LOADING

Type to search

الأسد في الإمارات.. الواقعية السياسية وتبدل المعطيات

الوطن السوري موضوع العدد

الأسد في الإمارات.. الواقعية السياسية وتبدل المعطيات

شام قطريب
Share

 

لم تكن زيارة الرئيس بشار الأسد إلى دولة الإمارات مفاجئة، فقد أتت ضمن سياقٍ سبقته زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى دمشق، بالإضافة إلى مجموعة تصريحات وإجراءات مهدت لتلك الخطوة، منها عودة الرحلات الجوية بين دمشق وأبو ظبي، ورفع قيود سفر السوريين إلى الإمارات، إلى جانب مجموعة مساعدات تلقتها دمشق من الإمارات خلال جائحة كورونا، رغم وجود قانون قيصر الذي يفرض حصارًا اقتصاديًا قويًا على سورية.

وسبق هذه الزيارة أيضًا، الموافقة على مد خط الكهرباء والغاز عبر الأراضي السورية من مصر إلى لبنان، مع حصول دمشق على حصة من هذه المواد الحيوية التي تعاني شحًّا في سورية. تزامن ذلك مع اتصالات بين الملك الأردني والرئيس الأسد، إضافة إلى تصريحات من وزارة الخارجية الأردنية عن أهمية البحث عن حل سياسي للمسألة السورية وضرورة البحث عن خيارات لعودة دمشق إلى الجامعة العربية. ولم تكن مصر خارج هذه الأجواء المنفتحة على سورية وضرورة عودة العلاقات معها بما في ذلك العودة إلى جامعة الدول العربية. لكن الجميع كان بانتظار التبرير السياسي لهذه الخطوة التي دعمتها بشكل كبير الجزائر كما لاقت معارضة من قطر المغردة خارج السرب الخليجي.

تحاول دولة الإمارات اليوم أن تكون قاسمًا مشتركًا بين الأطراف الإقليمية المتناقضة، فهي تمتلك علاقات جيدة مع إيران والولايات المتحدة وروسيا، كما ارتبطت بمجموعة اتفاقات مع “إسرائيل”، وهي إلى جانب السعودية، تعتبران المؤثرتان الرئيسيتان في سياسة دول مجلس التعاون الخليجي. فالانفتاح الإماراتي يتم من دون شك بموافقة سعودية قد تتوج بمبادرة مماثلة للمبادرة الإماراتية. يضاف إلى كل ذلك التبدلات التي فرضتها الحرب الروسية الأوكرانية، وعدم إدانة دول الخليج لموسكو في هذه الحرب، إضافة إلى تطور العلاقات الدبلوماسية بين الخليج وموسكو التي زارها وزير الخارجية الإماراتي قبل فترة. ولا يغيب الدور الصيني عن المشهد إذ بدأت العلاقات الاقتصادية والسياسية الخليجية الصينية تتطور في ظل الحديث عن تراجع الدور الأميركي في المنطقة خاصة بعد تعرض أبو ظبي والرياض إلى سلسلة هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية حيث لم تتمكن الولايات المتحدة من تقديم دعم يذكر للحلفاء الخليجيين لمنع تلك الهجمات. كما أن السعودية والإمارات لم يكونا ليستمرا في هذه الحرب لولا الإصرار الأميركي عليها، وقد سبق للإمارات أن أعلنت انسحابها من هذه الحرب أو تعليق عملياتها فيها. ويضاف إلى ذلك أيضاً تصريحات السعودية على لسان محمد بن سلمان عن إمكانية وجود علاقات إيجابية مستقرة مع إيران.

في جملة هذه التطورات، يبدو الواقع الإقليمي يتطور، ولم تكن الحرب الروسية في أوكرانيا إلا الشرارة التي دفعت بهذه الانقلابات لأن تكون أكثر سرعة وحماسة. فدول الخليج التي تريد حجز مكان في التوازن العالمي الجديد الذي بدأ يظهر بعد هذه الحرب، يشغلها أيضاً الاتفاق النووي الأميركي الإيراني الذي يلوح في الأفق، ويغضبها عدم إدراج الولايات المتحدة الأميركية لموضوع الصواريخ البالستية الإيرانية التي تقضّ مضجع الخليج ضمن هذا الاتفاق بهدف تقييده ومنع تطوره المتسارع الذي يظهر كل فترة في التجارب العسكرية الإيرانية.

