LOADING

Type to search

ماكرون في بكين.. زيارة كبيرة والنتيجة صفر!

العالم موضوع العدد

ماكرون في بكين.. زيارة كبيرة والنتيجة صفر!

شوكت أبو فخر
Share

لم تكن نتائج زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى الصين، على قدر الأهداف الكبيرة التي رمى إليها بصفته ممثلاً لأوروبا وناطقاً باسمها، ومدعوماً بموقف أميركي لا يرى غضاضة أن يسفح ماكرون ماء وجهه على أسوار الصين.

 فهي، أي واشنطن، مستفيدة بكل الحالات، بل أكثر اطمئناناً إلى أن القارة العجوز، لم تستطع في أيام عزها، أن تغرد بعيداً عن المظلة الأميركية، فكيف وحالها الراهنة، والحريق الأوكراني في حدائقها الأمامية؟

قصد ماكرون بكين – عرابة اتفاق التسوية الإيرانية السعودية –  مصحوباً برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، على أمل أن يحقق انجازاً باثنين من الملفات؛ الأول أن يحث الصين على القيام بدور إيجابي في السعي لوقف الحرب الروسية الأوكرانية. والثاني التأكيد على خيار “الاستقلال الاستراتيجي” أي السعي لتشكيل قطب ثالث، وأن يقول بالفم الملآن لبكين أن أوروبا ليست تابعة لأمريكا وهي غير ملزمة بكل ما يصدر عن واشنطن بخصوص الصين.

أشد المتفائلين أو المتحمسين للزيارة، وما يحمله ماكرون، لم يكن ليذهب الى ما أبعد ما خلصت اليه الزيارة، ولولا مجموعة الاتفاقات التجارية والثقافية، التي حرص ماكرون على انجازها أمام وفد كبير من رجال الأعمال والتجارة والإعلام، لكان يمكن القول “كأنك يا بوزيد ما غزيت”.

بل يذهب مراقبون الى أبعد من هذا ويقولون: إن ماكرون نفسه  يعلم أن فرص تغيير الرئيس الصيني آراءه حول روسيا وأوكرانيا بطريقة ملموسة، ضئيلة جداً.

أما فيما خص الاستقلال الاستراتيجي، وتقليل الاعتماد على أمريكا، فهي قصة أخرى، تدحضها الأرقام والوقائع، والأوروبيون أنفسهم ليسوا على قلب وتوجه واحد.

الحل في بكين وواشنطن

عولت الدول الأوروبية بلا شك على الزيارة  وأعطت الرئيس ماكرون تفويضاً باعتباره قادراً على خوض نقاش طويل وعميق مع الرئيس الصيني شي جين بينغ حول ملف الحرب الأوكرانية، ولديه تواصل شخصي مع كافة اللاعبين الرئيسيين في الحرب الأوكرانية. لكن هذا لا ينفي تضارب آراء الأوروبيين والصينيين، لأن الأوروبيين يريدون من الصين إقناع روسيا بالاستسلام، في حين لا تريد بكين أن تنهزم روسيا أمام دول حلف الناتو.

من هذا الافتراض، يدرك ماكرون أن مسار إقناع بكين بالضغط على روسيا من أجل التفاوض لإيقاف الحرب في أوكرانيا، مسار طويل، لكنه على قناعة بأن بكين فقط، قادرة الى جانب واشنطن على إيقاف الحرب، لكن لكل طرف حساباته، وهنا يكمن دور الأوروبيين.

وتبقى الورقة الاقتصادية بيد الأوروبيين لإقناع الصين، فالاقتصاد الأوروبي يمر بأزمة عميقة بسبب سياسة الابتعاد عن مصادر الطاقة الروسية، والولايات المتحدة تضغط على الأوروبيين لتقليص اعتمادهم على السوق الصينية. بالمقابل فإن الصين وإن كانت تنظر إلى روسيا بوصفها حليفاً، فإنها تعلم أنها حليف يفقد قوته ويضعف تدريجياً، مقابل حليف اقتصادي مهم وهو الاتحاد الأوروبي.

