هل يصبح الهلال الخصيب منطقة غير صالحة للعيش؟ – علي قطريب

image_pdfimage_print

ما لم تأخذه إسرائيل بالحرب، ستحاول أخذه بالتغيرات المناخية! هذه ليست مزحة من بنات الخيال، فالتقارير التي تشير إلى أن استخدام الكوارث الطبيعية في الحروب عوضاً عن المعدات العسكرية والجنود أصبح حقيقة، وهو أسلوب يشبه “القوة الناعمة” التي تعتمدها الولايات المتحدة الأميركية من أجل الوصول إلى الأهداف عن طريق الصراعات الداخلية والكوارث الاجتماعية دون إهراق دم جندي واحد لديها!

ما يثير هذا الموضوع للنقاش هو الجفاف الذي يعصف بمناطق شرق وشمال شرق سورية بسبب انخفاض منسوب نهر الفرات وهو ما يهدد تلك المناطق بتوقف أعمال الزراعة والاستقرار وبدء موجات هجرة كبيرة من تلك المناطق بهدف البحث عن الرزق وأسباب العيش، رغم أن هذه الكارثة ليست من أعمال الطبيعية بل بسبب مطامع الأتراك في الشمال الذين لم يكتفوا بالاستيلاء على كيليكيا واسكندرون بل ظلوا يتطلعون إلى أبعد من ذلك عبر استخدام شتى الأساليب ومن أهمها تفريغ المنطقة من سكانها تمهيداً لإحداث تغييرات ديموغرافية كبيرة تمهد للاستيلاء عليها.. في هذا يندرج تجفيف تلك المناطق عمداً عبر حبس مياه الفرات كي لا تصل إلا في حدودها الدنيا وهو أسلوب يتفق مع استراتيجيات العدو الإسرائيلي الجنوبي الذي يتبع الاستراتيجيات نفسها في الاستيلاء على الأراضي وسرقة المياه الجوفية للضفة الغربية وقطاع غزة!

إذا كان الاستيلاء على الأرض صعباً عبر العمل العسكري، فلماذا لا يغرقونها بالهجرات القسرية والإخلاءات بعوامل الخوف من الجوع وانعدام مياه الشرب؟ فقد كشفت مجلة Foreign Policy، أن التغير المناخي “سيحوّل العديد من بلدان الشرق الأوسط إلى أماكن مشتعلة الحرارة لدرجة غير قابلة للسكن” وهو ما أدى إلى وضع العديد من الدراسات حول هذا الموضوع وبدأت مناشدات دولية تدعو إلى ضرورة التقيد باتفاقية المناخ والاحتباس الحراري، لكن الأمور في تفاصيلها يمكن أن تنطوي على شكوك كبيرة خاصة عندما يأخذ الإنسان دوره في التحكم بهذه الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والزلازل وتفريغ المياه الجوفية، ما يعني أن تلك الكوارث تُعتمد بالفعل من أجل الاستيلاء على الأرض وهذا أمر يجتمع على تنفيذه الأتراك والإسرائيليون على حد سواء!

جوس ليليفيلد، الخبير في مناخ الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط في معهد ماكس بلانك الألماني، قال إن الشرق الأوسط قد تجاوز الاتحاد الأوروبي في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على الرغم من أنه “يتأثر بشدة بشكل خاص” بالتغير المناخي، وأضاف ليليفيلد: “في العديد من مدن الشرق الأوسط، ارتفعت درجات الحرارة بشكل كبير بما يزيد عن 50 درجة مئوية. إذا لم يتغير شيء، فقد تتعرض المدن لدرجات حرارة تصل إلى 60 درجة مئوية في المستقبل، وهو ما سيكون خطيراً بالنسبة لأولئك الذين ليس لديهم إمكانية الوصول إلى مكيفات الهواء”.

لا نستطيع أن ننظر ببراءة ساذجة إلى الكثير من الكوارث الطبيعية في ظل التطور العلمي الكبير الحاصل في الدول المتقدمة حيث المعلومات قليلة عما بلغه تدخل الإنسان في اختراع الكوارث وليس تمكن الولايات المتحدة من اختراع إعصار من الدرجة الخامسة أو تمكنها من حجب أشعة الشمس عن مناطق معينة إلا غيضاً من فيض ما يمكن أن يحكى في ذلك!

إن الحديث عن التحكم بالمياه الجوفية وتبريد حرارة الأرض عن طريق نثر الكبريت في الفضاء أو صناعة الأعاصير والهزات الأرضية لم يعد أمراً من الخيال العلمي، فكل المؤشرات تؤكد إمكانية استخدام هذه التقنيات في المستقبل أثناء الحروب.. فعلى صعيد المياه، تسرق إسرائيل ملايين الأمتار المكعبة من المياه الجوفية لقطاع غزة مستندة إلى صور الأقمار الإصطناعية والخبرات الجيولوجية عن المسيلات المائية في باطن الأرض والينابيع والطرق التي تسلكها الأمر الذي أدى إلى تردّي نوعية المياه بسبب زيادة عنصري الكلورايد والنترات فيها.. أما بالنسبة لنهر الفرات فقد انخفض منسوبه خلال أيار الماضي نحو خمسة أمتار بمعدل تدفق مئتي متر مكعب في الثانية فقط بعد أن كان خمسمئة متر مكعب وهو الأمر الذي أثر على تشغيل العنفات الخاصة بتوليد الطاقة الكهربائية وأعمال المزارعين على جانبي النهر في الأراضي الشامية والعراقية.. فالمتتبع لمسيرة حرب المياه على الجبهتين الشمالية والجنوبية يكتشف أهمية التغيرات المناخية في معادلات الصراع رغم الاتفاقات الدولية التي تقسم المياه بين الدول بشكل متساو أو الاتفاقات الثنائية التي وقعت عام 1987 بين سورية وتركيا.. أما بالنسبة لإسرائيل فمعروف مخططاتها القديمة للاستيلاء على الجولان المحتل وبحيرة طبريا حيث المنطقة تعتبر خزاناً كبيراً للمياه الجوفية والسطحية ناهيك عن موقعها الاستراتيجي الهام.

