صيانة الانتصارات بالحسم الداخلي
لم تكد تمر ساعات قليلة على نجاح قوات الجيش الشامي النظامي وحلفائه في كسر الحصار على مدينة دير الزور بعد ثلاث سنوات خانقة على سكانها وحاميتها العسكرية، حتى خرج عدد من المحققين الدوليين التابعين للأمم المتحدة بتقرير يتهم الحكومة الشامية بالمسؤولية عن بعض الهجمات الكيميائية خلال السنوات القليلة الماضية.
ولم تكد تمر ساعات أيضاً على تقرير هؤلاء المحققين، حتى شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارات جوية على أحد المواقع العسكرية الشامية القريبة من مدينة مصياف في غرب سوريا، موقعة خسائر مادية وبشرية محدودة.
ولم تكد تمر ساعات أيضاً وأيضاً حتى خرج المصدر السوري لحقوق الأنسان (المعارض) الذي يتخذ من مدينة كوفنتري البريطانية مقراً له ليقدم للعالم معلومات تقول إن الموقع العسكري الشامي الذي تعرض للقصف هو “مركز الدراسات والبحوث العلمية الخاضع للعقوبات الأميركية بوصفه الهيئة السورية المسؤولة عن تطوير وإنتاج الأسلحة غير التقليدية بما في ذلك الأسلحة الكيميائية”!
ولم تكد تمر ساعات أيضاً وأيضاً حتى طلع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ليؤكد مباهياً مسروراً أن “علاقات” إسرائيل مع بعض الدول العربية تمر الآن في أروع مراحلها على الإطلاق.
هذه المجموعة من التطورات المترابطة في غضون أقل من ثلاثة أيام لا يعقل أبداً أن تكون قد وقعت بمحض الصدفة فقط.
ولا نقصد بهذه الكلمات أن ننفي أو نثبت كل ما ورد في التصريحات والمعلومات والتبجحات أعلاه، فهذا أمر سنعود إليه لاحقاً. لكننا نريد إيضاح جوانب من المواجهة ذات الخطوط المتشعبة التي تتهدد أمتنا بغض النظر عن الإنجازات الميدانية الأخيرة… بل ربما بسبب تلك الإنجازات على وجه التحديد.
عدونا القومي، في الخارج كما في الداخل، لن يتخلى عن أوراقه بسهولة طالما أن بعض أدوات التنفيذ محلية، وطالما أن الثمن الباهظ ندفعه من حاضرنا ومستقبلنا. وعندما تصاب خططه بنكسة في مجال معيّن، سيعمد فوراً إلى فتح جبهات أخرى بهدف استدامة النزيف القومي العام.
إن الانتصارات المتتالية، على أهميتها، ستبقى عرضة للتهديد ما لم نتمكن من تحصينها على المستوى الشعبي الشامل. وهذا يستدعي الفرز الداخلي بمعزل عن المحاصصات السياسية أو الحزبية أو الطائفية، ومن ثم بناء دولة المواطنة على أنقاض الدولة الريعية القائمة على أساس المنافع المتبادلة والمصالح الفئوية.
الإنتصارات العسكرية تخلق حالات من الفوران الوطني والانفعال العاطفي، وهي مشاعر طبيعية سامية. لكنها تظل بحاجة إلى سياج يحميها من المخططات الخارجية، خصوصاً متى ترافقت تلك المخططات مع مشاريع داخلية مشبوهة!
معارك تحرير الجرود الحدودية بين الكيانين اللبناني والشامي، ومعارك كسر ظهر الإرهاب “الداعشي” في البادية السورية ودير الزور، حققت المطلوب منها ميدانياً… إلا أنها عرّت في الوقت نفسه أوجه داعمي الإرهاب ومموليه وحماته المحليين والإقليميين. لذلك فإن المعركة المقبلة الحاسمة هي ضد هؤلاء بالذات وليس فقط ضد بقايا المسلحين المنهزمين المطاردين في كل حدب وصوب.