الخوف من الفضيحة!
Share
في الحرب كل ما هو خاطئ ينتشر بسرعة، وما كان يحصل في الخفاء أصبح يُنشرعلناً نتيجة غياب الضوابط الاجتماعيّة والأمنيّة والأخلاقيّة، (التحرّش) أصبح ظاهرة في المجتمع السوري خلال الحرب، البيئة الأكثر ملائمة لممارسته هي الأماكن المزدحمة كوسائط النقل العامّة، الأفران، وأيضاً في الشّارع وربمّا في أماكن العمل.
لم يقتصر التحرّش على النساء فقط، وإنمّا على الأطفال أيضاً من الجنسين، وما زاد الطين بلة وساهم بتزايد التحرّش هو عدم ابلاغ المتعرّضين للتحرش عن ذلك ربّما خوفاً من الوصمة الاجتماعيّ والمشاكل التي قد تتبع ذلك حسب ما قاله الاخصائيون بعلم الاجتماع.
قد لا نبالغ إذا قلنا أنّ التحرّش تحوّل إلى موضة أو سلوك يلاقي استحسان الشبان، وهذا يدّل على تراجع المنظومة الأخلاقيّة والثقافيّة في المجتمع السوري، وبالرغم من كل ذلك لا يوجد حتّى الآن قانون واضح وصريح يجرّم “التحرّش”
تحرش شبه يومي
/غادة/ تقول أنّها تتعرّض بشكل مستمر للتحرّش بسبب استخدامها وسائل النقل العامّة لاسيما باص النقل الداخلي الذي يكتظ بالركاب، الواقفون أكثر من الجالسين، تزاحم وتدافع داخل الباص في سبيل الحصول على موضع قدم في أرضيته، وعند أي تذمّر لمشهد الأعداد الكبيرة مباشرة يأتي صوت السائق (اللي مو عاجبو لا يطلع) هذا ما يعرّضها بشكل دائما للتحرش كونها مضطرة يوميّاً لاستخدام وسائل النّقل العامّة بحكم عملها في إحدى الشركات الخاصة، مشيرةً إلى أنّ أكثر ما يحصل معها هي ملامسة أماكن حسّاسّة من جسدها، وأحيناً الهمس بإذنها بكلمات خادشة للحياء دون أن تستطيع فعل شيء، منوهة أنّها تفّضل الصمت في مثل تلك الحالات خجلاً أو ربّما خوفاً من الفضيحة.
تلطيش
رند / طالبة جامعيّة/ أشارت إلى أنّها تتعرض للتحرش الخفيف أو ما يسمىّ (التلطيش) من خلال سماع كلمات الإطراء من الشباب ولكن بأسلوب محبّب ولطيف، ولم يكن ذلك يزعجها على الإطلاق، مضيفة أنّ الشي الذي لم تكن تتوقعه أن يأتي شاب على دراجته النارية، يتمهّل بهدوء إلى أن يصل محاذاتها، كانت تظّن أنّه أخطأ المكان وقد يستدل على عنوان ما، لكن المفاجئة أنه مدّ يده على جسدها مع تلفظه بعبارات مخلّة بالآداب، وعندما بدأت تصرخ هرب مسرعاً.
بينما تروي السيدة /علا/ وبخجل شديد، عن تعرّض ابنّها الصغير في الصف الثاني الابتدائي للتحرّش من قبل أحد أقربائه، والحالة النفسيّة السيّئة التي أصابت الطفل من خوف وقلق وعدم قدرته على النوم، تتابع أنّها وزوجها لم يملكا الشجاعة للبوح بما حصل حتّى مع أقربائهم خوفاً على العائلة من الفضيحة، وكذلك التنمّر الذي قد يتعرّض له طفلها مستقبلاً، مكتفية بالقول أنّها تتابع حالته مع أخصائي نفسي لمعالجة وضعه.
مدلول جنسي
الباحثة والدكتورة في علم الاجتماع هناء برقاوي بيّنت أنّ التحرّش هو كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي، تصدر من شخص تجاه أي شخص آخر، تمس جسده أو عرضه، أو تخدش حياءه بأي وسيلة كانت، بما في ذلك وسائل التواصل الحديثة، والذي كان يسمّى بالمفهوم القديم (تلطيش)، وحسب التعريف فهو منتشر بشكل كبير ولكن سكوت المتعرّض للتحرّش خوفاً من المشاكل اللاحقة عليه خاصة أنّ الثقافة المجتمعية تُدين المتعرّض للتحرّش وتوسمه بأنّه في شكله أو لباسه أو طريقة مشيته وضحكته تسبب في حدوث ذلك وخاصة للفتيات المتعرّضات للتحرّش فيلجأ للسكوت خوفا من الوصمة الاجتماعيّة.
اضطرابات نفسيّة
وترى برقاوي من أنّ الآثار النفسية التي تؤذي المتعرّض للتحرّش يمكن أن تدّمره نفسيّاً وتوصله لمرحلة طلب العلاج الطبي النفسي في حال كان التحرش جنسيّاً ولفظيّاً، وفيه إساءة جنسيّة واضحة مما يحدث اضطرابات نفسيّة لديه ويعرّضه للكوابيس والصراخ والامتناع عن الاختلاط بالآخرين، وربّما رفض الجنس الآخر وعدم تقبله، إضافة إلى فقدان الثقة بالآخرين وزعزعة طمأنينة الفرد، وفي حالات نادرة اللجوء للمسكّرات أو المخدّرات بهدف الهروب من الواقع.