وتشير معطيات مؤسسة “يوروستات” (Eurostate) للإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبي، إلى أن بكين تحوّلت في العام 2022 إلى أكبر مصدر للبضائع نحو الاتحاد الأوروبي، حيث تستورد أوروبا 20% من حاجياتها من الصين، في المقابل فإن الأخيرة هي ثالث زبون للبضائع الأوروبية، وتستقبل الصين 9% من البضائع الأوروبية الموجهة للتصدير.

وتحوّلت العلاقات التجارية إلى ورقة قوية في يد الصين، خصوصاً في السنوات الأخيرة، ويبلغ حجم المبادلات التجارية بين بكين والاتحاد الأوروبي 856 مليار دولار، منها 626 ملياراً عبارة عن واردات أوروبا من الصين، و230 مليار دولار واردات الصين من أوروبا، ليبلغ حجم العجر التجاري بين الطرفين 395 مليار دولار لصالح بكين.

وعلى الصعيد العالمي، تعدّ الصين أكبر مصدّر عالمياً بأكثر من 2844 مليار دولار، وهو ما يشكل 50% من صادرات العالم للسلع والبضائع، كما أنها أيضاً ثاني أكبر مستورد عالمياً بعد الولايات المتحدة، وتستورد بكين ما قيمته 2273 مليار دولار سنوياً. وكما أن أوروبا بحاجة إلى بكين، فإن الأخيرة لا تفكر في خسارة أكبر زبون تجاري.

كتلة مقابل كتلة

حاول الرئيس الفرنسي، أن يؤكد لمضيفيه الصينيين أن أوروبا ليست تابعة للولايات المتحدة فيما يتعلّق بتايوان. وقال في تصريحات صحفية: “أسوأ أمر هو الاعتقاد أننا نحن الأوروبيين يجب أن نكون أتباعاً.”

مضيفًا: “أولويتنا ألّا نتكيّف مع أجندة الآخرين في مختلف مناطق العالم”. وتابع: “لماذا علينا اتّباع الإيقاع الذي يختاره الآخرون؟ في مرحلة ما، علينا أن نطرح على أنفسنا سؤال أين تكمن مصلحتنا  علماً أننا لا نريد الدخول في منطق الكتلة مقابل الكتلة.”

وقال: “لا يمكن أن يكون لدينا أوروبا آمنة ومستقرة” طالما بقيت أوكرانيا محتلة. “لكن ما لم يعترف به ماكرون هو أن حرب أوكرانيا قد أدّت أيضاً إلى حدوث تصدعات جديدة، فهناك رغبة ضئيلة للغاية في الاستقلال الذاتي”. فالدول الأوروبية لا تثق بقدرات بعضها البعض، والتصوّر القائم في واشنطن، يتلقف هذا ويبني عليه، بمعنى أنه لا يوجد زعيم حقيقي في الاتحاد الأوروبي.

موقف معقد

الموقف الصيني قد يطرب لفكرة أوروبا موحدة، ولا يضير بكين أن تكون للقارة العجوز كلمة مستقلة عن واشنطن، لكن في الوقت نفسه لابد من الإقرار بأن الموقف معقد بالنسبة لبكين لجهة العلاقة مع موسكو والغرب فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، فالصين تحاول أن تجترح لنفسها موقفاً يجعلها تتعامل مع الملف برمته بوصفها قوة عالمية.

 الصين لا تدعم روسيا في حربها بأوكرانيا، لكنها في المقابل تدعم موسكو في صراعها مع حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) لأنها تراه صراع نفوذ مع الغرب.

دفاع هش

لقد عرّت الحرب الأوكرانية قدرات القارة الأوروبية الدفاعية، وثبت أن الاستقلالية عن واشنطن دفاعياً، هو حبر على ورق. فأوروبا لا تزال تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة، ولم تستثمر في قواتها المسلحة على مدار العشرين عاماً الماضية. وبالرغم من حجم إنفاقها الدفاعي الذي يفوق الإنفاق الروسي بأكثر من ثلاثة أضعاف ونصف، إلا أن قوتها العسكرية اليوم أضعف بكثير من أن تواجه وحدها هجوماً روسياً في حديقتها الخلفية.

