“نحن لسنا مسؤولين عن العقائد التي تبلبل مجتمعنا” – سعاده
Share
ليس غريباً أن يكون السوريون القوميون الاجتماعيون، الواعون لمصلحة المجتمع، في طليعة من يعاين المواقف والسياسات الصادرة عن حكومات الكيانات، لا سيّما تلك في الكيان الشامي. ولن تكون آخرَ المعاينات تلك المتعلقةُ بقانون الأحزاب في “الجمهورية العربية السورية”. أضف إلى ذلك مواقف وأراء محقّة صدرت عن القوميين الاجتماعيين بشأن قرارات سبق وصدرت عن وزارتي الأوقاف والتربية في الكيان نفسه ابتداءً من أوائل الخريف الماضي. ولعلَّ ما يميز مواقف القوميين ويشرعنها هو أنها تتناول سياسات تزامنت مع تعرّض الشام لأعتى هجمة على يد التكفيريين بتمويل خليجي ودعم أميركائيلي، ارتقى من جرّائها العديد من الشهداء من الكيان اللبناني، سوريين قوميين وغيرهم، على أرض الشام السورية الهوية والتاريخ.
ينطلق القوميون في انتقاداتهم لتلك السياسات من أسّين رئيسيين؛ الأول هو منطلقاتهم الفكرية ومفهومهم القومي الاجتماعي للوحدة والتفاعل المجتمعيين، ونظرة حزبهم للدين والثقافة والتربية. أما الأس الثاني فهو حرص السوريين القوميين الاجتماعيين على المقومات الاجتماعية والسياسية الصحيحة لكيان عزيز على قلوبهم، حتى وإن كان تحت حكم حزب البعث بكل ما يتميز به من عناصر تتنافى فكرياً وعقائدياً مع حزب سعاده. وبالرغم من التقسيمات الإدارية التي فرضتها سايكس-بيكو وعززتها أساليب وقناعات ملتوية تميزت بها حكومات الكيانات على امتداد ما يزيد على قرن من السنين، بقيت الشام بنظر السوريين القوميين عنواناً للمقاومة بوجه التمدد اليهودي والهجمات المتلاحقة التي استهدفت فلسطين ولبنان وأخيراً الشام نفسها.
نسوق هذا مع اعترافنا بوجود مفارقات عدة في مواقف القوميين، أو على الأقل لدى قياداتهم المتلاحقة، حيال الكيان الشامي مقارنة بتلك تجاه الكيان اللبناني، هذا الكيان الذي كرّس منذ قيامه، وفي صلب دستوره، التمايز الديني والعرقي والطائفي والمذهبي، وفي كافة دوائره من رأسها حتى أخمص قدميها. حيث إن القوميين شاركوا، دون تردد أو مساءلة، في تبوّء مراكزَ ومواقعَ وحقائبَ قامت على أسس التوزع الطائفي والمذهبي والمناطقي.
أن نوجّهَ الملاحظات والانتقادات إلى “حزب البعث العربي الاشتراكي” لنظهر التناقض السافر بين دعوته “لأمة عربية واحدة” من جهة وتمييزه بين مواطني “امته العربية” من جهة أخرى، فهذا بحثٌ آخر، وقد عالجه الكاتب شحادة الغاوي بدقة وتفصيل مميزين في مجلة الفينيق (عدد كانون الثاني 2019) في مقالة له بعنوان ” قانون الأحزاب السوري يكذّب عروبة البعث”. ففي نهاية المطاف، هذا شأن يتحمل مسؤوليته وتبعاته حزب البعث منفرداً، ولئن شاء قياديوه أن يضيفوا ثقباً جديداً على الثقوب التي نخرت ذلك الحزب منذ تأسيسه فهذا شأنهم، و”نحن لسنا مسؤولين عن العقائد التي تبلبل مجتمعنا“.
ما يثير اهتمامنا واستغرابنا بالفعل هو هرولة من اختطف قيادات التنظيمات المسمّاة “حزب سوري قومي اجتماعي” إلى التعامل مع تلك السياسات والقوانين دون أن يرف لها جفن، فتسارع، بكل ما استطاعت فبركته من قرارات وبيانات يندى لها جبين النهضة، إلى سايكس-بيكوة حزب سعاده فتطحلب المجالس القومية “الكيانية”، ضاربة عرض الحائط البديهيات (إن صح التعبير) في كيفية تعاملنا كسوريين قوميين اجتماعيين مع كل ما من شأنه زيادةُ التقسيمات السياسية والاجتماعية وتعميقُها.
ما يحيرنا هو التالي: هل فعلاً سها عن بال تلك القيادات أن عقيدة الحزب (الذي يقودون مؤسسة تحمل اسمه) تقول إن الأمة السورية مجتمع واحد، كما وتحدد مبادئ “حزبهم” جغرافية الوطن السوري الذي تقوم فيه تلك الأمة وتتفاعل؟
وتكمن المشكلة أيضاً في أن قيادة المؤسسات، حاملة اسم الحزب، تبرر للقوميين الاجتماعيين تعاملها مع أنظمة الأمر الواقع السايكس-بيكويّ في لبنان والشام تحت شعارات “التكتيك المرحلي” و”المناورات السياسية”، دون أن يتساءل هؤلاء المُبرَّرُ لهم أمام ضمائرهم لماذا لم يساوم أنطون سعاده في مواقفه؟ لماذا لم يتكتك أو يناور؟ بل تمسّك بمبادئه وأصرَّ وصَمَدَ وقاوم ووقف وقفة العز مترجماً إيمانه فعلاً غيّر وجه التاريخ.
السوريون القوميون الاجتماعيون، الذين فعلت فيهم عقيدة عز نظيرها وحملوا في حناياهم إيماناً لا يتزعزع، مطالبون اليوم للوقوف بوجه من يحاولون استغلال جهودهم وتضحياتهم وتقزيم مؤسساتهم إلى مجرد أسماء على لائحة الأحزاب الكيانية المتعاملة مع سياسات الأمر الواقع، هذا الأمر الذي نبّهنا عنه زعيمنا الخالد حين قال إن لم يكن ما تريد فلا ترد ما يكون. هذا هو إيماننا.
رائعة! شكراً لكاتبها.
الإنههيار الداخلي و فقدان روح الجماعة
هما السبب في كل مشاكلنا الحزبية
ن . م