الميثاقية-رئيس التحرير

image_pdfimage_print

 نعتذر سلفا عن الإفراط في استخدام علامات التعجب، ولكن للضرورة أحكام.

“إنها لحظة استثنائية!” بهذه الكلمات استهل رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل مؤتمره الصحفي الذي عقده في 2019-12-12. وهي بالفعل كذلك: لحظة استثنائية في تاريخ البلد وتاريخ التيار الوطني الحر. وكان يمكن لهذه اللحظة أن تكون تاريخية لولا لعنة اللغة، فلغة باسيل طائفية بامتياز. ولعله سوف يستهجن وصفنا هذا، فهو يعتقد مخلصا انه يتكلم بلغة وطنية بينما نراه يرطن بالطائفية. وقد استخدمنا كلمة يرطن عمدا لأنها تفيد المعنى المرغوب. “رطَنَ: يَرطُن، رَطانةً ورِطانةً، فهو راطن، رطَن الأَعجميُّ: تكلّم بلغته. رطَن المتكلِّمُ: تكلَّم بكلام غير مفهوم.” وباسيل في مؤتمره الصحفي كان طائفيا يتكلم لغته، أو في حال أصر على اعتبار نفسه وطنيا، فإن كلامه غير مفهوم.

أهم المفردات وأكثرها تكرارا في المؤتمر الصحفي كانت “الميثاقية” و”المكونات” و”التوازن” و”الشراكة” و”التفاهم”. أما بيت القصيد فكان “حكومة فاعلة على قاعدة احترام التوازنات الوطنية الناتجة عن الانتخابات النيابية.” لنفسر ونحلل.

الميثاقية كلمة منبثقة مما سُمّي زورا بـ “الميثاق الوطني” غير المكتوب الذي اعتمد في توزيع المناصب في لبنان على الطوائف وفق قاعدة 6:5 أي ستة مقاعد للمسيحين لقاء خمسة للمحمديين. اعتمد هذا الميثاق منذ سنة 1943 إلى 1989، حين ولد دستور “الطائف” فتحولت الميثاقية إلى نسبة متساوية بين الطرفين. أما لماذا نقول إن هذا الميثاق سمي زورًا بالوطني، فلأنه اتفاق طائفي بامتياز والطائفية هي نقيض الوطنية وعدوها الأول.

في المؤتمر الصحفي، يعطي باسيل بعدا جديدا للكلمة. فالميثاقية عنده تعني ان يمثل كل طائفة في مراكز الدولة الأساس مَن يحصل على أكبر عدد من مقاعد مجلس النواب، ضمن طائفته! أما أن هذا المجلس قد ولد نتيجة هندسة طائفية بامتياز، أخذت أشهرا، أُجبر اللبنانيون في نهايتها على التصويت في أبشع مشهد طائفي في تاريخ لبنان، فهذا ليس بالأمر المهم. نتابع التحليل.

  • المكونات هي الطوائف.
  • التوازن هو تأكيد المؤكد. أي تأكيد الميثاقية.
  • الشراكة هي الطبقة السياسية المتشاركة في التحكم بقدرات البلد.
  • أما التفاهم، فهو التراضي، من ضمن الميثاقية، على التوازن بين الشركاء المتقدمين كل في مكوِّنه.

هل رأيتم لعنة اللغة الطائفية!

من ضمن هذه التعاريف يطلب باسيل “حكومة فاعلة على قاعدة احترام التوازنات الوطنية الناتجة عن الانتخابات النيابية!”

المشكلة أن باسيل، كان قد أعلن، في بداية مؤتمره الصحفي، أن الحكومة التي أتت من ضمن “لائحة العقاقير” هذه، قد فشلت في “بناء دولة حديثه وتصحيح السياسات المالية النقدية والاقتصادية وتشييد بنى تحتية والكهرباء والمطار والنفايات والبطاقة الصحية وضمان الشيخوخة، وسواها…”، والكلام له. هذا الكلام نفسه، عاد وأكده الرئيس سعد الحريري في حديث مع مارسيل غانم. فإذا كان الاتيان بحكومة كهذه قبل انتفاض الشعب في لبنان قد فشل في تأمين أبسط أساسيات الحياة، فلماذا يريدنا باسيل ان نصدق ان الإتيان بحكومة، من ضمن لائحة العقاقير نفسها، بعد الانتفاضة، سوف ينجح!

ما لم يستشرفه باسيل حين دافع دفاعه الشرس عن “الميثاقية” كما عرّفها، هو ما حصل بعد أيام. فقد ظهر المفتي دريان على شاشات التلفزة ليعلن، أن “أهل السنة” لا يقبلون سوى بسعد الحريري رئيسا للوزارة. أما ما حدث لذلك التصريح حين لم يعترض السعوديون والأميركيون ومن معهم على تكليف الدكتور دياب، فإنه يعيدنا إلى ما سبق ونشرناه عن “حقوق الطوائف” وفائض القوة التي تمنحها إياها القوى الخارجية، أو تحجبها عنها. 

كان يمكن لباسيل أن يحوّل اللحظة الاستثنائية إلى لحظة تاريخية لو أنه استخدم لغة وطنية عوضا من الطائفية. واللغة الوطنية، عكس اللغة الطائفية تنطلق من الثقة وليس الخوف. الميثاقية هو وليدة تلاقح مصالح رؤساء الدين والإقطاع مع مخاوف الناس وجهلها. ولرؤساء الدين والإقطاع مصلحة دائمة في ان يبقى الناس خائفين من بعضهم بعضا، وجاهلين لمصالحهم. أما الوطنية فهي نتيجة الاشتراك في المصالح العامة للناس كلهم دون تمييز بين طائفة وأخرى.

نقول كان يمكن للحظة ان تكون تاريخية لو أن باسيل قال إنه مستعد للبدء فورا ببناء الدولة المدنية عوضا من تركها “كهدف نهائي” للتيار الوطني الحر. وأنه، من موقع مسؤوليته يدعو جميع السياسيين ورجال الدين لوضع الآليات فورا لمثل هذا الهدف السامي. كان يمكن للّحظة أن تكون تاريخية لو أن باسيل انقلب على تاريخه في “الدفاع عن حقوق المسيحيين” ليدافع عن حقوق الناس، كل الناس؛ لو أن باسيل اعتبر نفسه مواطنا في لبنان، وليس متقدما في طائفته.

في هذا العدد<< بلا لون-قيس جرجسكان اسمك-عفاف ابراهيم >>
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
2 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
يوسف عبد الحق
يوسف عبد الحق
4 سنوات

حضرة رئيس التحرير المحترم بعد التحية، لن ازيد على ما تفضلت به في ردك على المؤتمر الصحفي الذي تحدث فيه جبران باسيل عن اللغة الطائفية التي يتحدث بها عن “الميثاقية والتوازنات والمكونات والشراكة والتفاهم…” فلقد اعطيت حضرتك ما يكفي من الشرح عن جذور المشكلة المزمنة التي يتحدث عنها كل من يسعى لشد عصب طائفته، وكانه امر طبيعي اذ يسأل: “وين حصتنا؟” او “حصتنا ناقصة” او شابه. عن موضوع “الميثاقية” كتب الصديق العزيز الدكتور فارس إشتي مقالا عن الميثاقية يفسر فيه كيف يهز عصا الميثاقية كلما اعتقد سياسي من المجموع الطائفي المذهبي أن حصته الخاصة – ليس حصة الطائفة – اجحف… قراءة المزيد ..

اسامة
اسامة
Reply to  يوسف عبد الحق
4 سنوات

شكرا على التعليق.