ممانعجي
ظهر منذ فترة على سطح الثقافة السياسية في بلادنا مفردة جديدة، الممانعة، ولكيلا ندخل بتشريح الكلمة من منطلق ابستمولوجي سندخل بصلب الموضوع. فبعد ظهور المفردة، دأب بعضٌ بوصف الممانعين بـ “الممانعجية” بعد ان استنفذوا استخدام عبارة سابقة بالظهور ألا وهي “اللغة الخشبية”. والاثنان يخدمان هدفا واحدا هو القول إن ثمة فريق بدائي محنط غير مستوفي شروط الحياة التي يعيشها العالم اليوم. ويحمل أولئك آلة لقياس نسبة الممانعة لدى هذا الشخص او ذاك او في ذانك الخطاب او تلك المحاضرة. والالة استوردوها من عواصم غربية لها منذ رحلة كولومبوس باع طويل بالاستيلاء على الارض ونهب خيرات الشعوب القديمة الممانعة منها والمستسلمة.
ولكي نكون أكثر وضوحًا مع هؤلاء، نقول إن ممانعتنا من النوع المزمن. فحينما كانوا يطبلون ويزمرون للقاصي والداني وقبل ان يحتفلوا بشهداء ستة ايار، هناك طفل رفض رفع العلم التركي كتكريم له لتفوقه العلمي. وبعد ان رسموا خطوط الطول والعرض بسايكس/بيكو مع شريف حسينهم، هناك من رفض تلك الخطوط ويمكن ان يحولوه الى ممانعجي صف اول او مدمن ممانعة. ذلك أنه ممانع إلى أن تصبح بلاده مستقلة وصاحبة القول الفصل بمصيرها، إلى أن يغدو وشعبها عزيزاً كريماً غير مستغل وينعم بثرواته ويحيا حياة العز بصرف النظر عن الأصل والفصل، أو الدين والمذهب.
وللتذكير، فإن من رفض رفع العلم التركي كان شويرياً نطلق عليه لقب فتى الربيع، واسمه الكامل انطون خليل سعاده. وسيرته تلك التي سردنا بعضاً من قبسها، زاولها تلامذته على مدى ثمانين حولاً حتى قال بهم الشاعر الشهيد كمال خير بك عام 78،
“خمسون عاماً وما زالت جراحكم تسقى الرمال بلا شكوى ولا عتب،
خمسون عاماً تكاد الارض تسألكم أنا تعبت الا تخشون من تعب؟”
من حق العامة وبعض الطارئين الجدد على الثقافة ولنسمهم، النيو – ثقافيون، الهزء من المفردات الطنانة. فقد تعبت آذانهم لعقود من سماع كلمات كالإمبريالية والاستعمار من قبل انظمة ركبت موجات العروبة والاشتراكية وتحرير بيت المقدس، ولم يرو منها الا جماعة الامن ومقص الرقيب وصور وتماثيل ولي الامر الذي ما ان يسقط حتى تلحق به تماثيله ويتبدد الاتباع الذين هتفوا بالدم بالروح وصفقوا وقوفاً لخطب رنانة ما تلبث ان تصبح موضع سخرية لاحقاً.
من كل ما تقدم نقول إن ممانعتنا أصيلة لا طارئة. وإننا لسنا كراكبي الموج لهذا السبب أم ذاك. فممانعتنا بدأت مع التركي في القرن الماضي ولن تخفوا او تلين قبل ان تنهض هذه الامة من سباتها. ومن يدري؟ فاليوم مواجهة غرب وغداً شرق الى ان تكون ارادتنا لأنها القضاء والقدر.