ملاحظات حول كتاب شحادة الغاوي – ميلاد السبعلي
Share
كثرت المقالات والتعليقات حول كتاب “الاسباب والعوامل الحزبية الداخلية في تاريخ استشهاد سعادة… وما بعده”. وقد وصف الكاتب كتابه على الغلاف بأنه “قراءة ناقدة في تاريخ صاخب”. لذلك فهو توقع أن تكون الردود صاخبة على ما يبدو. لقد حضرت الندوة التي عقد في ضهور الشوير لمناقشة الكتاب وكان لي فيها مداخلة تضمنت النقاط التالية.
أولاً، شكرت الكاتب على المجهود الكبير الذي بذله لجمع كل المعلومات والوثائق والمستندات التي ارتكز اليها في كتابه. وأشدت بمحاولته أن يكون موضوعياً قدر المستطاع، مع أنه ركز على أفكار معينة وحاول اثباتها من خلال هذه الوثائق والمعلومات، وأحياناً تدخل هو شخصياً لتدعيم هذه الأفكار، كما سنوضح في سياق النقاط التالية.
ثانياً، أكدت أنني من دعاة وحدة الحزب، وتمنيت عليه ألّا يدعو لانشقاق جديد، كما استشفيت من أخر صفحات الكتاب قبل الملاحق، حيث دعا القوميين الى استعادة حزب سعادة، مستشهداً بكلام للرفيق اسامة المهتار يدعو فيه القوى الحية المتبقية من القوميين الاجتماعيين لتلتحم في كتلة متراصة الى الانتفاض على المراكز الثلاثة التي تتعاطى السياسة وتتناكف فيما بينها ويجمعها الجهل المطبق في أهمية نظرة الحزب الى الحياة… فتمنيت أن لا يكون وراء ذلك دعوة الى تشكيل مؤسسة رابعة، فيكون بذلك يطبق ما انتقد انتفاضة الـ 1957 عليه، حيث وصفها بأنها عالجت الانشقاق، بالانشقاق!
ثالثا، قلت للكاتب أن الكتاب لم يكن موضوعياً أو متوازناً تجاه قادة الحزب، وهو ركز على الرفيق جورج عبد المسيح وحمله مسؤولية معظم أزمات الحزب الى حد اتهامه بالخيانة في أكثر من مكان. وقلت إنني كنت تقبلت الموضوع أكثر لو كان متوازناً أكثر وليس متحاملاً على العم. وأعطيته مثالاً فاقعاً على ذلك. فهو في معرض توصيفه التفصيلي للثورة القومية الاجتماعية الاولى وتسليم الزعيم، يأخذ على عبد المسيح أنه لم ينصب الكمائن على الطريق من المصنع الى بيروت لتخليص الزعيم من ايدي السلطات اللبنانية. والمعروف أن عبد المسيح يومها كان محاصراً في سرحمول أو هو متواريا بعد المعركة، ولم يكن يعلم أن الزعيم سُلِّم أو أنه حتى ذهب لمقابلة حسني الزعيم. بينما الكاتب أغفل تفاصيل ما حدث في دمشق يوم 6 تموز من الصباح الباكر حتى المساء عندما استقل الزعيم السيارة العسكرية مع ابراهيم الحسيني الى القصر الجمهوري في الساعة العاشرة مساء، وكأني به أراد عدم تحميل المسؤولين الذين كانوا الى جانب الزعيم يومها أية مسؤولية، والقاء التبعة على عبد المسيح، كي تكتمل روايته التي يقول فيها أن البريطانيين ارادوا التخلص من الزعيم واستبداله بعبد المسيح، وربما بمعرفة عبد المسيح. وهو بدأ يمهد لذلك من خلال القول إن عبد المسيح قد تم طلبه يوم حادثة الجميزة من قبل ادارة المدرسة التي يديرها في الفريكة، بحجة أن استاذ اللغة الانكليزية يفارق الحياة وعلى عبد المسيح الحضور فوراً. وينقل عن عبد المسيح قوله إنه غادر الجميزة قبل الحادثة بساعات ولديه شعور بأنه سيندم على مغادرته. ثم يستشهد بعبد المسيح في مكان آخر يقول فيه العم أن استاذ اللغة الانكليزية شفي فور وصول عبد المسيح الى الفريكة. وفي مكان آخر ينقل عن العم قوله انه اكتشف لاحقاً ان هذا الاستاذ كان منخرطاً في المخابرات البريطانية. كما أن الكاتب يورد وثيقة مرسلة من السفير البريطاني بعد اغتيال سعادة بأيام، يقول فيها لوزارة الخارجية أن القائد المتوقع للحزب، جورج عبد المسيح، ما زال متوارياً عن الأنظار. ويضيف معلومة غير موثقة بأن بعض قيادات الحزب الذين كانوا مع سعادة يوم 6 تموز قد ذهبوا الى عمان لاحقاً وأوحى بتعليمات من طرف الملك عبدالله بأن الحزب يجب أن يقوده عبد المسيح. ويربط كل هذه الأحداث بالفكرة التي يريد تثبيتها وهي أن عبد المسيح بريطاني.
