LOADING

Type to search

السوريون يشهدون ولادة علم اقتصادي جديد بنكهة سورية..!

اقتصاد الوطن السوري موضوع العدد

السوريون يشهدون ولادة علم اقتصادي جديد بنكهة سورية..!

خالد معماري
Share

أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، قبل أيام، قراراً قضى برفع سعر المازوت والبنزين غير المدعومين، بنسبة بلغت 47%، الأمر الذي فاقم أسعار جميع السلع في الأسواق، الاستهلاكية منها وغير الاستهلاكية، وصباح اليوم أصدرت الهيئة الناظمة للاتصالات، قراراً يقضي بزيادة أسعار خدمات شركتي الخلوي والشركة السورية للاتصالات بنسبة 50٪، وهي نسبة تجاوزت بارتفاعها، ارتفاع أسعار المحروقات، والأمر لم يتوقف عند أسعار خدمات الاتصال وحسب، فأسعار جميع الخدمات ارتفعت.

ارتفاع الأسعار الجنوني أصاب كل شيء في البلد، عدا الأجور والرواتب، فعلى الرغم من الزيادات التي طالت رواتب الموظفين، إلا أن لا أحد يعلم كيف يستطيع موظف، يتقاضى 100 ألف ليرة شهرياً، من متابعة حياته، فذلك المبلغ لا يكفي ثمن غذاء لأكثر من أربع أيام في الشهر، فماذا يأكل الموظف وعائلته طوال 26 يوماً المتبقية؟.. كيف يدفع ثمن المواصلات التي تقله إلى عمله يومياً؟.. وفواتير الكهرباء التي تضاعفت أسعارها قبل أقل من شهر؟.. وفواتير الماء والاتصالات؟.. مع استثناء النفقات الصحية طبعاً، كونه وأفراد أسرته يتمتعون بصحة جيدة، بسبب الحمية الغذائية الصارمة، المفروضة عليهم قسراً، بالإضافة إلى أنهم نباتيون بالضرورة..

والمعادلة السابقة تخص الموظفين فقط، لأن من يتقاعد منهم، سيفقد 20% من راتبه، بالتزامن مع اكتسابه بعض أمراض الشيخوخة، التي لن تستجيب للحميات الغذائية، وستُجبر مالكها على دفع نفقات أدوية قد تودي بحياته. أما موظفو القطاع الخاص، فحالهم ليس بأفضل، لأسباب كثيرة، بدءاً من اهتداء القطاع الخاص برواتب القطاع العام، واعتباره أي زيادة عليها هي كرم أخلاق، مروراً بتدني قيمة الحد الأدنى للأجور، وصولاً إلى انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، المسببة لحالة الركود، والمنعكسة على أرباح القطاع الخاص، وبالتالي على أجور موظفيه، وهي المسبب الرئيس للبطالة، التي وصلت في سورية إلى نسب قياسية، تجاوزت 75% (حسب بيانات منظمة العمل الدولية لعام 2020).

بلدان كثيرة وقعت في تلك المعادلة الدائرية السيئة: ضعف رواتب – انخفاض قدر شرائية – ركود – تضخم، إلا أن معادلتنا السورية لم تعد كباقي المعادلات الناتجة طبيعياً عن التضخم، لأنها بلغت من التوحش درجة التهام أبنائها، ولم تعد مقبولة بشرياً، لا على القياس، ولا وفق الموازين الدولية، فالفقر تجاوز مرحلة حرمان المواطنين من أساسياتهم المتعارف عليها عالمياً، أو حقوقهم إنسانياً، وبتنا على أعتاب مرحلة عنوانها الموت جوعاً..

دعونا نعتبر ما سبق وصفاً لواقع المعاناة.. نداء استغاثة، أو صرخة ألم.. ومنه ننتقل للتفاصيل والبحث، فعندما تقع الدول بين أنياب التضخم، وترتفع لديها مؤشرات الفقر والبطالة، تبدأ بالبحث عن حلول: استدانة.. زيادة انتاج.. رفع فائدة.. حذف أصفار.. ضبط احتكار.. خفض إنفاق حكومي..

مئات الدراسات الاقتصادية التي تركز على علاج تلك المشكلة بعشرات الطرق المختلفة، والتي تشترك فيما بينها بقواسم واضحة المعالم، أياً كان انتماؤها الأيديولوجي، فالحلول غالباً ما تأتي على حساب الشرائح الأعلى دخلاً، في محاولة لإنقاذ الشرائح الأدنى، أو تكون عبارة عن مجموعة قرارات تصيب الجميع، وتتوقف عند لقمة الفقراء وأمنهم الصحي والتعليمي، فالهدف النهائي هو الارتقاء بالمنظومة الاقتصادية خدمةً للجميع.. والجميع هنا لا تعني الجميع بعد موت الفقراء.

أما السوريون، فيشهدون ولادة علم اقتصاد جديد كلياً، يُشرّح المجتمع إلى طبقات غريبة: (مواطنون – خزينة دولة).. ويرى أن هنالك مشكلة اقتصادية تكمن في التفاوت الطبقي، وتسبب عجزاً في الميزانية العامة، فيصب جام غضبه على طبقة المواطنين، والتي يقسّمها داخلياً إلى (أثرياء – أغنياء – ميسورين)، حيث أن لا أحد من تلك الأقسام يحتاج العون، فيبدأ برفع الدعم تدريجياً عنهم، كونه المتسبب الأساسي بفقر طبقة (خزينة الدولة) الأضعف.. وبما أن المواطنون يكتنزون الأموال، على حساب طبقة (الخزينة) الفقيرة، يقوم بفرض ضرائب على كل حركة يستشعر بها، ويزيد نسبة الضرائب القديمة، كونها باتت قديمة.. ثم تأتي مرحلة التقييم، فيقف بعد كل قرار ليتأكد من تحقق العدالة بين الطبقتين الرئيسيتين (مواطنون – خزينة دولة).

وحين تتحقق تلك العدالة، سيُفاجِئ السوريون العالم، فهم لن يكسبوا اقتصاداً معافاً وحسب، بل سيغيرون اتجاه بوصلة علم الاقتصاد، بإعادة شرح العلاقة بين الدول وشعوبها، وينيرون الدرب أمام كل باحثٍ أو عالم اقتصاد، وقف عاجزاً عن الحل..

وإلى حينها، ليس بإمكاننا إلا أن نستذكر قول الشاعر محمد الماغوط: “إنني في مثل هذه السن أتساءل:

إذا مات أحدنا نحن الفقراء أو مات أحد أقربائه أو أولاده فماذا نقرأ على روحه؟.. فواتير الماء والكهرباء؟”

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
LinkedIn
Instagram0

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.