المايسترو حسام الدين بريمو.. فسحة أمانٍ موسيقية في زمن الخوف!
Share
“لم يتخلَّ عن مبادئه الوطنية، ولم يسافر رغم كل الفرص المتاحة أمامه لتحسين ظروفه، بل استطاع أن يخلق فسحة حماية لنا في زمن الخوف”… هكذا تتحدث مغنية الكورال كنانة محاحي عن أستاذها المايسترو حسام بريمو الذي كان له تأثيرًا إيجابيًا عليها وعلى حياتها.
تقول لـ”مجلة الفينيق”: “بدأت معه عام 2008 ولم يكن عندي أي فكرة عن الكورال، فأنا خريجة كيمياء تطبيقية، وعندما تعرفت على الأستاذ حسام ومع تتابع الدروس رأيت أن جوهر الكورال مختلف عن فكرتي عن الغناء الإفرادي. دربني على الصولفيج والغناء “الفوكاليز” وأصبحت أحبّ الكورال وفكرته ومفهوم العمل الجماعي الذي لا نتقبله عادةً كفكرة ونجد صعوبة في تطبيقه مع الغيرة والتنافس.. لكن الأستاذ حسام كان يصرّ على المحبة المشتركة بين الفريق وأن أهم شيء هو أن تحب الجوّ والمجموعة التي تعمل معها لأننا روح واحدة على المسرح. كما عملت معه لاحقًا وصرت واثقة من نفسي بسبب إنسانيته وعطائه ونشر الطاقة الإيجابية التي لديه. ولأنه يخلصك من الشعور المخيف في فترة القذائف فهو لم يتوقف عن العطاء والعمل والتدريبات ولا لحظة”
فيما خصّنا المايسترو عدنان فتح الله “قائد الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية” برأيه فقال: “المايسترو بريمو صاحب مشروع تربوي وموسيقي في الوقت نفسه، لأنه عمل على “جوقة قوس قزح” المشروع الذي كبر ليصبح “مؤسسة لونا للغناء الجماعي” شملت عدة جوقات مثل: جوقة قوس قزح الأساسية، وألوان، وورد، وسنا، وآخرهم جوقة شام. الشيء الملفت هو ما عمله مع “جوقة سنا” بأعمارهم الصغيرة وهذا يتطلب من الشخص رؤية واضحة تربوية من جهة وتعليمية من جهة ثانية ليصنع منهم موسيقيين مميزين”
الأستاذ فتح الله يعرف المايسترو حسام جيدًا، فقد عمل معه وخَبِرَهُ عن قرب يقول: “إن المايسترو حسام يرى أن لكل حلفة هويتها وموضوعها ورسالتها، لذلك حين قدمت معه حفلة حملت عنوان “وجهات نظر” يطرح من خلالها تجارب موسيقيين سوريين موهوبين ومعاصرين.. اشتغلت معه على مقطوعة من تأليفي بعنوان “سماعي نهوند” (وهو قالب لموسيقا آليّة/ تعزفها الآلات فقط) لكنني ترجمته ليصبح ملائمًا للكورال/لأربع أصوات، وقدمته جوقة قوس قزح بقيادته. الأستاذ المايسترو حسام على الصعيد الشخصي هو صديقي وأستاذي، بيني وبينه أخوة كبيرة لأنه شخص دمث ولطيف يقدر قيمة الذين يعملون معه.”
عن علاقته بالمعهد والطلاب
ممن تخرجوا من جوقاته أو درّسهم في المعهد العالي للموسيقا، نذكر مثلاً: ميري بيطار مغنية أوبرالية، ميرنا قسيس، سوزانا الوز وكارمن توكمه جي، وبلال الجندي، ورشا أبو الشكر… وغيرهم الكثير ممن نشأوا عنده في الجوقات وأكملوا في المعهد العالي.. وكان جميع طلابه يحبونه دون مجاملات أو كرمى للعلامات، لأنه استطاع أن يجمع بين المربّي والمعلّم.
تكمل لنا المغنية محاحي حكايتها مع المايسترو بريمو بتأثر شديد: “فيما يخص تأثيره على الموسيقا السورية، كما تسألني، سأقول إنه كان يبذل جهدًا كبيرًا جدًا في موضوع التوثيق والتدقيق على التراث. شاركنا في مهرجانين للأغنية السورية بجوقة شام (وهي جوقة الصوت الواحد) ومنها في دار الأوبرا عام 2017 عملنا حفلة لملحّنين سوريين.. ولا تتخيل كمية الجهد الذي بذله ليبحث عن النوتات الأساسية والموثقة، كما اشتغل على الإرث الموسيقي الآرامي. لأن المايسترو بريمو كان مهتمًا بمرجعياتنا السورية وهويتنا وموسيقانا وبالتكريز على اللغة الآرامية (لغة السيد المسيح التي لا تزال قريتان فقط في سوريا تتحدثان بها: معلولا وجبعدين) وقد غنّينا في “مهرجان اللغة الآرامية” أكثر من عشرين أغنية، كتب بعضها الشاعر جورج رزق الله ولحنها المايسترو حسام، إذ درَّبنا عليها كبارًا وصغارًا في كل الجوقات. وهذا عملٌ شاق لأنه يحتاج النبش في التراث الآرامي وطريقة الغناء القديمة ثم إعادة كتابتها على شكل نوتات مع توزيع جديد مناسب. كان مهتمًا أيضًا بـ”طريق الحرير” وما تضمنه من إرث غني حضاري تأثرنا به وأثّرنا فيه ومن الضروري الحفاظ عليه.. وقدمنا خمس حفلات فيها لغات عربي-صيني-ياباني- إيطالي-أندونيسي.”
بذورٌ خيّرة مثمرة!
كما التقينا المايسترو نزيه أسعد فحدثنا عن أن الأستاذ حسام الدين بريمو تاريخ طويل منذ وجوده في المعهد العالي للموسيقا. لقد كان بيننا حياة مشتركة وصداقة إنسانية عميقة. وأسسنا معاً “جوقة قوس قزح”. عنده ثقافة عالية وروح مرحة هي عنوانه حتى في البروفات. متعاون إلى أبعد حد. ويقدم الدعم بكل إخلاص وحكمة. يفكر بمصلحة الطلاب ويدرس كل مشكلة وكل مشروع بما يناسبه. ولديه طريقته الطريفة مع الأطلاب رغم صرامته أيضًا. وفي كل مرة نلتقي فيها يبدي المودة والوفاء لمن يعمل معه، ولا يتحدث بما لا يليق عن غيره. متوازن ويعرف ما يقول، لذلك اكتسب محبة الجميع في المعهد وخارجه، أطفالاً وشبابًا. إنه شخص يستحق الحياة بكل جدارة والموسيقا السورية بحاجته، لأنه زرع بذوراً خيّرةً في أرواح طلابه ولا بد أن تثمر مسقبلاً بما يليق به.
ننتظرك يا مايسترو حسام!
” زرته مؤخرًا لأطمئن على وضعه الصحي. ننتظرك بشوق يا مايسترو حسام بريمو.. أيها الإنسان الصادق”… هكذا تُنهي مُغنية “جوقة قوس قزح” كنانة محاحي كلامَها بدعاء من القلب.