بالعودة الى ما حدث يوم 6 تموز، فقد أهمل الكاتب تماماً ما حدث في ذلك اليوم، مع أن ذلك مثبت في معظم المراجع التي اعتمد عليها مثل مذكرات بشير موصلي أو كتاب الامين سامي خوري. وتجمع المعلومات المتوافرة أن حسني الزعيم كان يتحاشى استقبال الزعيم منذ 26 حزيران تاريخ الاستفتاء الذي أصبح بموجبه رئيساً للجمهورية واعترفت به معظم الدول العربية بما في ذلك لبنان، وأصبح محرجاً حتى بالقول إن سعادة في الشام، وطلب من الوسيط أن يبلغ الزعيم كي يختفي. فجأة، وبعد أن أعلن سعادة الثورة وحده، وبعد تسريب خطة الثورة الى الجيش اللبناني واحباط كل العمليات فور بدئها في 5 تموز، جاء الحسيني الى منفذ عام دمشق عصام المحايري، وأبلغه صباح 6 تموز أن رئيس الجمهورية يريد لقاء الزعيم عند العاشرة من مساء ذلك اليوم. وكان الكثير من السياسيين الشاميين والرفقاء وحتى الأمينة الأولى قد حذروا الزعيم من غدر حسني الزعيم له وإمكانية تسليمه الى الحكومة اللبنانية. عقد الزعيم اجتماعاً ظهر ذلك اليوم، حضره معروف صعب وعصام المحايري والياس جرجي وعبدالله محسن، وكان الزعيم قد عينهم قبل ايام وكلاء لعمد المالية والاذاعة والداخلية والتدريب. وبحثوا في دعوة حسني الزعيم. فكان رأي قنيزح ومحسن أن يتوارى الزعيم ولا يذهب الى الاجتماع ولا يثق بحسني الزعيم. بينما رأى المحايري وصعب أن على الزعيم ان يذهب الى اللقاء وان هذه فرصة لإعادة ترميم العلاقة. وقد ذكرت الأمينة الاولى في مذكراتها أن معروف صعب أخبرها في ذلك اليوم وبعد هذا الاجتماع مع الزعيم، بأنه متفائل من لقاء رئيس الجمهورية المسائي.
فض الزعيم الاجتماع وقال لهم أنه سيتخذ القرار المناسب بعد أن استمع الى آرائهم. وطلب من صبحي فرحات، مرافقه، أن يملأ السيارة بالوقود ويأخذ معه وقود اضافية، ثم اتجها جنوبا باتجاه درعا. وعلى مشارف درعا، قرر الزعيم العودة. فعاد الى بيت معروف صعب عند الغروب. وانتظروا هناك حتى العاشرة، ثم ذهب مع الحسيني ليلاقي مصيره. هؤلاء المسؤولين الاربعة، وكلاء العمد، ومنفذية دمشق التي كانت قد جمعت مبلغاً طائلاً لدعم الثورة كما ذكر الكاتب، ماذا فعلوا، وهم يعرفون الشكوك بنوايا حسني الزعيم، ويعرفون الموعد بدقة؟ هل كلفوا زمرة مسلحة لمراقبة القصر الجمهوري للتأكد من امكانية غدر حسني الزعيم؟ هل أقاموا كمائن مسلحة على طول الطريق من دمشق الى الحدود اللبنانية؟ خاصة وأن الزعيم قد نقل فور وصوله الى القصر الجمهوري بسيارتين عاديتين مدنيتين تابعتين للمخابرات الشامية، الى الحدود اللبنانية؟
كلا. بل ذهبوا وناموا كل في بيته. لا بل ان المحايري كان يحضر لسهرة كيف مع الرفيق صبحي فرحات بحسب الكاتب. وفي اليوم التالي لم يعلموا إذا كان الزعيم ما زال حراً وعاد من الموعد وبات ليلته في مسكنه السري في دمشق، أم لا. ويقول الكاتب نقلا عن كافة المراجع، أنهم عرفوا في اليوم الثالث، اي صباح 8 تموز، من الصحف، بأن الزعيم قد أعدم. فهل يجوز العتب على عبد المسيح المحاصر في سرحمول والذي لم يكن يعلم بكل تلك التطورات، بأنه لم يحاول انقاذ الزعيم، ويتم التغاضي عن مسؤولين مركزيين كانوا معه حتى اخر لحظة وائتمنهم على حياته؟
هذا نموذج حول عدم الموضوعية والتوازن، وكأن الهدف من الكتاب استهداف عبد المسيح وتحميله كل المساوئ والأخطاء والخطايا.
رابعاً، يحاول الكاتب مقاربة مرحلة الخمسينات بقراءة أمنية توحي بأن الحزب، بقيادة عبد المسيح، كانت تسيره المخابرات البريطانية أو الغرب، وهي التي ورطته بمواقف مع الشيشكلي وحلف بغداد لاحقاً ثم باغتيال المالكي، مما ضرب الوجود الحزبي في الشام بشكل كامل واقتلعه من الحياة السياسية الشامية لمدة خمسين عاماً. وتحدث الكاتب بشكل مبهم عن موبقات حصلت بعد استقالة عبد المسيح من رئاسة الحزب في 1956، مثل تلقي الاموال والتسليح من الأمريكان. فلفتت نظره أن يعيد قراءة هذه المرحلة على ضوء التنافس الصامت الذي شهدته مرحلة الخمسينات بين النفوذ البريطاني المتهالك والنفوذ الاميركي الصاعد والذي استبدله خاصة بعد حرب السويس. وأن الصراع داخل الحزب قد يكون انعكاسا لهذا الصراع، وأن الفريق الذي حل مكان عبد المسيح وبدأ بالتنكيل به الى حد الانشقاق، هو الفريق الذي يقول عنه الكاتب انه اميركي وتلقى الدعم والتمويل من الامريكان. وطالما هو يتهم عبد المسيح او القيادات التقليدية بأنه بريطاني، مع كل التحفظ على ذلك، فربما يجب قراءة الانشقاق الحزبي على انه انعكاس للصراع الذي كان قائما في المنطقة وقتها. لكن هكذا اتجاهات بحاجة لإثباتات موثوقة لأن الموضوع خطر ولا يجب رمي الاتهامات كيفما اتفق.
واترك للكاتب أن ينشر رده على مداخلتي إذا أراد.