LOADING

Type to search

وجعلوها شراباً فاسداً.. والمياه آسنة!

مقالات موضوع العدد

وجعلوها شراباً فاسداً.. والمياه آسنة!

شام قطريب
Share

تغيب العناوين الكبيرة عن أدب الكتاب الشباب خلال العقود الماضية، فتغرق النصوص في المشاعر الفردية والمعاناة الخاصة واليوميات التي لا تهم أحداً إلا صاحبها! صحيح أن الشعرية تكمن في كل شيء، ويمكن لمهارة الكاتب أن تكتشفها وتصورها في العبارات والبيان، لكن طغيان نمطية ما، لابد ينطوي على أسباب عميقة وربما كان نتيجة لتراكمات وانكسارات على صعيد العناوين الضخمة والعامة مثل المقاومة والتحرير والوطن!

نستطيع في هذه المرحلة أن نقول بانتهاء ظاهرة الأدب الملتزم واقتصاره على حالات نادرة وفردية. وهذا الأمر يتطلب مناقشة أثر فشل السياسة على الأدب، وكذلك أثر الدكتاتوريات والفساد وتفريغ القضايا الجوهرية من محتواها إلى درجة أصبحت فيها مدعاة للسخرية، رغم عدالتها وأخلاقيتها كقضايا وطنية مصيرية. لم تعد فلسطين قضية العرب، بعدما لبسوها كعباءة فترة طويلة من الزمن، ثم خلعوها في حفلات التطبيع والعلاقات الكيانية والتبعية للغرب. هذه القضية التي يتضامن معها أحرار العالم ويرفعون علمها في المباريات الرياضية والمؤتمرات، أصبحت مقتصرة على المناطق الفلسطينية التي تعاني الاحتلال وتعرف معنى القهر والاضطهاد وتتخذ عن وعي قرار المقاومة. السياسة أساءت إلى الأدب وحرفته عن مساره، رغم حديث النقاد عن أولوية الثقافة على السياسة وقدرتها على رسم المسار الاستراتيجي وضرورة أن يكون المثقف رائداً للسياسي وليس تابعاً له.

نحن أمام خراب هائل يعصف بوجدان الأمة، ويفاقم ذلك فوضى التكنولوجيا والإعلام الحديث الذي جعل الجمهور يقرر مكانة النصوص ومدى شعبيتها وانتشارها ومستواها الإبداعي. نصوص تنتشر وتتسيّد المشهد بناء على تصويت الجمهور الذي يضغط علامة الإعجاب على صور الشويعرات الضعيفات اللواتي يستقطبن المتابعين بصورهنّ الاستعراضية ونصوصهنّ الهزيلة، التي تحرف طبيعة الكتابة عن مسارها وتجردها من نبوءاتها لتصبح وصفات للشهرة الآنية المعتمدة على الاستعراض والإخلال بالآداب العامة والاحتفاء بالقشور!

أن ما أنتج خلال عشر سنوات من الحرب، كان في معظمه أدب المعاناة الفردية والصور الهشة واللغة المحطمة. وهذا الأمر ينطبق كثيراً على الشعر والكثير من الرواية والروائيين الذين هاجروا جماعات إلى الرواية نظراً لتسويقها الكبير وجوائزها والحفاوة التي تلقاها على أكثر من صعيد. فهل يمكن الاستناد إلى نظرية المؤامرة في تفسير ما يحصل على صعيد الكتابة العربية بشكل عام؟

كاتب اليوم يشبه معقب المعاملات، يحمل حقيبة النصوص ويدور على المنابر كي يبيع هراءه مقابل لقمة عيشه. إنه مستلب ومتردد وخاضع للتطويع، وقد تعلم الدرس من الرواد الذين ماتوا تحت ظروف الفاقة والملاحقات ولم تنقذهم نصوصهم ولا الشعوب التي تغنوا بها، لأنهم كتبوا للمستقبل الحالم وليس للواقع الرثّ. لقد ساد زمن الوضاعة بشكل مريب، حتى صار النقاد ينعون الثقافة ويقولون إن الأمة دخلت مرحلة العقم، بعدما تم تدجين المخيلة والفكر، فلم نشهد ولادة شعراء كبار ولا أصحاب مواقف كبيرة، بعدما سيطرت التفاهة على جميع مفاصل الحياة.

معظم الشعر العربي المنشور اليوم يتزلف للحبيب ويمارس مازوخية مرعبة بحق الذات، أو سادية اضطهادية قاسية بحق الآخر. شعر لا يتحدث سوى عن الغدر والخيانة ويمنّي النفس بعودة المحبوب إلى رشده! وللأسف فكل ذلك يتم عبر لغة ركيكة مليئة بالأخطاء والصور السطحية كأن هناك من سحب خير الكتابة وزبدتها وجعلها شراباً فاسداً مصنوعاً من مياه آسنة!

الشاعرات تراهنّ على فضائح الجسد من أجل الانتشار. والشعراء يتزلفون ويسحقون النفس لقاء غمزة من الحبيبة! لم يعد هناك ماريشلات في الشعر، فقد تم سوق الأمة إلى التهجين الاجباري تحت وطأة التجويع والتهديد بحد السيف… وجعلوها شراباً فاسداً.. والمياه آسنة!

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
LinkedIn
Instagram0

1 Comment

  1. Avatar
    Global Entrepreneurial University 6 ديسمبر، 2022

    لكاتب أن تكتشفها وتصورها في العبارات والبيان، لكن طغيان نمطية ما، لابد ينطوي على أسباب عميق

    رد

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.