اجعلوه رحيماً بلا مقدمات!
Share
انتهى الزلزال، ولم تتوقف الهزات الارتدادية. رجع الصدى مازال يصدح في الصفيحة العربية، كأن هذا المنطقة انفعال لفاعل مجهول، ليس في الكوارث الطبيعية وحسب، بل في المصائب المعرفية التي أنتجت السياسة والاقتصاد والأخلاق. صحيح أن لواء اسكندرون انزاح ثلاثة أمتار نحو الجنوب، كأنه يقول لسوريا: خذيني! لكن وعي الأرض، بقي عاجزاً أمام الصدوع والفوالق التي أصابت انتماءات البشر، فظلوا تابعين للهزات الارتدادية ولم يستطيعوا اختراع زلزال يعيد ترتيب الأمور على هذه البقعة المبقّعة بالدماء والفقر والاضطرابات.
الزلزال لم يفعل شيئاً، سوى أنه كشف التشظّي، عندما رجّ الصفيحة قليلاً لتتباعد الثلوم وتتناثر القطع ويخرج “الخمير والفطير” من تحت الماكياجات التي دهنوها على قشرة السحنة الآدمية، لتظهر الأدمة المريضة بالتجاعيد وقلة الكولاجين والزيوان. صحيح أن المجتمع الأهلي ظهر متقدماً على جميع المؤسسات المحلية والإقليمية والدولية، لكن مازلنا نحلم بزلزالنا الخاص استراتيجياً، الذي ينقلنا من عجز الصدى، إلى فعل الصوت، من ارتدادات الفعل إلى إبداع التغيير.
شكراً لبطانيات اليونسيف. لأكياس السكر والرز، وعلب المرتديلا المغشوشة. شكراً للبيانات التي عرّت الزلزال العميل. للشراشف التي تغطي سماء سوريا. لكل من دفن الموتى، في “بارتشن” الشرق الأوسط. فنحن نحتاج مواجهات من هذا النوع، ولن نتعظ. ستتحرك الأرض ككتلة واحدة، لكننا سنواجهها من الزواريب الضيقة. ستبدو الصفيحة ساخنة كأنها تغلي، ونحن باردون أليفون في تخوت “البارتشن”، حيث الحمامات والأحزان مشتركة، ولا شرفة تطل على أفق جديد.
تقول شام للزلزال: اهدأ. تريّث وأنت تهز الانهيار. كن أكثر رأفة، وأقل اضطهاد.
شخصياً، أؤيد نظرية المؤامرة! فما جرى ويجري، لابد أنه مطبوخ في “بارتشن” الشرق الأوسط، حيث المنافع مشتركة مع الأحزان، والأحلام التي لا تتحقق، يتم نشرها يومياً على المغاسل المتسخة وكراتين الإعانات. ولم نتعظ عندما ارتضينا أن نكون حقل التجارب والتجربة معاً. ترى، أية ضريبة ندفع، ونحن بلا أرصدة في هذا البازار الكبير؟
الناجون، تحدثوا عن قدرة خفية أنقذتهم. عن نقاط ماء تسللت من بين الشقوق. وعن هواء بقي يدفعهم للشهيق. ذلك الواقع الخرافي، كان يحتاج إلى أساطير من هذا النوع، بعدما خذلتهم الموضوعية ومنطق التفكير الأعوج للأخ والجار والغريب.
يتندّر السوريون عندما يخاطبون العالم قائلين: أفضل طريقة، أن تطلقوا علينا النار مجتمعين. فلا تقسّطوا الموت بهذا النحو. اجعلوه رحيماً وسريعاً بلا مقدمات. لا تغرقوا في التشفّي، فهذا الشعب مصنوع من ألم!