الحليف المحتل
فتح الهجوم على عرض عسكري أقامه الحرس الثوري الإيراني في الأحواز المحتل نمطين من ردود الفعل بين السوريين القوميين الاجتماعيين يمكن اختصارهما بالعبارتين التاليتين اللتين اخترناهما من صفحات الفايسبوك. التعليق الأول لرفيق جاء فيه: “عدد الشهداء في العرض العسكري الايراني بالأحواز مخيف، والرد الايراني هذه المرة مختلف.” وعقّب توضيحا لمن سأل، “هجوم ارهابي على عرض عسكري رفيقي.” تلى هذا الخبر عدد من التعليقات – ومن رفقاء في الحزب – تطلب من الإيرانيين الرد السريع لتلقين “الدول التي تتعدى درسا لا تنساه.”
رد الفعل الثاني، نأخذه من صفحة رفيقة حيث تقول، “زعلوا على أيران وحزنوا على الحرس الثوري الايراني…ولم يحزنوا لما يجري لشعبنا في الاحواز ….يا جماعة الخير ..الاحواز سورية...” معظم التعليقات التي جاءت على هذا المنشور كانت ساخرة سخرية مرّة، بما معناه أن الأحواز مثلها مثل كيليكا والاسكندرون قد عفا عليها الزمن. كان هناك تعليق من أمين في الحزب جاء فيه، “معركة الوجود أولا.”
مع انتشار الخبر، وجهت أصابع الاتهام إلى كل من السعودية وأميركا والموساد. صاحب التعليق الأول نقل هذا الخبر بأمانة، بقوله، “إيران حمّلت السعودية وأميركا مسؤولية الهجوم.” ولكن في اليوم التالي، ونقلا عن صحيفة الحياة، حددت إيران هوية المعتدين بأنهم “صدّاميون” ومن “بقايا البعث العراقي”، وتوقعت ان يكون مصيرهم مثل مصير صدّام حسين.
لا شك في أن التعليقين أعلاه يمثلان وجهتي نظر على طرفي نقيض، يصدران عن رفيقين في حزب واحد، يعتبر ان الأحواز هي أرض سورية محتلة. الفرق هو ان الأول يعتبر ان إيران حليف يساعدنا في لبنان والشام، وبالتالي فإن ضحايا الهجوم على عرضه العسكري هم “شهداء” يجب الرد بقسوة على “المعتدين” منهم. في حين ان التعليق الثاني، يعتبر ان الأحواز هي أرض محتلة بغض النظر عن المحتل وعن علاقته معنا، وأن حق التحرير هو حق مشروع. أما الأمين في الحزب، فقد حاول ان يمسك الخيط من طرفيه بالقول، “الأولوية لمعركة الوجود” بمعنى فلنحرر فلسطين أولا، ومن ثم نلتفت إلى باقي الأراضي المحتلة.
من كل هذه المقدمة نصل إلى السؤال المهم، ما هو موقف الحزب السوري القومي الاجتماعي من دولة حليفة لأحد كياناته وتحتل أرضا من كيان آخر؟ أي ما هو موقفنا من إيران التي تساعدنا في لبنان الشام، فيما هي تحتل الأحواز، وتهيمن على قسم كبير من الحياة السياسية في العراق، وتحول مجاري الأنهار الكبرى التي تنبع من أراضيها وتصب في العراق وأهمها نهر القارون، ما يساهم في أزمة تصحّر في العراق؟
لنستعن بالمأثور الشعبي، “عدس بترابو وكل شي بحسابو.” بمعنى اننا نتعامل مع الحقائق لا غير. فإن كان العدس مخلوطا بالتراب، كان له سعر، وإن كان نظيفا، كان له سعر أخر. إن علاقتنا مع إيران وتركيا ومصر والسعودية واليونان علاقة ملتبسة. فكل من هذه الدول يحتل جزءً من أرضنا القومية. بين الأحواز، والشمال السوري من شرقه إلى غربه، وشبه جزيرة سيناء، وقوس الصحراء، وقبرص. وفي كل من هذه المناطق قام او سيقوم يوما، مقاومة للاحتلال. وحدث وسوف يحدث، انه فيما تحتل واحدة من هذه الدول او سواها، جزءا من أرضنا القومية، تكون في موقع تحالف معنا ضد عدو مشترك في كيان آخر. الموقف المبدئي الذي يجب ان لا يكون ثمة حياد عنه هو التالي، إن أرضنا القومية هي كل لا يتجزأ. وكل احتلال مرفوض. ونحن مع أية حركة تحرر تقوم في أي أرض محتلة. بالتالي فنحن إذ نرحب بالمساعدة الإيرانية في لبنان والشام، لا يمكن لنا ان ننسى الاحتلال الإيراني في الأحواز. وإذا كان هذا سيغضب حلفاءنا الإيرانيين فليكن. إنهم لا يساعدوننا في لبنان والشام كرمى لسواد عيوننا، بل لمصالحهم ونحن نحترم هذا الامر، ولكن عليهم احترام مصالحنا وأرضنا المحتلة. وما ينطبق على إيران، ينطبق على باقي دول الاحتلال.