المشهد الدولي والإقليمي يتبدل، ويبدو أن بقاء دول الخليج بمثابة البقرة الحلوب للغرب لم يعد أمراً ممكن بالشكل التقليدي للكلمة، فهذه الدول المعروفة بحساباتها البراغماتية لم تكن سوى خزينة مالية بالنسبة لواشنطن المعروفة بتخليها عن الحلفاء في أية لحظة تقتضي فيها مصلحتها ذلك.

لاشك أن الحرب الروسية في أوكرانيا، ستفاقم تلك التطورات وتدفع لحصول المزيد من المفاجآت على صعيد العلاقات الدولية والإقليمية، مع ولادة قواعد اشتباك مختلفة وجديدة بعد قصف مركز الموساد في أربيل بواسطة الصواريخ الإيرانية، بعدما طفح الكيل بطهران نتيجة الغارات التي تتعرض لها من الطائرات الإسرائيلية، ووجود أجواء مناسبة للرد يحفزها ما يجري على صعيد العالم ككل. فنحن اليوم أمام بانوراما جديدة بدأت تتشكل، وقد سمّاها مستشار الشؤون الدبلوماسية للرئيس الإماراتي أنور قرقاش بالواقعية السياسية تعليقًا على زيارة الرئيس بشار الأسد إلى الإمارات. وعلى الأرجح نحن بانتظار مفاجآت حتى على صعيد انفراج العلاقات الخليجية الإيرانية خاصة إذا حصل الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران بمعزل عن المطالب الخليجية، حيث باتت الرياض وأبو ظبي على قناعة بأن عليهما القيام باتباع استراتيجية مختلفة مع طهران في ظل التبدلات الحاصلة وبسبب الخذلان من الدور الأميركي في هذا الملف.

الأطراف الأكثر إحراجًا في هذه التبدلات هي تركيا و”إسرائيل”، اللتين أرقتهما الحرب الروسية في أوكرانيا وصعود موسكو كقطب قوي في وجه أميركا. فتركيا تبدو غير قادرة على التفريط بالتبادل الاقتصادي الكبير مع موسكو، كما أنها تخشى على فقدان مكاسبها في الشمال السوري بعد احتلال مساحات كبيرة من الأراضي السورية عبر قواتها المباشرة أو بواسطة ميليشيات تدعهما مباشرة على الأرض، وكل الخشية أن يحضر هذا الملف على طاولة الحسم الروسية السورية خاصة بعد تمكن روسيا من إنهاء حربها في أوكرانيا بسرعة وتحقيق أهدافها المعلنة في هذه المنطقة الحيوية. أما بالنسبة لإسرائيل التي قال قادتها أكثر من مرة إن عليهم الحذر من غضب الدب الروسي القادر على فرض قيود كبيرة على حركة الطائرات الإسرائيلية المعربدة في أجواء المنطقة ومنعها من قصف المواقع داخل الأراضي السورية، وقد ظهر مقدمات هذا الأمر في تدعيم القاعدة العسكرية الروسية في طرطوس التي استقبلت قواعد لاطلاق صواريخ فرط صوتية بعيدة المدى.

إن احتمال انتقال الحرب إلى أوروبا الغربية، شكل صدمة للدول المنخرطة في حلف مع الغرب والولايات المتحدة، فقد بدأت أزمات الوقود وتوفر المواد الأولية تظهر في تلك الدول التي بدت هشة أمام غضب الدب الروسي الممسك بزمام المبادرة في الحرب العسكرية والاقتصادية، خاصة أن هذه الدول تعتمد على الموردات الغازية والنفطية الروسية بشكل أساسي، وهو أمر دفع دول المنطقة العربية بشكل عام إلى إعادة الحسابات والبحث عن علاقات متوازنة في التحالفات القادمة تحافظ على ما يمكن من مصالحها في ظل التجارب المرة مع واشنطن التي لم تتردد في التخلي عن الحلفاء عندما اقتضت المصلحة الأميركية ذلك.

