لا صراحة مع الشعب.. لا ثقة بالحكومة!
Share
يتابع السوري أخبار بلده عبر وسائل الإعلام الخارجية. كيف حال الاقتصاد وسياسات البنك المركزي وما هو مصير المفاوضات السورية التركية، وما طبيعة الموقف الإيراني، وهل هناك بوادر للانفتاح على الخليج، ضمن اتفاق شامل؟ هل سيتوفر البنزين ووسائل التدفئة، وهل سينعم الشعب بالكهرباء في حدودها الدنيا؟ الإجابات كلها ستأتي عبر وسائل الإعلام العربية والأجنبية، لأن فلترة الخبر المحلي وضبابيته وعدم احتوائه على أية معلومة مفيدة، خلخل موضوع الثقة بهذا الإعلام، ودفع المواطن للبحث عن مصادر أخرى وتحليلات موضوعية يمكن أن تشرح له ما هو متوقع في قادم الأيام.
من مفارقات الواقع السوري، أن تصدر الحكومة قانون جرائم المعلوماتية الذي يحاسب الناس على وضع علامة الاعجاب على أي بوست لا يروق للحكومة، وفي المقابل يذكر مجلس القضاء الأعلى بحق المواطن في التعبير عن رأيه عبر جميع الوسائل المتاحة! ومن المفارقات الجنونية أيضاً، أن يصرح الوزير بعدم وجود نية أو مشروع قرار لرفع البنزين أو المازوت، وبعد يومين يحصل رفع الأسعار! وإذا عدنا إلى عامين مضوا، وقارنا وعود المسؤولين حول تحسن الوضع الاقتصادي والخدمات، وحسبنا حجم التدهور الذي حصل فيها، يمكننا أن نتخيل عامل الثقة الذي تدهور بشكل كبير بين المواطن الذي اختبر أولئك المسؤولين في جميع الحالات والقطاعات وللأسف كانت النتيجة سقوطهم في الامتحان كل مرة!
غياب الشفافية وعدم ظهور المسؤول على وسائل الإعلام ليشرح بشكل واضح ما هي طبيعة الظروف وما هي الخطط المرسومة على الأقل خلال عام من اليوم، دفع الجميع للبحث عن مصادر الخبر في المنابر الإعلامية الخارجية، وهذا الأمر بالطبع لم يرق للحكومة هو الآخر، فقد جرمت هذا الفعل واعتبره عمالة للخارج، فالمطلوب من المواطن أن يصدق كل شيء ولا يبحث عن جذور المعلومات ومدى صحتها، على الرغم كما قلنا، من فشل المسؤولين بالاختبارات التي خضعوا لها طيلة سنوات الحرب.
لنعد إلى عام 2021، الذي قال عنه وزير التجارة الداخلية السابق طلال البرازي بأنه سيكون عام الانفراجات، وإذ به عام الكوارث. ولنسترجع تصريح وزير المالية كنان ياغي عندما قال بأن هذا العام سيكون أفضل من السابق وسيكون عام خير “يتم فيه طي جزء من الصعوبات الاقتصادية”. وزير الزراعة حسان قطنا، قال عن عام 2021 بأنه سيكون عام القمح، وفوجئنا بتقرير لمنظمة الأمم المتحدة تحذر فيه من المجاعة في سوريا! ونحن لا نتحدث عن مجاعة متخيلة أو وهمية تندرج في إطار المؤامرة الكونية على البلد، بل عن مجاعة نعيشها لحظة بلحظة ونراها بأم عيوننا في كل بيت وشارع. وزير الكهرباء غسان الزامل، سبق أن بشر السوريين بأن عام 2021 سيشهد تحسناً كبيراً بالكهرباء، لكن الوضع زاد سوءاً منذ ذلك العام وحتى بداية العام الحالي 2023.
في تموز من العام الماضي، تم الإعلان عن ميزانية العام الحالي وقد وصلت إلى 16 ترليون و550 مليار ليرة سورية. أي ما يقارب 3.2 مليار دولار بالسعر الحقيقي. وقد قال حينها وزير المالية كنان ياغي إن نسبة العجز تبلغ 4860 مليار ليرة، حسب سعر الصرف الرسمي المحدد حينها بـ2500 ليرة. مادام الواقع كذلك، فلماذا يتنطع الوزراء، كل في اختصاصه، كي يبشروا السوريين بالانفراجات الكبيرة القادمة؟ هل حسبوا تأثير انعدام الثقة ومدى تأثيرها على الناس الذين يعيشون ظروفاً هي الأسوأ تاريخياً؟
نسأل بعض المواطنين عن رأيهم بوعود الحكومة، فيقولون إنهم لا يصدقون الإعلام الرسمي حتى في نشرة الأحوال الجوية! بل على العكس تماما، يقول البعض إنه كلما تحدث مسؤول عن أي أمر، قاموا بعكس التصريح مئة بالمئة كي يكتشفوا الحقيقة. فإذا لا زيادة في الأسعار، يدب في قلوبهم الذعر ويقولون إن الغلاء قادم. وإذا قال إن الأوضاع مستقرة في المنطقة، فهذا يعني أن الأوضاع متدهورة. وإذا ما قال إن الليرة ستتحسن خلال الأيام القادمة، فهذا يعني أن الليرة ستتدهور أكثر أمام الدولار! هذا كلام الشارع، وتلك هي الانطباعات التي خرجوا بها بعد سلسلة طويلة من الاختبارات!
تتأخر وكالة سانا السورية، بإيراد تفاصيل الأخبار الأمنية كالعادة، لكن المواطن يحفظ الدرس، فعندما يسمع أصوات انفجارات أو إطلاق صواريخ، يهرع إلى وكالات الأنباء العالمية ليعرف ماذا يحدث في دمشق! لأن الخبر المحلي لابد أن يمر عبر الفلترات المعروفة والدراسات الكثيرة حتى توافق عليه جميع الجهات المتصلة بالعملية الإعلامية. والمشكلة أن الحكومة بعد كل أفعالها في تهديم الثقة، تعود لتطالب المواطن بأن يمضي على ورقة بيضاء ويصدقها في كل ما تقوله!
الصراحة والوضوح نجاة من التخبط. فلماذا لا يشرحون بشكل مباشر وسريع تفاصيل الوضع الاقتصادي والسياسي ضمن المعطيات التي ستنشرها كل وسائل الإعلام العالمية لاحقاً، ولا نطالب بنشر الأسرار والتفاصيل التي قد تشكل خطراً على مصلحة البلد. لكن على الأقل لتسبق الوكالة الوطنية السورية بقية وكالات العالم في شرح الأمر قبل أن يصل إلى ألف باء الفرنسية أو البي بي سي أو الأسوشيتدبرس!
بناء الثقة في علوم الإدارة من أهم مقومات النجاح، لكن المؤسسات المحلية فقدت هذه الميزة للأسف، وما زاد الطين بلة، هو تشديد الرقابة على وسائل الإعلام ومنعها من نشر فضائح الفساد الكارثية التي تحصل من أصغر مؤسسة إلى أكبرها، بل على العكس تتم ملاحقة الصحفيين ومعاقبتهم بالحبس سنوات بسبب مقال أو تعبير عن الرأي عبر وسائل التواصل الاجتماعي! ترى ما هي الحكمة من رفض الحكومة لنشر تحقيقات صحفية تكشف الفساد في مؤسساتها؟