LOADING

Type to search

سعاده وفصل الدين عن الدولة

الوطن السوري موضوع العدد

سعاده وفصل الدين عن الدولة

الفينيق
Share


المبدأ الإصلاحي الأول

“إنّ أعظم عقبة في سبيل تحقيق وحدتنا القومية وفلاحنا القومي، هي تعلق المؤسسات الدينية بالسلطة الزمنية، وتشبث المراجع الدينية بوجوب كونها مراجع السيادة في الدولة وقبضها على زمام سلطاتها أو بعض سلطاتها، على الأقل. والحقيقة أنّ معارك التحرر البشري الكبرى كانت تلك التي قامت بين مصالح الأمم ومصالح المؤسسات الدينية المتشبثة بمبدأ الحق الإلهي والشرع الإلهي في حكم الشعوب والقضاء فيها. وهو مبدأ خطر استعبد الشعوب للمؤسسات الدينية استعبادًا أرهقها. ولم تنفرد المؤسسات الدينية باستعمال مبدأ الحق الإلهي والفرادة الإلهية، بل استعملته المَلَكية المقدسة أيضًا، التي ادّعت استمداد سلطانها من إرادة الله وتأييد المؤسسات الدينية، لا من الشعب.

في الدولة التي لا فصل بينها وبين الدين، نجد أنّ الحكم هو بالنيابة عن الله لا عن الشعب. وحيث خف نفوذ الدين في الدولة عن هذا الغلو نجد السلطات الدينية تحاول دائمًا أن تظل سلطات مدنية ضمن الدولة.

المؤسسة الدينية تعتبر نفسها حاملة رسالة كاملة كلية تحيط بكل متطلبات ومقتضيات الحياة الإنسانية وتنظر في كل احتياجات الإنسان الروحية والمادية. من هذا القبيل تنظر هذه المؤسسات نفسها كمرجع للجماعات البشرية وأحوال هذه الجماعات. وبما أنها تحمل رسالة الدين، وحي الله وشرعه للناس، تجد أنها الوسيلة المثلى لتوجيه الحياة الإنسانية بأجمعها ومن هنا تنزع إلى أن تكون السلطة العليا المطلقة في كل ما يختص بالروحيات والعمليات أيضاً.

هذه النزعة في المؤسسات الدينية ظهرت في جميع الأديان على السواء في أطوار الإنسان الأولى، قبل أن يتخذ الدين شكله العصري المعروف في الوقت الحاضر.

وحين كان الدين في أوائل عهده شيئاً ممزوجاً بالخرافات والسحر والأوهام نجد الساحر أو العرّاف أو المشعوذ بطرق سحرية، عاملاً فعّالاً في إحداث التشريع للجماعات التي يعيش فيها الساحر أو العرّاف.

فكثيراً ما كان الساحر يأتي برسالة من سماء الأرواح تفيد أنّ الحياة يجب أن تتخذ شكل كذا أو كذا، وإلا غضبت الأرواح واقتصّت في قبورها من الناس الذين لا يذعنون لهذا الشرع.

ثم بعد أن نشأت الأديان الإلهية الكبرى واشتملت على شرع وتوجيه للناس، قَوِيَ هذا المحل للسلطة الروحية في تكييف حياة الإنسان السياسية والاقتصادية وفي جميع شؤونه. ولكن كان التطور البشري يصطدم بالسلطة الروحية المعرقلة للشؤون العملية، لأن حياة الناس كانت تتطور وتستمر في التطور. وكل تطور كان يجلب حالات جديدة تقتضي فهماً جديداً وتقتضي تشريعاً جديداً.

المصالح، فيما كانت تحسه من المؤسسات الدينية، صارت أيضاً ضغطاً على مصالح أخرى، على مصالح تصل إلى المصالح القومية العامة الكلية. ونجد ذلك في النزاع بين الشعوب وسلطة البابا مثلاً في المسيحية، وسلطة الخليفة في المحمدية. ثم بدأ النزاع بين الشعب والمَلك الذي ادّعى بأنه بالتكريس أو المسح أو برضى الآلهة أصبح نائباً عن الله في تصريف أحكام الله في حياة الشعب. وهذا ما يعبرون عنه بالملكية المقدسة التي شخص الملك فيها مقدس لأنه مسيح الله أو لأنه عيّن من قبل السلطة الدينية أو حاز رضاها أو بركتها.

الملك الذي يرى أنه يستمد سلطانه من الله لا من الشعب ولا من إرادة الشعب وحياة الشعب، ينظر إلى الشعب وحياته نظرة تختلف عن النظرة لو رأى أنّ سلطانه عائد إلى الشعب.

