أرباح شركات الاتصال السورية تفوق أرباح مثيلاتها الألمانية!

image_pdfimage_print

خالد معماري

أعلنت الشركة السورية للاتصالات قبل أيام عن زيادة في أسعار خدماتها، لتتبعها شركتا الخلوي بإعلان زيادة أسعار الاتصالات وباقات الانترنت، حيث باتت تكلفة دقيقة الاتصال 18 ليرة، بدلاً من 13 ليرة في الخطوط مسبقة الدفع، و15 ليرة بدلاً من 11 ليرة للخطوط لاحقة الدفع.

وقبل صدور القرار بيوم واحد، قامت (السورية للاتصالات) بالتمهيد له عبر الإعلام، وبررت أسباب تلك الزيادة في خمس نقاط أساسية:

1 – لإعادة تأهيل ما تضرر من شبكاتها خلال الحرب، وتجديدها.

2 – لتحقيق الموازنة، فالشركات السورية لا تسعى إلى تحقيق الربح، فهي تدفع بالقطع الأجنبي للشركات العالمية، بينما إيراداتها بالليرة السورية.

3 – ارتفاع سعر مادة المازوت اللازمة لعمل محركات الديزل في ظل انقطاع الكهرباء الطويل.

4 – تحتاج الشركات السورية لزيادة الأجور والرواتب، للحفاظ على العاملين المؤهلين.

5 – هذه الشركات هي شركات ممولة ذاتياً، أي أنها لا تحصل على إعانات من الخزينة العامة للدولة.

من جانبها نقلت إحدى شركات الاتصال الخلوية تلك التبريرات، وأعادت نشرها بصورة مختزلة، مضيفة إليها تأكيدها على عدم رغبتها بزيادة الأسعار، وأنها مجبرة على اتخاذ القرار، لضمان استمرار تقديم الخدمة.. أما الشركة الثانية فاكتفت بنشر التبريرات السابقة، مرفقة بالتعرفة الجديدة.

د. رشا سيروب: خدمة الاتصال الخلوي في سورية مُحتَكَرة، وهذا يتناقض مع القانون

 

تسيطر الشركات الخاصة في معظم دول العالم على قطاع الاتصالات الخلوية، والذي يعتبر رافداً مهماً لخزائن الدول، حيث أن قطاع الاتصالات من القطاعات الرابحة سريعة النمو، لذا نجد الشركات المشغلة تتصارع فيما بينها لاستحواذ أكبر حصة سوقية، عبر سياسات كسر الأسعار وتقديم العروض المتنوعة.. ومن الغريب أن نجد في بلد ما، قراراً واحداً يتحكم بأسعار جميع الشركات، ويضبط عروضها التشجيعية، وهو ما يؤكد انتهاء التنافسية، ويوحي باتفاق الشركات على اقتسام السوق، وتحقيق أعلى سقف من الأرباح الثابتة.

وبالعودة إلى التبريرات السابقة، فلابد من الفصل بين الشركة السورية للاتصالات كجهة حكومية، وبين شركات الاتصالات الخلوية المملوكة للقطاع الخاص.. فعلى الرغم من التعاون الكبير بينهما، إلا أن الشركات الخاصة تبقى شركات خاصة، هدفها الأساسي تحقيق الربح، وإذا كان مسموحاً لشركة حكومية رفع أسعار خدماتها لأسباب تتعلق بتطوير أو إصلاح ما دمرته الحروب، فذلك لأن كامل عائداتها سوف تصب في خزينة الدولة نهاية المطاف، وهو ما سيحقق مصلحة لجميع المواطنين.. لكن هذا التبرير غير مقبول في الشركات الخاصة، إلا إذا اعتبرت جميع المشتركين لديها شركاء في الأرباح التي ستحققها من إعادة التأهيل أو التطوير لاحقاً.. ويمكن مقاربة المشهد بأن تخرج شركة صناعية خاصة إلى المستهلكين، وتطلب منهم المساهمة ببناء مصانعها، والمشاركة برأس المال، من دون توزيع أسهم أو تسجيل عقود شراكة، ثم تنكر عليهم أموالهم، وتنفرد بجني الأرباح منهم.