انتشار الرزيلة
وذكرت برقاوي أنّ آثار التحرّش على المجتمع من الناحية الأخلاقيّة يؤدي إلى انتشار الرذيلة فيه وفقدان الثقة بحماية المجتمع لأبنائه، بينما من الجانب الاجتماعي قد يؤثر على أهالي المتعرّضين للتحرّش حيث يمنعون بناتهم إلى الخروج من المنزل، أو يزوجونهن في سن صغيرة للهرب من الوصم الاجتماعي حتى لو كان المتقدّم غير مناسب، حيث يلجؤون للمقارنة بين المتعرّض للتحرّش وغيره، وتالياً يؤثرون على نفسيّتهن وقد يفقدنهن الثقة بالنفس، أمّا من الجانب الثقافي تقول برقاوي: عندما لا يحاسب المتحرّش تنتشر ثقافة التحرّش أكثر وخاصة اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي عبر إرسال صور أو رسائل نصيّة بألفاظ غير أخلاقية.
ازدادت في الحرب
وكشفت برقاوي أنّ ظاهرة التحرّش ازدادت خلال الحرب سيّما في أماكن العمل والشارع، وفي المنزل، وأنّ الخوف من نظرة المجتمع التي تدين من يتعرّض للتحرّش يتم الصمت والسكوت عن المتحرّش وهذا ما يبرر له المضي قُدماً في لا أخلاقياته التي يقوم به، ويستغل الكثيرون عدم الجرأة في البوح إمّا لأن المتحرش ربّ عمل، أو لأنه من الأقارب أو أو… إلخ
ولا يقتصر التحرّش حسب الدكتورة برقاوي على النساء فقط بل الأولاد، ولذلك يجب على الأسرة توعيّة أبنائهم عدم من الجنسين على التكلم عمّا يحدث لهم سواء باللفظ أو الملامسة أو الابتزاز ليتم اتخاذ الإجراءات المناسبة، وبالنسبة للمرأة سكوتها يعني فتح الباب أمام المتحرش لممارسة رذيلته على أُخريات لذلك عليها التكلّم من أجل أن تشكّل رادعاً يحميها ويحمي غيرها.
حماية المُتحَرّش بهم
وشددت برقاوي بضرورة العمل على إضافة مواد قانونية تحمي المتعرضين للتحرّش، وتدين المتحرشين بعقوبات قاسية لتردع غيرهم على اتيان نفس الفعل وخاصة عندما يكون التحرّش بوسائل النقل حيث تخجل المرأة على مجابهة المتحِرّش لأنه قد يكون لا أخلاقيا فيمعن في تكذيبها ونعتها بعبارات تُسيء لها أكثر، لذلك من الضروري عدم السماح بأعداد من الركاب في الحافلات تفوق عدد المقاعد المخصصة للجلوس عن طريق تأمين المزيد من حافلات النقل الكبيرة.
. وختمت برقاوي بالقول: بعد كل ما ذكر يشكّل التحرّش عبئاً كبيراً وخاصة للفئات الضعيفة (النساء والأطفال) ويصبح على المدى البعيد أمراً مقلقاً، لذلك من واجب الجميع تشجيعهم على الشكوى لا منعهم وإسكاتهم خوفا من ثقافة المجتمع الخاطئة حول هذا الموضوع.
المنطق يقول إنّ القانون هو الحامي الأهم للأشخاص الذين يتعرّضون للتحرّش من مختلف الفئات العمريّة، لكن حتى اليوم لا يوجد قانون واضح وصريح يجرّم التحرّش ربمّا الأمر الذي ساهم بانتشاره بشكل ملحوظ.
التحرّش حسب القانون
المحامي عارف الشعال يقول: يعتبر قانون العقوبات السوري فعل التحرّش المادي مندرجاً تحت المادة /505/ التي تعاقب فعل اللمس أو المداعبة بصورة منافية للحياء ويعاقب هذا الفعل بالحبس مدّة لا تتجاوز السنة ونصف، أو التحرّش اللفظي المنُدرج تحت المادة 506 التي تعاقب على عرض عمل منافي للحياء، أو توجيه الكلام المخلّ بالحشمة، ويعاقب هذا الفعل بالحبس التكديري ثلاثة أيام بغرامة مالية لا تزيد على خمس وعشرين ألف ليرة أو بالعقوبتين معاً.
ويشترط أن يقع هذا الفعل بكلا الحالتين على قاصر لم يتم الخامسة عشرة من عمره ذكراً كان أو أنثى، أو فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من خمس عشرة سنة دون رضاهما، وتالياً لا يعاقب القانون على فعل التحرّش المادي أو اللفظي على رجل يزيد عمره على خمسة عشرة عامًا، مشيراً إلى أنّ اثبات أي جريمة بما فيها التحرّش يتم بكافة الوسائل سواء بالشهود أو الاعتراف أو القرائن التي تدّل على الفعل.
اسقاط الحق الشخصي
ولدى السؤال هل يجوز الصلح في مثل تلك القضايا؟ أجاب الشعال إنه يوجد في القضايا الجزائية ما يسمّى بصفح الفريق المتضرر، أو اسقاط الحق الشخصي من قبل المجني عليه تجاه الفاعل وهذا يسبب بتخفيف العقوبة كثيراً وإخلاء سبيله إن كان موقوفاً.
أمّا فيما يتعلق بعدم وجود قانون واضح وصريح يجرّم التحرش كبقية القضايا الأخرى، كشف الشعال أنّ الأمر مرتبط بالسياسة التشريعية للدولة والإرادة السياسية التي تحدّد متى يحين الوقت لإصدار تشريع شامل لحماية النساء من العنف، لافتاً أنّه لتخفيف حالات التحرّش يجب التشدّد بالعقوبة التي تساعد على كبح الجريمة، إضافة إلى تدريب وتأهيل أجهزة الأمن الجنائي والشرطة المكلّفة بمكافحة هذه الجريمة.