المستفيد من النموذج القائم.. والسّاعي لتغييره!
Share
مرت البشرية منذ ظهورها على هذا الكوكب بأطوار عدة، بدءًا من سعي الأفراد الى استقرار الجماعة.. مسيرة طويلة مازال العلماء يتتبعونها لتاريخه.
قد يرى البعض أن ما يفعله العلماء المتتبعون، ما هو إلا ترف فكري بعد أن وضعت الاديان ومن قبلها الأساطير التي اتكأت عليها الأديان، نقطة الانطلاق بتأكيدها للدور المبجل للمهندس الأكبر(الله). خشيت المؤسسات الدينية على خلافها من هذا التتبع، فأصدرت أوامرها لقمع المتتبعين حتى وصلت الى حد القتل وتلف النصوص وتدمير الأوابد.
الأفعال التي قامت بها المؤسسات الدينية، تذكرنا بما كان يقوم به البرابرة في غزواتهم، إذ كانوا يدمرون كل ما يقع تحت نظرهم من ثقافة أو حضارة غير معتادين عليها. لكن الفرق بين البرابرة والمؤسسات الدينية أن البرابرة كانوا يفعلونها عن حقد وغيلة، وعدم تدبّر، سرعان ما يعودوا الى تبنيها أو غض البصر عنها في الحالات الايمانية، أما المؤسسات الدينية فكانوا يقومون بما يقومون به عن خوف وهلع من خسارتهم للمواقع والنفوذ التي حصلوا عليها جراء وصايتهم على الدين.
ما اوردناه، هو لفهم العلاقة بين المستفيد من النموذج القائم، وبين من يسعى لتغييره أو تعديله لأسباب لها علاقة بمفاهيم قد تكون هي بذاتها مستمدة منه. الظلم، الحرية، الاستغلال.. الخ. لكن في معرض التطبيق، لا يتم تناسيه وحسب، بل يتم اللجوء إلى العنف لكمّ أفواه كل من يذكر أو يسعى لوضعه موضع التطبيق.
النموذج الأخير الذي استقرت عليه البشرية بعد الحروب الدينية والتنافسية بين الأباطرة والملوك، هو الدولة. كان يمكن للدولة الحديثة وضع حد للاستغلال والجوع والحروب عبر تعميم مبدأ الاخوة الانسانية والتضامن فيما بين الشعوب، خصوصاً بعد حربين عالميتين كادتا تقضيان على الوجود البشري على الكوكب. إن لجوء الدول المنتصرة بالحربين إلى التوليف بين النموذج البربري والديني في مسيرة ما بعد الحربين سمّم النموذج الدولتي باسم المصالح العليا لهذه الدولة أو تلك.
لو أخذنا الدولة التي توطّدت في العالم العربي، ودعاها أهل السلطة بالوطن، لوجدناها تشبه الجمعيات السرية، حيث إرادة الحاكم فوق الدساتير والقوانين والمواطن مغيب كلياً عن القرار، إلا فيما ندر، ناهيك عن انتفاء أبسط أنواع الحقوق. وما زاد الطين بلة الحروب مع العدو، الأمر الذي أدى الى قوانين طوارىء ووضع كل المقدرات للمنازلة الكبرى.
مع الهزائم المتكررة فقدت معظم الأنظمة شرعيتها، وبدل أن تعدل مسارها ومسيرتها، لجأت الى قمع الرأي، الأمر الذي جعلها خصماً بدل أن تكون دولة راعية.
المشهد الماثل أمامنا لمعظم أنظمة المنطقة، إنما نتيجة منطقية للتجربة التي قامت بعد أفول السلطنة، فلا دستور يحترم والقوانين تطبق طبقاً للمزاج والعدل والحرية والحقوق تكاد تكون عملة نادرة، وبرامج التربية والتعليم لم يطرأ عليها اي تعديل لمواكبة العصر.. كل ما ذكر بظل الاخفاقات والهزائم يجعل البحث عن نموذج جديد أمراً واجباً. نموذج لا يقطع مع التراث، لكن لا يدعه يعرقل مسيرة التنمية والتطوير والتحديث.
أخيراً، مع التبدل الحاصل في المشهد الدولي، وبداية الاستنهاض الذي تشهده المجتمعات الشرقية من موسكو لبكين مرواً بعواصم ومدن كانت للأمس القريب رازحة تحت حكم أتوقواطي أو إرداة سنية لحزب او لحاكم او لمؤسسة الجيش. استنباط نموذج حياة أصبح ضرورة قصوى وإلا سنخرج من الارهاب الاقتصادي الذي مارسه الغرب ومسعاه الدائم لجعلنا مستهلكين فقط، إلى نموذج شرقي يجعلنا نخدم أيديولوجيات كما فعل الدين وغايته لا تختلف كثيراً عن غايات النموذج الغربي.