إن الأرقام التي يقدمها المركز العربي لدراسة المناطق الجافة والأراضي القاحلة» (أكساد)، تؤكد في الأساس وجود كارثة طبيعية بسبب التصحر الذي تعانيه الجمهورية الشامية حيث تشكل البادية 55% من مساحتها الحالية وتشكل المساحة المهددة بالتصحر 60% من البادية، وهي مناطق يخف فيها التواجد السكاني وتنعدم أسباب الحياة الاقتصادية والزراعية بسبب شح المياه.. في هذا الشأن يعتبر العامل البيئي الطبيعي عاملاً مساعداً لما يحاول أعداء الجبهات المختلفة إحداثه في هذه الرقعة الجغرافية التي عرفت تاريخياً بالهلال الخصيب لكنها اليوم تواجه واقعاً مختلفاً هو الجفاف والتصحر في ظل غياب المشاريع الاستراتيجية الحقيقية التي تحاول حماية البيئة وتركز على الإنتاجية الزراعية كأساس في الاقتصاد الوطني.

المتتبع للأحداث يكتشف أن إسرائيل لم تعد مضطرة لأن تتواجد عسكرياً في الأماكن التي تريد احتلالها، وقد فعلت ذلك أثناء الحرب السورية عندما هدمت البنية التحتية عبر الأذرع الكثيرة التي امتلكتها مع الولايات المتحدة، وإذا أضفنا عامل الصراعات الداخلية وتقسيم المجتمع إلى طوائف متصارعة متحاربة يمكن أن نكتشف صوابية الرأي القائل بأن الحصول على المكاسب لا يشترط التواجد العسكري على الأرض لأن أساليب العدو تتحقق عبر أدوات مختلفة منها البيئة الاجتماعية المشرذمة والبيئة الجغرافية التي يمكن تعريضها لكوارث تؤدي إلى فراغها من السكان!

تفريغ الهلال الخصيب من السكان

إن الأحداث الكبيرة التي حصلت خلال العقود الماضية والتي أدت إلى موجات نزوح كبيرة باتجاه أوروبا وبقية الدول، تؤكد وجود مخطط استراتيجي لإحداث هذا التفريغ من أجل سهولة الاستيلاء على الأرض التي ستصبح متهالكة جافة ومدمرة لا حياة فيها بسبب العوامل البيئية وعوامل عدم الاستقرار والصراعات الداخلية الكثيرة وانعدام أسباب السلامة والأمن التي تتطلبها المشاريع الاقتصادية، وبالتالي يكون الهدف هو تحويل الهلال الخصيب إلى أرض مقفرة بلا شعب تقريباً ومن ثم الاستيلاء عليه وتحويل من تبقى فيه إلى عمالة بشرية رخيصة تشتغل من أجل قوتها اليومي فقط!

حتى اليوم لم تتكشف تداعيات دفن النفايات النووية في البادية السورية من قبل ابن أحد المتنفذين حينها، حيث تشير الأرقام إلى ارتفاع كبير في أمراض السرطان في المنطقة، كما لا يمكن النظر إلى هذه الأحداث بمعزل عن المخططات الكبيرة التي ترسم للمنطقة والهدف دائماً إحداث تغييرات ديموغرافية وهجرات كبيرة تسهّل تحقيق الأهداف المرسومة!

إن مسلسل حرق الغابات والقضاء على جبال خضراء بأكملها في الشام ولبنان لا يمكن أن يتم صدفة فهو وليد هذه السنوات التي تتفاقم فيها الهجمة على جميع أنحاء الهلال الخصيب حيث العراق لم ينجُ حتى اليوم من تداعيات التلوث النووي جراء استخدام اليورانيوم في الأسلحة الأميركية المستخدمة هناك..

ما نريد قوله هنا، إن ما اصطُلح على تسميته بالثورة الصناعية الرابعة مازال مبهماً غامضاً في تفاصيله والمدى الذي وصل إليه، فمجريات الكوارث التي يسمونها طبيعية في منطقتنا تدق ناقوس الخطر من استخدام التقدم العلمي في الحرب وهي مسألة غاية في الخطورة خاصة في ظل غياب المشاريع المحلية القادرة على المواجهة بسبب الفقر وانعدام الوعي وهجرة العقول إلى الخارج.


 

في هذا العدد<< عَ الهسّ.. النسّ!معونات أمريكية لإسرائيل أم برامج دعم مفتوحة؟ – حنان علي >>
4 1 vote
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments