فريقان-محمد سعيد حمادة
لنعترف أنّنا أصبحنا فريقين مختلفين ومتناقضين وفي طريقنا إلى أن نصبح خطّين متوازيين.
فريق- خطّ مع الحكومة والسلطة يدافع عنها في جميع الاتجاهات، فهي حكيمة رشيدة عاقلة لا تنطق عن الهوى، وكلّ من فيها يكاد يكون معصومًا. لا يتورّع هذا الفريق عن إطلاق الشتائم والإشاعات على كلّ من يخالفه الرأي، بل يصل به الأمر من الاستخفاف واللامسؤوليّة الوطنيّة إلى تخوين المخالفين واتهامهم بالارتباط بدوائر خارجيّة طابوريّة… إلخ، وكأنّ الطرف المقابل عدوّ مبين يريد تدمير البلد والنيل من هيبتها، وكأنّه كذلك سبب نكباتها الاقتصادية والويلات التي هي فيها.
فريق – خطّ هو أقرب ما يمكن أن يُطلق عليه عموم المواطنين الذين يعانون من الضائقة الاقتصادية والمعيشية اليوميّة من أصحاب الدخل المحدود على اختلاف مهنهم ووظائفهم وتعليمهم وثقافتهم، من الذين يعاركون للحصول على دور في طوابير الأساسيّات لأنّهم مجبرون عليها ولا مجال لهم إلاّها. هذا الخطّ “النقّاق”، كما يحلو لأصحاب الخطّ الأوّل وصفه، يستخدم عبارات الاستهزاء والسخرية ويخترع النكتة لأيّ قرار أو إجراء أو اجتماع أو بيان رسميّ، ويرفع من سقف تهكّمه كلّما بدت لغة القرارات جازمة أو قاطعة، كدليل على أنّه يئس من الاجتماعات واللجان والبيانات لأنّها لم تزد الطين إلاّ بلّة خلال السنوات الماضية حسب ما رآه وعايشه وخبره.
الفكرة أنّ هذين الفريقين هما الفريق الواحد الموحّد الذي كان خلال السنوات الماضية من عمر الحرب جيشًا رديفًا وراء الجيش يقاتل كلّ واحد فيه حسب قدرته وموقعه وإمكاناته وإن كان بنشر صورة جنديّ أو التصبيح على الجنود والدعاء لهم بالنصر؛ فما الذي حصل حتّى أصبحنا فريقين يكادان الوصول إلى درجة العداء والقطيعة؟
هل الفريق الثاني على درجة من الجهل لدرجة أنّه لا يعرف أنّ البلد محاصر ويدخل السنة العاشرة من عمر الحرب؟
هل هذا الفريق بهذه البساطة والسطحية لدرجة أن يقوده طابوريون مدارون من الخارج يبثّون فيه روح الانهزام؟
هل هؤلاء الذي صمدوا وصبروا خلال أكثر السنوات كُربة وكانوا مشاريع شهداء لصدفة قذيفة أو “جهاد” بذبحهم في أيّ لحظة، ورفضوا مغادرة البلاد عندما كان متاحًا لهم وهناك من شجّعهم على المغادرة وقدّم التسهيلات على أنواعها، هم طابوريون ومندسّون وخلايا نائمة وفي أحسن أحوالهم نزقون جهلة لا يقدّرون ما تعاني منه البلاد؟
كيف يمكن لصاحب ضمير وطنيّ أن يتّهم عموم الشعب بشتّى الاتهامات لمجرّد أنّ هذا الشعب يشير إلى الفساد والمحسوبيات والفوضى واللامسؤوليّة والتعالي في التعامل معه، لدرجة انضمام كتّاب مرموقين، كانوا بوصلة خلال سنوات الحرب لهذا العموم، إلى جوقة المؤدّبين للشعب الجاحد المتململ النزق قصير الرؤية الذي لم يرتقِ أداؤه إلى مستوى الأداء السياسيّ والدبلوماسيّ العالي لرموز الدبلوماسية السورية، ويعرف هؤلاء الكتّاب جيّدًا أن هذا الشعب تحدّى ويتحدّى ما هو أصعب من العقوبات والحصار وفقدان كلّ شيء لولا أنّ تجّار الحرب وفاسدي الداخل هم شركاء في تجويعه وإذلاله، وإنّما “نقّه” هو على هؤلاء الذين يراهم يسرحون ويمرحون ويتاجرون بقوته ودوائه وأسباب معيشته وصولاً إلى تسفيههم معنى الانتماء الوطنيّ والانحياز له باستعراضاتهم وأساطيل سيّاراتهم الفخمة؟
لا يمكن أن نعود صفًّا واحدًا ملتحمًا في القضيّة الوطنيّة بلغة الأوامر الفوقيّة والتخوين وأنّنا الأقوى والبلد لنا ومن لم يعجبه فليرحل.
لا يمكن أن يصمد بلدٌ ويُبنى بالاستئثار وربوبيّة فئة تعطي دروسًا في الصمود والصبر وأمثلة عن صمود الشعوب الحرّة وهي لا تعاني ما يعانيه الشعب وليست مستعدّة لحمل حجر صغير في بناء البلد إن لم يكن حملها لهذا الحجر للاستعراض الإعلاميّ.
لدينا استحقاقات كبيرة وخطيرة في حربنا الطويلة الصعبة هذه، وإن بقي الفريق الأوّل على تعاليه وتعنّته فالأمور ستكون أصعب والفجوات الكبيرة التي دخلت منها المؤامرة التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه ستبدو صغيرة أمام الهوّة الكبيرة التي نحفرها بكلّ غطرسة وعناد.