LOADING

Type to search

الحرب الأهلية… حلاً وحيداً

موضوع العدد

الحرب الأهلية… حلاً وحيداً

أحمد أصفهاني
Share

حادثة الكحالة ليست هامة بحد ذاتها، وقد تنتهي بأي شكل من الأشكال حسب التدخلات السياسية والأمنية. فالوضع في الداخل اللبناني بات ينتظر في كل لحظة قراراً وشرارة سواء في الكحالة أوعين إبل أو صيدا أو زحلة أو بكفيا أو أميون أو إهدن أو بيروت… وغيرها! ونحن نعتقد أن القرار اتخذ في كواليس السفارات ومكاتب بعض المنظمات غير الحكومية. كما وإن الأيدي القادرة على تأجيج الشرارة وإشعال الحرائق صارت جاهزة. ولم يبقَ سوى إفلات الغرائز المحتقنة في جماعات تتناهشها الأحقاد على كل المستويات الاجتماعية. وعند هذا المنعطف يبرز دور القوى الإقليمية والدولية.

نشعر بالخجل، أو الأصح يجبروننا على الشعور بالخجل، عندما ترد في كتاباتنا وأحاديثنا كلمة “المؤامرة”. ونحاول إرضاء المشككين حتى لا يُقال إننا نعلّق مشاكلنا وخلافاتنا وأمراضنا ونقائصنا على مشجب الآخرين. لكن نظرة “بريئة” إلى سلسلة الأحداث التي تتالت تباعاً خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية تعيد إلى أذهاننا – وبقوة – نظرية المؤامرة الخارجية وأدواتها الداخلية: إشتباكات الفصائل الفلسطينية في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان. رفع وتيرة العمليات الإرهابية في مناطق دمشقية ذات حساسية مذهبية. تحركات واسعة وحشود للجماعات الإرهابية المتواجدة تحت الحماية التركية في الشمال السوري. تعزيزات عسكرية أميركية إلى المناطق التي تحتلها القوات الأميركية في الشمال والشمال الشرقي من سورية. تواصل الاعتداءات الجوية والصاروخية الصهيونية على أهداف داخل سورية. إطلاق بعض السفارات العربية والأجنبية تحذيرات إلى رعاياها بمغادرة لبنان بأسرع وقت ممكن… ثم جاءت حادثة الكحالة!

أعود وأكرر أن حادثة الكحالة يوم الأربعاء الواقع فيه 9 آب سنة 2023 ليست استثنائية بتفاصيلها وتداعياتها، حتى لو أدت إلى إنفجار الأوضاع الأمنية على نطاق واسع. فإذا لم تشتعل الجبهات بعد هذه “الكحالة” فإنها ستجد “كحالة” أخرى في مكان آخر وتوقيت آخر. المسألة الحقيقية أن متحداتنا – للأسف الشديد – تعيش حرباً أهلية مستمرة: كامنة أحياناً وبارزة أحياناً أخرى، هادئة أحياناً ومتوترة أحياناً أخرى… لكنها مُستنفرة على طول الخط، وتنتهي دائماً بحروب داخلية قاتلة.

على مدى عقود، وربما قرون، كان اللبنانيون (والسوريون بصورة عامة) يتعاطون مع الحروب الأهلية الداخلية وكأنها صفة ملازمة للشخصية اللبنانية. ينظرون إليها باعتبارها جزءاً من الفولكلور، معروفة بدايته ومعروفة نهايته. ومهما حدث بين تلك البداية وهاتيك النهاية فإن الحل السحري تعبّر عنه صيغة “لا غالب ولا مغلوب”. وهم يلجأون إلى خلق عالم من الأوهام بأنهم لم “يخسروا” طالما أن الطرف الآخر لم “يربح”! ولا فائدة تُرجى من تذكيرهم بأن الوطن بأجياله المتعاقبة هو الخاسر الأكبر، وأن الهدوء المؤقت غالباً ما يكون فترة استعداد لجولات جديدة في حروب أهلية أكثر إيلاماً.

لنترك الكحالة تلملم جراحها، فغداً ستكون هناك جراح أخرى في مناطق مختلفة. إن طوائفنا تختزن إستعداداً فطرياً غريزياً للإقتتال العبثي. وفي كل جولة تختفي “قيادات” لتحل مكانها “قيادات” تعيد انتاج مسببات الصراعات الأهلية، وتزج جماعاتها في مواجهات غير محسوبة العواقب، وهي “مطمئنة” إلى أنه متى وصلت الأمور إلى مرحلة المساس بالخطوط الحمر، سيكون هناك تدخل خارجي على أساس الصيغة الذهبية “لا غالب ولا مغلوب”.

يبدو لي أن اللبنانيين محكومون بدائرة عنف لامتناهية طالما أن الحسم السياسي أو الأمني غير متوافر. وقد وصلوا إلى وضعية كارثية ما عادت المسكنات لتؤثر في تهدئتها ولو إلى حين. لعلنا وصلنا إلى حالة أصبحت تحتم علينا خوض حرب أهلية حاسمة هذه المرة!

دعكم من كلمة “لعل”، وقولوا بدلاً من ذلك أنه صار ضرورياً حصول انتصار ناجز في الحرب الأهلية التي تلوح تباشيرها في كل الاتجاهات. قد تتدخل قوى خارجية إقليمية ودولية بهدف إعادة تركيب البيت اللبناني وفق توازنات محلية مصطنعة، كما في كل الجولات الأهلية السابقة. غير أن “مستقبل” اللبنانيين يعتمد، هذه المرّة، على الخروج من الحرب التي لا مهرب منها إلا بمعادلة وجود غالب ووجود مغلوب… والباقي تفاصيل!

حدث في بعض المرّات أن صراعات الحرب الأهلية قرعت طبول النصر لهذا الطرف أو ذاك: في سنة 1976 كادت الحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية أن تحسم المواجهة، فتدخلت دمشق. أما في سنة 1982 فقد حقق التحالف الكتائبي – الصهيوني حلم السيطرة الكاملة لولا قنبلة حبيب الشرتوني التي أيقظت الجميع من أحلامهم الوردية. وحانت فرصة أخرى سنة 1990 مدعومة دولياً وإقليمياً لتحقيق صيغة غالب ومغلوب! ومع ذلك لم نتمكن من قطع دابر الفتنة المتنقلة. لماذا؟

السبب، من منظورنا القومي الاجتماعي، أن انتصار طائفة على أخرى لا يعني نهاية حتمية لجذور المعضلة الوطنية. وحده الوعي القومي، وبالتالي نشوء الوجدان القومي، يمكن أن يلغي منطق الغلبة بحد ذاته. فالمغلوب سيكون الخارج عن إرادة الجماعة والمرتبط بالمصالح الخارجية. أما الغالب فهو الانتماء القومي العابر لكل الولاءات الفسيفسائية. وبغض النظر عن واقعنا الراهن المرير، فإن الحركة القومية الاجتماعية (وحدها) تقدم الإطار النظري والعملي لأن ينتصر المتحد الاجتماعي بكامل تركيبته البشرية.  

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
LinkedIn
Instagram0

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.