لو ظهر أنطون سعاده في الزمن الغابر من هذه البقعة التي استمطرت الآلهة، كما لو أنها تمارس صلاة استسقاء يومي لحفظها وتأمين حياة بنيها في عالم أجود وحياة أفضل، لدخل هذا الرجل في سلسلة الشخصيات التي أقيمت لها المزارات. ولكانت الزيارة واجبة للصراع الذي قاده في وجه كل من يتربص بها وبأهلها.

إن مسيرته منذ طفولته ورفضه رفع العلم التركي، إلى تاريخ إعدامه، تشبه لحد ما مسارات العديد من شخصيات الاسطورة التي تناقلتها الالسن منذ التاريخ الجلي.

طفل، عندما رأى أهله يموتون (جبران)، لم يهلع ولم يبك على الأطلال، ولم يكتب الشعر ويمارس التأريخ، بل مارس وقفة العز الأولى لتتبعها وقفات في سجون الانتداب ومحاكمه، وفي ساحات الصراع المختلفة وصولاً للمحكمة المخزية التي أقامها طواغيت بلاد الأرز. سلسة معارك خاضها نيابة عن الأمة مجتمعة. كائن فرد، امتشق ريشته لرسم معالم الطريق لأمة ظن أعداؤها أنها مندثرة. ولم يتورع عن امتشاق بندقيته حين وجب ذلك.

من ينظر اليوم لحال الأمة التي نذر نفسه لأجلها واعتبر مصلحتها أمر مقدس، من المحتمل أن يذرف الدموع لأجل ما أصابها وأصابه. وكأني بذلك الزعيم الشويري قد قرأ طالع الأمة لمئة سنة مقبلة بل وأكثر. والأنين الذي يسمع اليوم على كامل ترابها من قوس الصحراء لزغروس، ومن جبال البختياري لفقش الموج السوري، يشبه أنين الهة زمن مضى وقد فصل ذلك حين ذكر فعل الشعوب بأبطالها وشبهه بعبث الأطفال بألعابها.

في الثامن من تموز كما كل عام، لا بد لنا من استذكار الفعل الأدوني لسعاده، ومحاولته المستميتة لدرء المخاطر عن أمته وشعبه ومواجهته للتنين المتعدد الرؤوس. كما لنؤكد لذلك الكبير الكبير، أن الأجيال التي ناداها لبت النداء ووقفت وقفات عز كما أرادها بالتفصيل الممل. وأن القلة القليلة، التي هو بنفسه واجهها حين عاد من مغتربه القسري، قد تشرّشت داخل حركته. لكن تلاميذه التموزيين هم على حالهم في ساح الصراع، لن يكنوا ولن يستريحوا ليكونوا ما أرادهم أن يكونوا وتلك القلة النفعية الفردانية الباحثة عن مصالحها الخاصة سوف تلحقها لعنة التاريخ.

لسوريا السلام، ولكم منا العهد أن نقيمه من خلال بعث النهضة على كامل التراب الذي عينته.

0

0