منهكون من الجوع.. متخمون بالشعارات
Share
المخاطر المحدقة بالمجتمع السوري تتسع وتكبر. ومع كل قرار للفريق الاقتصادي، تزداد نسبة الرازحين تحت خط الفقر التي تقول الأمم المتحدة إنها تتجاوز التسعين بالمئة. ويبدو المسؤولون عن هذا الملف، إما مفصولين عن الواقع أو إنهم يقولون للناس بشكل غير مباشر “بلطوا البحر”. وما كان تبرير رئيس الحكومة السورية لقرار رفع أسعار المشتقات النفطية الأخير، سوى عينة من التصريحات المضحكة التي تتبع القرارات عادة، فقد قال إن رفع سعر ليتر المازوت من 500 إلى ٧٠٠ ليرة هو زيادة تحمّل المواطن منها 9 إلى 13 بالمئة فقط، والباقي تتحمله الدولة. مع أن هناك أكثر من 350 مادة سترتفع مباشرة بعد قرار الرفع، وسيتحملها المواطن بالتأكيد! وقد برر رئيس الحكومة عرنوس أن الرفع يأتي تفادياً للعجز، مع أن العجز حاصل في الميزانية التي أقرت لعام 2023 وقد حذر منها الخبراء أكثر من مرة.
المجتمع السوري تحدق به الجريمة والفقر وعدم الثقة، بعدما ذهبت وعود جميع المسؤولين أدراج الرياح، منذ تولي الحكومة مهامها حتى الان. والمحزن أن المواطن الذي لا يتعدى دخله عشرين دولاراً في الشهر، مطلوب منه الصمود والصبر، لكن لأجل ماذا وبانتظار ماذا لا أحد يعرف!
لو أن أحد المسؤولين يطل على المنابر الإعلامية، ويحدث الناس بشكل صريح وواضح، حول مجمل الضغوط التي تتعرض لها البلد، ويضع الخيارات أمام الشعب دون تسويف أو تردد، لكان الأمر أفضل. لكن الاختباء وراء الحصار وقانون قيصر، واحتلال الأميركيين لآبار النفط، لم يعد يقنع أحداً، خاص أن النفط في فترات قبل الحرب لم يكن يساهم في الاقتصاد سوى بنسبة 12 بالمئة حسب تصريحات الحكومة نفسها. وإذا كان الحصار هو السبب في التدهور الحاصل، فلماذا لا يتخذ قرار بتحرير آبار النفط مباشرة أو عبر مقاومة شعبية؟ فالسياسة الاقتصادية التي تتبعها الحكومة توحي للناس أنها لا تملك القرار الفعلي بهذا الشأن، وأن هناك جهات تتحكم بملف شرق الفرات وتفرض أسلوب التعامل مع هذا الملف تبعاً لمصالحها وليس بناء على المصالح السورية.
إن الأحداث الأخيرة التي حصلت في السويداء، تحمل مؤشرات خطيرة تدل على حجم الضغط الذي يتعرض له الشعب، وقد بدأت بالفعل دعوات للتظاهر والاعتصام في مختلف المناطق. هنا لابد أن نكون بعيدين عن عقلية المؤامرة واتهام كل من يحتج بالعمالة والخيانة، فالشعب وصل إلى مرحلة الجوع، وأصبحت الهوة كبيرة بين مقومات العيش وقدرة المواطن، الذي يفاجأ كل ليلة بصدور قرارات رفع الأسعار لمواد جديدة تجر خلفها قافلة من المواد الاستهلاكية!
لماذا تصدر الحكومة قراراتها آخر الليل؟ هل تعتقد أن الشعب سيكون نائماً ولن يملك الوقت ليفكر ويحلل ويفهم ما يجري؟ لاشك أن سذاجة القائمين على الملف الاقتصادي، وصلت إلى مرحلة مملة ومبتذلة، ولا أحد يعرف على ماذا تراهن الحكومة حتى هذه الساعة، هل على صمت الناس وتحملهم للضغوط مهما اشتدت عليهم؟ أم أنهم يعانون فعلاً من الإفلاس ولا يملكون ما يقدمونه إلى الشعب للتغلب على هذه الظروف الصعبة؟
خبراء الاقتصادي يحذرون من “ثورة الجياع” التي لا علاقة لها بالسياسة أو بالاتهامات التي يكيلها المسؤولون لكل من يقول لا. ومن المعروف أنه مع الجوع، تستيقظ كل الأمراض الاجتماعية بشكل لا يمكن التكهن بنتائجه أبداً.
الخبيرة الاقتصادية رشا سيروب علقت على التطورات الاقتصادية الأخيرة بالقول:
“نتباهى بتعليم مجاني، جلّ طلبته يأخذون دروس خصوصي!
نتباهى بالصحة المجانية، ومعظم المرضى يلجؤون لاحقاً إلى استشارات طبية خاصة!
نتباهى بتوفير النقل العام، والمواطن ينتظر ساعات قبل حصوله على حيّز (لن أقول مقعد) في وسيلة النقل!
نتباهى برغيف الخبز المدعوم، والمواطن يقف ساعات على طابور الخبز في البرد والحر.
نتباهى باستمرار دفع رواتب، وما يُدفع في الشهر لا يكفي مصروف يومين.
نتباهى بجيل الشباب وضرورة دعمه، لكن نمدّد للمتقاعدين ولا نعين شباباً. نتباهى بجرحانا، وجرحهم يزيد إمعاناً.”
للأسف يبدو الخلل بنيوياً عميقاً، ويحتاج قراءات مختلفة لا يملكها الفريق الاقتصادي المسؤول عن رسم الاستراتيجيات. وهذا ما تؤكده الأرقام وواقع الحال الاقتصادي وليس الاستنتاجات والتأويلات. الناس تجوع والحكومة غير قادرة على فعل شيء. سوى رفع الضرائب والأسعار والمراهنة على معجزة تحصل إقليمياً ودولياً!
السوريون أمام مخاطر كبيرة لا يمكن التكهن بها، وربما تكون أخطر مما شهدناه منذ بداية الحرب! الشعب منهك بالجوع.. متخم بالشعارات!