“قوموا تنهني!”
Share
استيقظت صباح اليوم مذعوراً على طنطنات صاخبة لتطبيق “واتس آب” للهواتف المحمولة، فقلت لنفسي: “يا فتاح يا رزاق… خير إنشاء الله”.
الطنطنات المتتالية تعني أن هناك مجموعة من الرسائل، هي عبارة عن صور في معظم الأحيان. لكن لماذا الصور مغبشة وغير واضحة؟ تذكرت أنني لم أضع نظاراتي لأن الاستيقاظ فُرض عليّ فرضاً. وعندما أكملت عملية الاستيقاظ، قرأت نصاً مع الصور يذكر أنها من استقبالات الأمين الجزيل الاحترام فارس سعد بعد انتخابه رئيساً للحزب السوري القومي الاجتماعي ـ مركز الروشة.
أول شيء تبادر إلى ذهني الذي ما زال يتمطى من مفاعيل النعس هو أن يكون أحدهم يلعب بالرئيس الجديد وبالقوميين الاجتماعيين. لكنني عدت وتأكدت من شخصيات الصور، ما يعني أن الواقعة قد وقعت فعلاً.
في البداية أشير إلى نقطتين:
الأولى، أن شخص الأمين فارس سعد يستحق كل التقدير والاحترام.
الثانية، أنه إذا تبين أن الصور مركبة لخديعتنا، فأرجو من القاريء الكريم أن يعذرني على إزعاجه… وأنصحه أن ينسى الأمر ويعود إلى نومه الهانيء مرتاح البال، قرير العين!
كل هذه الأفكار وأنا ما زلت في السرير أقلب صور المهنئين بحثاً عن وجوه أعرفها. تبسّمت، تجهمت، ثم تبسّمت، وأخيراً وضعت الهاتف المحمول بوضعية الصمت وعدت إلى النوم.
تبسّمت أولاً لأن بعض القوميين يجد في هذه “المناسبة السعيدة” ما يستحق التهنئة. إنها أخبار سارة بعد ثلاث سنوات من أزمات متلاحقة هضمت ثلاثة رؤساء للحزب قبل أن يحط المنصب عند الأمين فارس ولو لفترة أقل من سنة. هذا أمر جيد، وجيدٌ أكثر أن يرى فيه بعض القوميين مدعاة للتهنئة. والمجلس الأعلى الذي انتخب الأمين فارس رئيساً بالدورة الثانية ليس أفضل من لجنة جائزة نوبل التي منحت الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في السنة الأولى من حكمه جائزة نوبل للسلام لقاء خطاب وحيد ألقاه في جامعة القاهرة… ثم أمضى السنوات السبع التالية يرتكب جرائم ضد الإنسانية من خلال الاستخدام العشوائي الواسع للطائرات من دون طيار في قصف المسلحين والمدنيين على حد سواء، حاصداً المئات من الأبرياء.
وتجّهمت، لأن الأحوال المذرية في الوطن أوصلت بعض القوميين إلى حد اعتبار أن مجرد حدوث الانتخاب الرئاسي في الحزب، مع كل ما يعتريه من شوائب، هو إنجاز عظيم يستدعي زحف الرجال والنساء في وفود تصطف بانتظار دورها للسلام على الرئيس وتهنئته.
وتبسّمت مجدداً، وأنا أحاول أن أتبيّن من أين جاءت هذه العادة الغريبة عن تقاليدنا القومية الاجتماعية. لا أذكر، بين 1969 و1980 (فترة وجودي في الوطن)، أن قامت وفود القوميين بتهنئة أي رئيس للحزب على انتخابه. نحن نؤمن بأن الانتخاب تكليف وليس تشريفاً. فقط عندما انخرطنا في العمل النيابي والحكومي صرنا نشهد (ونتقبل) بدعة تهنئة هذا النائب القومي أو ذاك الوزير القومي… أما رئاسة الحزب فهي رئاسة دولة الأمة السورية المصغرة، ولذلك ظلت فوق التهنئة وأكبر منها.
أخيراً، أخرست الهاتف المحمول وعدت إلى النوم، لعلي عندما استيقظ مرة أخرى أكتشف أنني كنت في غياهب حلم مزعج وكابوس مخيف. ولعلي أجد أيضاً أن ثقافة “أبقاش بدها، قوموا تنهني” لم تتأصل بعد في ممارسات القوميين الاجتماعيين ومناقبهم.