على صعيد العلاقات الإماراتية “الإسرائيلية” ومدى تأثيرها على تطور علاقة أبو ظبي بدمشق، فإن الواقع العربي المتدهور سيفرض على الأرجح نوعًا من البراغماتية على الدول العربية في علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية. فالمقاطعة العربية لإسرائيل لم تعد موجودة، ومعاهدة الدفاع العربي المشترك ظلت حبرًا على ورق ولا يمكن حتى طرحها اليوم رغم أنها موجودة ضمن ميثاق الجامعة.

البراغماتية التي أشرنا إليها ستفرض تحقيق ما يمكن من المصالح الكيانية مع الإبقاء على المحاور الأساسية التي يلتزم بها كل كيان. رغم أن المنطق التاريخي يفرض اليوم محاولة الوصول إلى حلف مشرقي عربي يشمل ما يمكن الكيانات السورية، لكن التناقضات التي تعصف بهذه المنطقة تجعل الأمر بعيد المنال على الأقل في المرحلة الراهنة. أما بالنسبة لفكرة إحياء المفاوضات الشامية “الإسرائيلية” التي تحدث بها البعض إثر زيارة الرئيس بشار الأسد إلى الإمارات، فهي مستبعدة لأن الفكرة محسومة بالنسبة لدمشق التي لن تقبل بأية مفاوضات دون الإقرار بإعادة هضبة الجولان المحتلة إلى سورية وهو أمر لا يمكن أن تقبل به “إسرائيل”. في هذا الجانب ستبقى قواعد الاشتباك على ما هي عليه غالبًا، وربما نشهد تصعيدًا تبعًا لما يمكن أن يحصل على صعيد الاتفاق النووي مع إيران، إضافة إلى حرب الضربات المنتقاة المتبادلة بين طهران و”إسرائيل”. في كل هذا، ستحاول الإمارات أن تلعب دور الوسيط في التهدئة تبعًا لعلاقتها مع جميع الأطراف.

لاشك أن المحور الروسي السوري الإيراني، تقدم خطوة مهمة بعد الحرب الأوكرانية، فموسكو ستدفعها البراغماتية إلى توطيد العلاقات مع طهران ودمشق بشكل أكبر، وهذا الأمر ظهر كثيرًا في الصحافة الإسرائيلية التي طالبت المسؤولين بالحذر الكبير في التعامل مع موسكو التي لن تتردد في معاقبة المعادين لها في حربها المصيرية في أوكرانيا.

لقد خلطت الحرب في أوكرانيا جميع الأوراق أو سرعت في خلطها، والمشكلة بالنسبة للكيانات السورية غير المرتبطة بعلاقات جيدة، أنها لم تتعلم من الدرس التاريخي الذي استفادت منه دول الخليج عندما وضعت المصلحة الخليجية على رأس الأولويات. ولو أننا رأينا أحلافًا سورية ولو في حدها الأدنى، لاختلف المشهد وتمكنت سوريا من تحقيق العديد من المكاسب نتيجة التبدلات الدولية الحاصلة اليوم. لكن في جميع الأحوال، فإن زيارة الرئيس بشار الأسد إلى دولة الإمارات يعتبر إنجازًا كسر طوق الحصار السياسي على دمشق، وإذا ما حصلت دمشق على بعض الامتيازات الاقتصادية والاستثمارات في هذه المرحلة الصعبة فإن ذلك سيعتبر جيدًا نظرًا لانعدام الخيارات. وكما هو متوقع، سنشهد في المرحلة القادمة انفتاحًا خليجيًا متزايدًا على دمشق التي تلتقط الأنفاس وتحاول الخروج بأي طريقة من آثار الحرب.

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
LinkedIn
Instagram0

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.