LOADING

Type to search

الاحتلال بالعسل!

موضوع العدد

الاحتلال بالعسل!

أسامة المهتار
Share

“اصطياد الذباب بالعسل أسهل بكثير من اصطياده بالخل.” مثل إنجليزي.

لا شك أن الأسئلة أكثر بكثير من الأجوبة بعد الانهيار السريع للنظام في الشام. فيما يلي جولة أفق لا بد منها آخذين بنظر الاعتبار منطق الثورات الائتلافية التي تنجح في الوصول إلى هزم نظام هرم ومتآكل. في مثل هذه الحالات، تكون القوى المؤتلفة صاحبة مشروع عام هو إسقاط النظام، ولكن تحت هذه السقف توجد برامج متنافسة ومرتبطة كل منها بقوى خارجية داعمة لها. وفي معظم الأحيان، تقوم القوى الأكثر راديكالية بتصفية سريعة لمن هم أقل راديكالية فيثبتون أقدامهم ويحكمون بيد من حديد.

 المثل الأكثر قرباً في التاريخ المعاصر، هو الثورة الإيرانية التي نجحت في قلب حكم الشاه عبر تحالف بين قوى إسلامية وأخرى يسارية، فما إن أخرج الشاه من إيران حتى أجهز الإسلاميون على اليساريين وأنهوهم.

في الشام اليوم، لاعبان أساسيان، هما الأمريكي والتركي، ولاعبون فرعيون مثل إسرائيل والاتحاد الأوروبي وروسيا وإيران. الروسي والإيراني ينكفئان لصالح التركي والأمريكي. الاتحاد الأوروبي ينتظر أوامر الأمريكي. التركي يريد إعادة مجد الخلافة العثمانية والأمريكي يريد هيمنة مطلقة على الشرق الأوسط بنفطه وعُقِدِ مواصلاته. إسرائيل تريد إقامة دولتها الكبرى من الفرات إلى النيل.

درة التاج وعقدة الصراع هو حقل الغاز الهائل الممتد على طول شاطئ المتوسط من الإسكندرون إلى غزّة. لكل هؤلاء اللاعبين أدواته على الأرض وصراع المصالح بين اللاعبين سينعكس صراعاً بين الأدوات إلى أن يتم الوصول إلى صيغة يهيمن فيها الأقوى ويعطى أدواراً للاعبين الفرعيين كل حسب قوته.

نعتقد أن اللاعب التركي هو الأقوى في هذه الصورة، بالرغم من كون الولايات المتحدة هي قوة عظمى. السبب في ذلك هو الجغرافيا. ونعتقد أن التركي سوف يطبق مبدأ “الاحتلال بالعسل”. أي تأمين مصالح الناس من كهرباء وطرق ونقد وهاتف ومدارس ومستشفيات من الحدود التركية إلى حيت يصل مدى حيويته في الجنوب والشرق. هذا سيكون احتلالاً شبه مباشر سواء رفرف العلم التركي فوق هذه المناطق أم لم يرفرف.

لا شك أن الأوربيين ينظرون بعين القلق إلى التمدد التركي في الشام، والذي من الأرجح ان يصل إلى شمال العراق إذا سمحت بذلك الظروف الدولية. فالأوروبيون لا ينسون أن العثمانيين اجتاحوا أوروبا وطرقوا أسوار فيينا بعد أن استتب لهم الأمر في المشرق.

في الجنوب، ربما نرى شيئاً مشابهاً. فصحيفة “جيروسالم بوست” دعت حكومة العدو إلى “حماية الدروز” في الجنوب و”دعم الأكراد” في الشمال. ولكنها في الوقت نفسه، هي وصحف إسرائيلية أخرى، تحذّر من الخطر التركي التاريخي وتذكّر بالخلافة العثمانية وأطماعها. من هنا نفهم حشد العدو لقواته في الجولان، واحتلاله لمرتفعات حرمون، وضربه لمقار حكومية ليس فقط في الجنوب السوري، بل وصولاً إلى مطار المزّة. ولن نستغرب أن نسمع عن أعمال خطف لعلماء واختصاصيين سوريين أسوة بما قام به الموساد في بغداد بعد سقوطها.

الأمريكي سوف يحاول أن يحتوي كل هذا تحت مظلته، فيعطي للتركي دوراً وللإسرائيلي دوراً آخر طالما أنهما “ممسوكان” منه. وتحت هذه المظلة سوف يحاول كل من التركي والإسرائيلي التمدد والتوسع بقدر ما تسمح به حيوية كل منهما.

والعرب؟ السعودية ومصر ودول الخليج؟ عدا عن تحسس الرأس، نتوقع تسريعاً لما تبقى من اتفاقيات إبراهيم.

المرحلة القادمة تبدو مُحبِطة وتذكّرنا بما رأيناه في نهاية شهر آب من سنة 1982. ولكن لا يجب الوقوع في الإحباط. ففي غضون ثلاثة أسابيع تغيّر مجرى التاريخ.

ماذا عن القضية السورية والحزب الذي قام لتأمين مصالحها؟ هذا الحزب اليوم مشتت تحت أربعة رؤوس انتهى دورها. العمل الأخلاقي الوحيد المتاح لها هو أن تعلن استقالتها وتجعل من نفسها معبراً إلى عصر جديد عنوانه: “حزب واحد، قيادة واحدة” تكون على مستوى التحديات. ولكن هذا بحث آخر لساعة أخرى.

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID
LinkedIn
Instagram0

1 Comment

  1. Avatar
    Hussein Bazzi 8 ديسمبر، 2024

    حين سئل هنري كيسنجر عن وضع الشرق الاوسط ونهاية ازمته ..ٱجاب .حين تنتهي ازمة الله تنتهي ازمة الشرق الاوسط .فعلا حتى يومنا لم تنهي ازمة الله الوجودية وباسمه ايضا تشن حروب وحروب مضاعفة ..لم نقرٱ حقيقة ما تفوه به نتنياعو عن شرق اوسط جديد فلهذه النغمة تقع على مسامعنا كل عشر سنوات تقريبا ..وكلما اصبح الشرق جديدا بالمفهوم الحالي كلما كان الدمار اشمل واوسع حتى مرادف الشرق انتهت ولا وجود حتى للاوسط ..بعد انتهاء مراسم الدفن والتعازي سنرى الاقبح ..الخيانة والتخلي والاصطفاف الجديد بكل معانيه مع انهيار تام لكل اشكال المنطق والحق والحياة ..والتحارب لم تكن بعيدة سوى عدة اشهر ..اما للخزب الذي اراد توحيد امة منذ اكثر من 75 عاما وبعد صراع مرير مع السرطان استسلم للموت السريري من تصفيات واغتيالات وانشقاقات والتفرد بالسلطة والاستقواء .فكيف لمريض لا شفاء منه وله وقد انقطع عنه الدواء والماء وكل اشكال الدعم .

    رد

Leave a Comment Hussein Bazzi Cancel Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.