أما عن مبرر ارتفاع سعر مادة المازوت اللازم للتشغيل في ظل انقطاع الكهرباء، فهو تبرير مقبول للشركات الحكومية غير الربحية.. لكن في القطاع الخاص، فمسألة ارتفاع التكاليف وانخفاض الأرباح، لا يجب أن يدفع ثمنها المستهلك، بل تتم دراستها وفقاً للقوانين التنافسية، فتقديم أي سلعة للمستهلك بسعر يقارب تكاليف الإنتاج، سوف يؤدي إلى تفوقها التنافسي في السوق، وبالتالي زيادة المبيع والأرباح، وكل اعتبار خارج تلك المعادلة هو قطعاً يتبع لقوانين الاحتكار.

وهنا نتوقف قليلاً عند مسألة الأرباح الخاصة بشركات الاتصالات الخلوية، ففي نهاية العام الماضي نشر (سوق دمشق للأوراق المالية) عبر موقعه، البيانات الخاصة بأرباح شركة (سيرتل)، حيث أظهرت البيانات، أن أرباح الشركة وصلت إلى أكثر من 87 مليار ليرة سورية، خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2020، واقتُطع من صافي إيرادات الشركة، مبلغاً قدره 44.75 مليار ليرة سورية لحساب الخزينة العامة للدولة، مضافاً إليها أجور الترابط مع (الشركة السورية للاتصالات) والأجور والمساهمات السنوية للهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات.

ولتبيان حجم أرباح الشركات السورية، يمكننا مقارنتها مع مثيلاتها في الدول الأخرى، ولنأخذ ألمانيا نموذجاً، فشركات الاتصالات الألمانية تعتبر من أضخم شركات الاتصال في أوروبا، وسوف نقارن أسعار الاتصال الخلوي في سورية بعد الزيادة الأخيرة، مع الأسعار في ألمانيا، ولنأخذ مثلاً شركة (o2) Telefónica Germany.

سعر دقيقة الاتصال الجديدة في سورية أصبح 18 ليرة، فإذا افترضنا أن الشركة تمتلك مليون مشترك، وكل مشترك يجري اتصالات يومية مدتها 20 دقيقة، ما يعني أن الشركة تقوم بتخديم 20 مليون دقيقة اتصال يومياً، أي 600 مليون دقيقة في الشهر، بتكلفة تبلغ قيمتها 10 مليار و800 ألف ليرة، وهو مدخول الشركة الكلي من الاتصالات خلال شهر واحد.

أما الشركة الألمانية فيعتمد معظم المشتركين فيها على الباقات ذات الأسعار التنافسية، وبحسب عروض (o2) فإنها تقدم باقة بقيمة 5 يورو في الشهر، تتيح للمشترك إجراء مكالمات مجانية مفتوحة إلى جميع أنحاء أوروبا، مدة شهر كامل، على مدار الساعة، من دون انترنت.

فإذا افترضنا أن الشركة الألمانية تمتلك مليون مشترك أيضاً، يصبح المدخول الكلي للشركة من الاتصالات خلال شهر واحد، 5 ملايين يورو، أي 14 مليار و625 مليون ليرة سورية (حسب نشرة البنك المركزي).

ما يعني أن المدخول الكلي للشركة الألمانية يفوق المدخول الكلي للشركة السورية بما نسبته 25% فقط.. ومنه يتم اقتطاع تكاليف التشغيل، بما فيها من ضرائب، وأجور عاملين، مع العلم أن الضرائب في ألمانيا مرتفعة جداً، والحد الأدنى للأجور فيها يتجاوز الألف يورو، أي 3 مليون ليرة سورية (حسب المركزي) للموظف، بينما الحد الأدنى للرواتب في الشركات الخاصة السورية لا يتجاوز 300 ألف ليرة.. فإذا احتسبنا كامل الفروق في تكاليف التشغيل، بما فيه من امتداد المساحة الجغرافية المغطاة، وعدد ساعات الاتصال المخدّمة، والمكالمات الدولية المقدمة مجاناً، وفرق أسعار التجهيزات (بسبب الجودة والقدرة)، وكتلة رواتب الموظفين، والضرائب، سنجد أن الشركة الألمانية تدفع ثمن تكاليف إنتاج، أضعاف ما تدفعه الشركات السورية، وهو ما يشير إلى أن أرباح الشركات السورية تفوق أرباح الشركات الألمانية..