إنّ زعمه، أنّ سلطانه مستمد من الله، يجعله مطلق التصرف تجاه الشعب، إنّ هذا الزعم، يجعله غير آخذ بعين الاعتبار ما يحتاج إليه الشعب، وهو يكتفي أن يقول إنه يعمل ما يرضاه الله مهما ارتكب تجاه الشعب من ظلم ومن طغيان.

وفي النزاع بين الإرادة المجموعية، الإرادة القومية العامة، وبين السلطة المستمدة من الدين أو من الله، ابتدأت الإرادة الشعبية، الإرادة القومية تربح وتزيد نفوذها على سلطة المؤسسة الدينية ومبادئ الحكم بمبادئ الله لا الشعب.

والانتصار الفاصل في النزاع هو الذي حدث في الثورة الفرنسية. ومن هذه الثورة ومن الثورة الأميركانية التي سبقتها نشأت فكرة الديمقراطية العصرية التي تعني في الاخير تمثيل الإرادة العامة في الحكم، جعل الإرادة العامة للشعب أو للأمة، الإرادة النافذة، ومرجع الأحكام.

وقد انتصر هذا المبدأ انتصارًا نهائيًا ولم تبقَ سوى جماعات قليلة ضعيفة الشأن لا تزال تعمل بالمبادئ السابقة، مبادئ السلطة الدينية. وسبب ضعفها هو تمسكها بهذا المبدأ الذي يعرقل حيوية الشعوب وحركة التقدم والارتقاء.”

الدولة الدينية أو التيوقراطية منافية لكل حركة متمركزة

لا يوجد في الدين أمة وقوميات. في الدين لا يوجد سوى رابطة المؤمنين بعضهم ببعض بصرف النظر عن الأجناس والبيئات وغيرها و”من هذه الوجهة المقدسة” أي إنّ الدين من هذه الوجهة صار شيئًا سياسيًا إداريًا دنيويًا يقول تقريبًا بإلغاء الأمة والقوميات، وباعتبار المؤمنين بالدين الواحد مجتمعًا واحدًا يجب أن يعود أمره إلى المؤسسة للدين الواحد المتمركزة.

ولا يوجد أو لا تقبل المؤسسة الدينية أي اعتراض على مركزيتها حيثما وجد مركز السلطة الدينية. إلى ذلك المركز يجب أن يتجه مجموع المؤمنين. فإذا كان مركز المسيحية في رومة وجب أن يتجه المسيحيون إلى رومة لتفرض سلطانها كما تشاء.

وإذا كان مركز السلطة الدينية المحمدية في تركية مثلاً وجب أن تتجه جميع الشعوب المحمدية إلى تركية لتأخذ توجيهاتها منها.

وإذا درسنا تركية في زمن الخلافة، وجدنا إلى أي حد كان مجد المؤسسة الدينية يعمل لمصلحة تركية قبل كل شيء. وكيف كانت تركية تفيد من كونها المركز الديني للمؤسسة المحمدية. وكذلك رومة استفادت جداً من كونها مركز السلطة الدينية للمؤسسة المسيحية. فجميع الشعوب في أوروبة أصبحت تحت رحمة البابا. وكانت مصالح المركز، مصالح رومة، هي التي تقرر مصير السياسة في جميع الأنحاء. وفي هذا الاتجاه كانت نزعتها.

وظلت هذه نزعة رومة إلى أن احتاجت الشعوب التي صارت تتململ من وطأة السلطة الروحية إلى الأخذ بنظرات جديدة من التي تساعدها على التحرر من رومة.

ولذلك نرى عاملاً سياسيًا هامًا في الدعوة البروتستانية في ألمانية، وهذا العامل السياسي الهامّ هو التخلص من السلطة الرومانية. ويوجد عبارة لا يزال الألمان يستعملونها إلى اليوم Los Von Rom تعني الانعتاق أو التحرر من رومة، وهي عبارة تعود إلى زمن الحركة التحريرية.

هذه هي الوجهة الدنيا من الدين. هي الوجهة التي كان الدين ولا يزال يصلح لها حين كان الإنسان لا يزال في طور بربريته أو قريباً منها. أما في عصرنا الثقافي فإنه لم يعد يصلح.

هذه هي الوجهة التي يحاربها الحزب السوري القومي الاجتماعي لا الأفكار الدينية الفلسفية أو اللاهوتية، المتعلقة بأسرار النفس والخلود والخالق وما وراء المادة.

إنّ فكرة الجامعة الدينية السياسية منافية للقومية عمومًا، وللقومية السورية خصوصًا، فتمسُّك السوريين مجاميع دينية أخرى ضمن الوطن، ويعرّض مصالحهم للذوبان في مصالح الأقوام التي تربطهم بها رابطة الدين (كالفرنسيين والطليان وغيرهم). وكذلك تشبّث السوريين المحمديين بالجامعة الدينية يعرّض مصالحهم للتضارب مع مصالح أبناء وطنهم الذين هم من غير دينهم، وللتلاشي في مصالح الجامعة الكبرى، المعرضة أساسًا، لتقلبات غلبة العصبيات، كما تلاشت في العهد العباسي والعهد التركي. ليس من نتيجة للقول بالجامعة الدينية سوى تفكك الوحدة القومية والانخذال في ميدان الحياة القومية.