ومع دخول الحرب الأوكرانية عامها الثاني تأكدت الحالة المروعة للدفاع الأوروبي، ولم يتحقق أي تحول منتظر للأمن الأوروبي في مجال الدفاع بل بقي الأوروبيون يعتمدون بشكل كبير على الولايات المتحدة.

وبدلاً من حشد الجهود الأوروبية لمعالجة المشاكل الهيكلية العميقة في الدفاع، جاءت الحرب الأوكرانية وعززتها، فالجيوش الأوروبية في وضع أسوأ مما كان يعتقد سابقاً، تفتقر إلى الأساسيات اللازمة للحرب التقليدية في ساحاتها الخلفية. كما تفتقر إلى مخزونات الذخيرة، و الأسلحة حبرعلى ورق مثال ذلك، من بين 300 دبابة ليوبارد2 تمتلكها ألمانيا، هناك 130 واحدة فقط تعمل.

باختصار، في الحرب الأوكرانية تولّت واشنطن الردّ، وحشدت الحلفاء، ونظمت المساعدة العسكرية، وساهمت في أكبر قدر من المعدات العسكرية والاستخباراتية لأوكرانيا. وقررت نوع الأسلحة التي ستتلقاها كييف وما الذي لن تحصل عليه.”

ويقدَّر إجمالي المساهمات العسكرية لأوكرانيا من الدول الغربية الأعضاء في الاتحاد بـ 12 مليار يورو حتى الآن، بينما تقدر المساعدات الإجمالية بنحو 50 مليار يورو.

وحتى القادة الأوروبيون العازمون على دعم أوكرانيا وتكثيف قدراتهم لردع روسيا، ليس لديهم نوع الترسانات وسلاسل التوريد والقدرات الإنتاجية وإجراءات عمليات الشراء الجماعية التي تتطلبها المهمة المطروحة.

وفقاً لوكالة الدفاع الأوروبية، مثّل الإنفاق التعاوني- أي الدول الأعضاء التي تجمع أموالها لشراء الأسلحة بشكل مشترك- في عام 2021 على المعدات العسكرية 18% فقط من إجمالي مشتريات المعدات الدفاعية من قبل الدول المعنية. هذا أقل بكثير من هدف الاتحاد الأوروبي البالغ 35% للمشتريات التعاونية.

فما دامت القوى الكبرى في أوروبا لا تستطيع الاتفاق على نهج مشترك تجاه روسيا، فإن سائر المشاركين في الحشد سوف ينظرون عبر المحيط الأطلسي، ويبحثون عن ضمانات أمنية من الولايات المتحدة.

لحظة ضعف

ذهب ماكرون إلى بكين في لحظة ضعف أوروبية، فيما بكين منتشية بإنجازات الدور الجديد، لذلك ليست بوارد أن ترمي هذا وتتخلى عن براغماتيتها لزرقة عيون ماكرون، وفي البال عشرات القصص الأوروبية التي تتهم بكين بأنها وراء انتشار فيروس كورونا، واتفاقات عسكرية وأمنية وعربدة في حدائقها القريبة. 

بالمقابل ، لا تجد أوروبا المأزومة اقتصادياً، بداً من الحفاظ على علاقاتها التجارية ببكين، وسوف نشاهد العديد من المسؤولين الاوروبيين على خطا ماكرون، فلا تملك أوروبا أي خيار آخر ليس فقط بسبب ظروفها الاقتصادية، ولكن بسبب تدهور العلاقات الصينية الأمريكية و ضعف حضور الولايات المتحدة في  المسرح الأوروبي وهو وضع لم تعتد عليه أوروبا من واشنطن، خصوصاً أن الغياب الأمريكي الدبلوماسي عن هذه الساحة من المتوقع أن يتزايد خلال الأشهر القادمة وخصوصاً مع بداية المعركة الانتخابية على الرئاسة الأمريكية، وهو غياب قد يغري روسيا ويقوي مواقفها.

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
LinkedIn
Instagram0

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.