقول: إهمال اللغة العربية الفصحى ليس بريئًا على الإطلاق، لأن غرف البحث والدراسات الغربية تعي تمامًا أن الجامع الواقعي الحقيقي للشعب الذي يعيش بين المحيط والخليج هو هذه اللغة التي يتحدث بها ويكتبها ويفهمها مهما اختلفت لهجاته (حدثني د. عبد الكريم الأشتر أن الجامعات الأوربية تُخيّر الطالبَ العربي في كتابة رسالته بين ثلاث لهجات: الشامية، المصرية، المغربية) وجهود تفكيك هذا “الجامع” لا تتوقف، ومن أسف أن الكثير من الإعلاميين يستجيبون لهذه الدعوة بذريعة تسهيل التخاطب والوصول إلى أوسع الشرائح التي يجب ألا تكون خارج الحدث والواقع. مفهوم اللغة الأم يجب ألا يختفي في هذا العالم المضطرب لأنها من أقوى الأسلحة التي تحفظنا من الفناء. وليس عسيرًا أن يتحالف الإعلام ووزارة التربية والثقافة لحماية هذه اللغة من منتهكيها.

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
LinkedIn
Instagram0

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.