نأتي الآن إلى موضوع “الأولوية لحرب الوجود”. إن أكبر حقل للنفط في إيران، بل أحد أكبر حقول النفط في العالم قاطبة، هو حقل الأحواز. ويبلغ احتياط النفط فيه خمسة وستين مليار برميل، أما انتاجه اليومي فهو حوالي السبعمائة وخمسين ألف برميل. بل إننا إذا نظرنا إلى حقول النفط الإيرانية لوجدنا ان معظمها يقع في منطقة الأحواز. من جهة ثانية، فإن احتلال إيران للأحواز وفصل الكويت عن العراق والاثنان تما بمساعدة بريطانيا، قد حرما العراق من حدوده البحرية مع الخليج السوري إلى الشرق. (انظر الخارطتين.) بالتالي، فإن هذه الإمكانيات، ليست فقط مهدورة، بل تستخدم ضدنا، ومنذ حوالي القرن. إنها إمكانيات قد أخرجت من معركة الوجود. والشيء نفسه ينطبق على الإمكانيات الهائلة المتوفرة في جميع الأراضي السورية المحتلة.
إن إيران حليف وصديق الآن، ولكنه حليف وصديق محتل لأرض سورية عزيزة علينا. وأن نجد سوريين قوميين اجتماعيين يعتبرون جنوده الذين قتلوا في هجوم على عرض عسكري شهداء، لا بد وانه يتحدى مشاعر الاحوازيين، ويطلب بالرد على “المعتدين” لأمر يدعو إلى الكثير من الغرابة. ترى هل كان الموقف كذلك لو حصل هذا الهجوم في أيام الشاه. هل ندعو الجنود الاتراك الذين يقتلهم أبناء الإسكندرون المحتل شهداء ونطالب تركيا بالرد على المعتدين! لا نعتقد.
غير ان الامر لا ينتهي هنا. بل إن هذا الموقف هو جزء من كل. إنه جزء من سياسة انبطاح تام تمارسه قيادات الحزب السوري القومي الاجتماعي المتتالية ومنذ عقود. إن المنطق الذي يتحكم ببيان أحد رؤساء التنظيمات حاملة اسم الحزب – ولعل هناك بيانات مماثلة من تنظيمات أخرى – حول الانتخابات البلدية في الشام، هو نفس المنطق الذي يعمل به الرفيق الذي يدعو إيران للرد على السوريين المقاومين. بيان رئيس الحزب يدعو القوميين، بعد مقدمة طويلة جدا، إلى “الترفع عن الصغائر” وانتخاب “حلفائهم” في الجبهة الوطنية. هؤلاء الحلفاء الذين استبعدوا مرشحي الحزب ومنعوه من ممارسة حقه الطبيعي في المشاركة في الحياة السياسية. إنها سياسة الانبطاح، ومهما زينتها وجمّلتها فإنها لن تؤدي سوى إلى مزيد من الخسارة ومزيد من التراجع.
“أذكروا الإسكندرون وأنطاكية وفلسطين وكيليكية والأحواز وسيناء وقبرص.” بهذا كان سعاده يصدّر مراسلاته الحزبية. إنها لم تزل أرضا قومية تحت الاحتلال.