إذا عمل المسيحيون في اتجاه ديني فقط وصاروا يبحثون عن الجماعات التي تربطهم بها رابطة الدين فقط أي المسيحية (أي فرنسيس وطليان وإنكليز إلى آخره). إذا فعلوا ذلك فلا يمكن أن يصلوا إلى وحدة حياة ووحدة اتجاه مع الفئات الدينية الأخرى التي يحيون معها في وطن واحد، والتي هي وهم وحدة حياة ووحدة إتنية واجتماعية في الأصل وفي الحياة.

إنّ اتجاههم في نظرة الرابطة الدينية وكونهم فئة قليلة يجعلهم تحت رحمة الإيعازات التي تأتي من المجامع الدينية الكبرى خارج بلادنا كفرنسة أو إنكلترة والطليان مثلاً.

وبهذا يفقدون كل اتجاه قومي وكل رابطة قومية في الحياة القومية، وتصبح مصالحهم متضامنة مع مصالح الجماعات الأخرى بصرف النظر عما إذا كانت تلك الجماعات مقاومة لمتحدهم وتقدمهم القومي أولاً.

هذه الحالة عينها تنطبق على أتباع المؤسسة المحمدية، الذين، إذا نظروا إلى الرابطة الدينية رابطة أساسية في الحياة بدلاً من الرابطة القومية، اضطروا أن يسيروا في اتجاه في تيارات وإرادات بعيدة عن الحياة القومية، مخضعة الحياة القومية لأغراضها التي تتمركز في مكان ما، ويُخضع التوجيه للتمركز وللمكان الذي تتمركز فيه السلطة الدينية.

مثلاً حين كانت الخلافة في تركية كانت سلطة أمير المؤمنين التركي وسيلة من وسائل المساومات السياسية لمصالح تركية. وكان الخليفة التركي يحتاج إلى إصدار المناشير مثلاً لمنع الثورات في الهند لقاء مصالح معيّنة أو مساعدة تقدمها بريطانية لتركية.

كان الخليفة يرسل مناشير إلى الهند تمنع الثورات التحريرية ضد الإنكليز، لأن مصالح تركية ومصالح الخلافة كانت النظرة الأساسية، لا مصالح الهند التي كانت تتقرر بموجب السياسة الدينية.

كذلك سورية كانت أيضًا وسيلة من وسائل المصالح للنفوذ التركي بواسطة السلطة الديني. ولذلك بقيت سورية مئات من السنين خاضعة للسلطان التركي الذي منع كل رقي وكل تقدم، من غير أن تنشب ثورة واحدة في سورية ضد الأتراك.

القومية لا تتأسس على الدين

لا يمكن أن تتأسس دولة قومية بالمعنى الصحيح على الدين “لذلك نرى أنّ أكبر جامعتين دينيتين في العالم، المسيحية والمحمدية، لم تنجحا بصفة كونهما جامعتين مدنيتين سياسيتين، كما نجحتا بصفة كونهما جامعتين روحيتين ثقافيتين. إنّ الجامعة الدينية الروحية لا خطر منها ولا خوف عليها. أما الجامعة الدينية، المدنية والسياسية، فتجلب خطرًا كبيرًا على الأمم والقوميات ومصالح الشعوب، ولنا في العهد التركي الأخير (العثماني) أكبر دليل على ذلك.

“إنّ الوحدة القومية لا يمكن أن تتمّ على اساس جعل الدولة القومية دولة دينية، لأن الحقوق والمصالح تظل حقوقًا ومصالح دينية، أي حقوق ومصالح الجماعة الدينية المسيرة، وحيث تكون المصالح والحقوق مصالح وحقوق الجماعة الدينية تنتفي الحقوق والمصالح القومية التي تعتبر أبناء الأمة الواحدة مشتركين في مصالح واحدة وحقوق واحدة. وبدون وحدة المصالح ووحدة الحقوق لا يمكن أن تتولد وحدة الواجبات ووحدة الإرادة القومية”.

وهنا ألفت النظر مرة ثانية إلى لفظة المصالح وما تعني. لا تعني هنا المنافع العملية أو المادية فقط، بل تعني كل المقاصد والأغراض النفسية أيضًا. مصالح النفس. مصالح الحياة النفسية كما هي مصالح المنافع المادية.

“بهذه الفلسفة القومية الحقوقية تمكن الحزب السوري القومي الاجتماعي من وضع أساس الوحدة القومية وإيجاد الوحدة القومية بالفعل”.

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
LinkedIn
Instagram0

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.