LOADING

Type to search

اقتصاد الأسرة عوضًا عن اقتصاد الحكومة!

مجتمع موضوع العدد

اقتصاد الأسرة عوضًا عن اقتصاد الحكومة!

أحمد سبيناتي
Share

اقتنعت الأسرة السورية أنّ عليها تأمين جميع سبل حياتها اليومية بأيديها. فبعد استبعاد آلاف العائلات من آلية الدعم الحكومية عبر “البطاقة الذكية” والاعلان عن خصخصة الكثير من المؤسسات التابعة للقطاع العام، والدعاية القوية لألواح الطاقة الشمسية كمصدر للكهرباء، وبيع “الأمبيرات” الكهربائية للسكان في بعض المدن من قبل القطاع الخاص، وغير ذلك كثير، أصبحت العائلات السورية أمام مسؤوليات كبيرة في مقدمتها تأمين البنية التحتية التي هي من مهمة الحكومة! فكيف لموظف يقبض مئة وعشرين ألف ليرة سورية في الشهر، أي ما يقارب ثلاثين دولارًا، أن يخترع الحلول ويبتكر السبل الكفيلة ببقائه على قيد الحياة؟

من المؤكد أن تحرير الأسعار ورفع الدعم سيطال كل المواد الأساسية بشكل تدريجي يجعل المواطن مسؤولاً عن نفسه في كل شيء حتى الطبابة والتعليم والخبز الذي كان يعتبر في مراحل سابقة خطًا أحمر. ربطة الخبز تباع اليوم في السوق السوداء بـ1500 ليرة، وليتر المازوت بـ7000 آلاف ليرة، وكذلك البنزين وأسطوانة الغاز التي وصل سعرها إلى 160000 ألف ليرة!

لم يبق أمام المواطن سوى اقتصاد المنزل حسب الإمكانات المتاحة، ولن يستغرب المتابع أن يرى دجاجًا يتنزه في الطريق لأن الكثير من الناس بات يربي عدة دجاجات في البيت لأن سعر البيضة وصل إلى 600 ليرة! أما بالنسبة للزراعة في المساحات الفارغة بالنسبة للبيوت الأرضية واستخدام صناديق الخضار الفارغة وسطوح المنازل بالنسبة لساكني الطوابق، فأصبحت ظاهرة منتشرة بكثرة هي الأخرى، عدا عن انهماك النساء في سوق العمل خاصة في مجال المؤونة ومنتجات الأجبان والألبان والخياطة وحياكة الصوف. المواطن باختصار بات مطالبًا بتأمين كل شيء!

زراعة الفطر المحاري في المنازل

يعتبر الفطر من المنتجات غالية الثمن ويفضلها الكثيرون في الطبخات المختلفة، ولهذا نشطت في السنوات الأخيرة زراعة الفطر المحاري في المنازل ضمن غرفة تخصص لهذا الأمر، وتستخدم في ذلك أكياس النايلون التي تحفظ البذور ضمن حرارة معينة وفي جو معتم، حتى يحدث الانبات والإثمار ويصبح بالإمكان بيع الموسم في السوق.. تقول أم محمد: “لا تكفي زراعة الفطر المحاري لوحدها، فالأسرة يجب أن تعمل في عدة مجالات حتى تؤمن قوتها اليومي، وبالنسبة إلي أنا أعمل في تقديم خدمات تجهيز المؤونة وتوضيب الخضار وتقطيعها حسب طلبات الزبائن.”

الزراعة في صناديق “الفلّين”

انتشرت عادة زراعة الخضار في صناديق الخضار الفارغة في حدائق المنازل والوجائب وعلى السطوح. فالغلاء غير المنطقي وغير المتناسب مع الدخل، دفع بهذا الخيار إلى المقدمة، وصار من الطبيعي مشاهدة تلك الصناديق تزين “البرندات” لتؤمن للأسرة ولو جزءًا من احتياجاتها اليومية. يقول أبو أيمن: “من حسن حظي أنني امتلك سطحًا واسعًا حولته إلى حقل لزراعة الخضار. وقد ركزت كثيرًا على البطاطا باعتبارها مادة أساسية في الطعام، كما استفدت من نشأتي في بيئة ريفية تمارس الزراعة من أجل العناية بالمزروعات.”

تربية خلايا النحل

نشطت المؤسسات الأهلية خلال السنوات الماضية في إقامة دورات تعليمية في الزراعة والصناعات البسيطة من أجل مساعدة الأسر على تحسين دخلها الشهري، وكانت مهنة تربية النحل من المهن المفضلة لدى كثيرين، لكن انخفاض القدرة الشرائية عند المواطن وغلاء سعر العسل، جعل هذا المنتج الهام يتعرض للكساد لأنه مصنف ضمن قائمة الرفاهية، في حين معظم الناس مشغولة بتأمين أساسيات المعيشة مثل الخبز والطعام.

الخياطة اليدوية وحياكة الصوف

انتشعت الخياطة اليدوية التي كانت الجدّات تمارسها في المنازل، وعادت إلى الحياة مكنات الخياطة غير الكهربائية بسبب انعدام الطاقة، كما عادت “صنارات” الصوف وحياكة الألبسة الشتوية، حتى الحقائب المدرسية باتت تصنع منزليًا بسبب ارتفاع سعر الحقيبة إلى أرقام خيالية. وراحت الأمهات تصنع الأغطية من الألبسة القديمة عوضًا عن شراء البطانيات. تقوم أم ياسر: “لا يتقن جميع النساء مهنة الخياطة، لكنها سهلة ويمكن تعلمها ببساطة لسد احتياجات الأبناء من الألبسة التي تعتبر أسعارها فوق قدرة المواطن البسيط.” للعلم فقط، يصل سعر البنطلون إلى خمسين ألف ليرة، والجاكيت الشتوية إلى مئة ألف ليرة، وبالنسبة لأسعار الألبسة المستعملة، فلا تقل عن أسعار الألبسة الجديدة بل تفوقها سعرًا!

حسابات خارج المعقول!

بعض من التقيناهم حدثنا بالأرقام: إذا كان كيلوغرام الفاصولياء بـ7500 ليرة، والبندورة بـ2000 ليرة، وأوقية اللحمة بـ8000 ليرة، وربطة الخبز بـ1500 ليرة، يضاف إليها الغاز – إن وجد – والفليفلة، فإن طعام يوم واحد يكلف نحو ربع راتب الموظف أو أكثر قليلاً! فكيف سيكمل هذا المواطن بقية الشهر؟

مواطنون قالوا إن الناس تصرف على الحكومة! فهي لا تؤمن لنا شيئًا من مقومات الحياة في حين تفرض الضرائب الهائلة على كل شيء وتُغرق المواطن بالروتين ودفع الرسوم بهدف جني المال!

في هذا الواقع لا يبقى أي خيار أمام المجتمع سوى اقتصاد الأسرة، رغم بدائيته وصعوباته الكثيرة، إلا أن المواطن مضطر للجوء إليه، فقط حتى لا يموت من الجوع!

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
LinkedIn
Instagram0

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.