 

الخدمة محتكرة والمنافسة معدومة!

 

وفي تصريح خاص لموقع (الفينيق) أكدت الدكتورة رشا سيروب عميد كلية الاقتصاد فرع القنيطرة، أن رفع سعر دقيقة الاتصال على الهواتف الخلوية لن يكون له أي تأثير على الاستهلاك، لأن الخدمة مُحتَكَرة من قبل شركتي اتصال فقط، وبالتالي، مهما ارتفع سعر الخدمة، سيبقى الاستهلاك ذاته، وبالتالي سيؤثر سلباً على دخل المواطنين.

أما المدافعين عن قرار زيادة الأسعار، وأصحاب نظرية (من لم تعجبه الأسعار الجديدة فليتوقف عن استخدام الخلوي)، نقول لهم أن هذا الكلام يصلح في حال وجود سلع بديلة، لكن للأسف فشركة الهاتف الثابت (الشركة السورية للاتصالات) غير منافسة، على الرغم من كل الجهود التي بُذلت في تحويل الشركة إلى نظام عمل يعتمد على مبدأ أنظمة القطاع الخاص، إلا أن خدماتها لم تتطور، ولم تتواءم مع خدمات القطاع الخاص، وبقيت الخدمات هي ذاتها المقدمة منذ 40 سنة، من دون أي جديد يذكر.. كما أن خدمة الاتصال الخلوي في سورية مُحتَكَرة، وهذا الأمر يتناقض مع قانون المنافسة ومنع الاحتكار، وهو ما يؤكد أيضاً أن رفع السعر لن يؤثر في عدد المستهلكين أو حجم الاستهلاك، لعدم وجود البدائل.

أما فيما يخص رفع أسعار الانترنت، فهذا الأمر سيعيق ويؤخر أهداف التنمية المستدامة، التي يجب تحقيقها عام 2030 (كما هو مخطط)، وأيضاً لا يتوافق مع سياسة الحكومة في التحول الرقمي، وقد قامت قبل عدة أشهر بإجراء مؤتمر دولي تحت عنوان: (سورية والتّحول الرّقمي)..  فكيف يمكن القيام بالتحول الرقمي من دون تحقيق (الشمول الرقمي)، بمعنى قدرة أي شخص استعمال الانترنت بأقل التكاليف الممكنة؟!

هناك كثير من المعوقات التي تقف في وجه التحول الرقمي، بدءاً من سعر الخدمة المرتفع مقارنة بالدخل، مروراً بعدم وجود خدمات الكترونية حقيقية يمكن للمواطن الاستفادة منها (الدفع الإلكتروني على سبيل المثال)، ولم نتمكن من استغلال الانترنت داخلياً بالإمكانيات المتاحة، والوصول به إلى الشكل الأمثل.. فبالرغم من أن أغلب المواطنين يحملون هواتف ذكية، إلا أننا فعلياً لم نتمكن من الاستفادة من تلك المسألة، على مستوى الخدمات الذكية، فنحن لا نمتلك مؤسسات، سواء حكومية أو خاصة، مفعّلة إلكترونياً، ومُخدّمة بالشكل صحيح.

والأهم من كل ذلك، أننا عندما نريد المضي في التحول الرقمي، من غير المنطقي أن تنقطع الاتصالات والانترنت 8-10 ساعات يومياً، مدة شهر، عن كامل سورية، لأجل الامتحانات، فنحن غير مهيئين للتحول، ونعاني من مشاكل كبيرة في الاتصالات، ولا شيء يبرر زيادة الأسعار.

في هذا العدد<< رتبة الأمانة بين حق وباطل – رئيس التحريرالشاعر أحمد خنسا: الفضاءات الشعرية تعطي القصيدة مشروعيتها >>
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments