الغاز في سوريا وألغازه
Share

هل يشرح الغاز شيئاً من عقدة الحدث؟ لنضع تقرير الجزيرة (كنز في ماء المتوسط.. من يربح حرب الغاز القادمة؟) المكتوب عام 2020 فهو كالجهالة التي لا تضر. بل نذهب لكتاب “تجليات الحرب على سورية” تأليف د.شاهر اسماعيل شاهر، وتقديم: د. فيصل مقداد. المؤلف عام 2018م
يشرح الدكتور شاهر أوجه الحرب على سوريا من أعداء وحلفاء وتجليات، وفي خصوص الطاقة يذكر اكتشاف هيئة المسح الجيولوجي الامريكية المخزونات الكبيرة من الغاز وبالتحديد في الأراضي السورية وقدرته بـ 700 ترليون متر مكعب من الغاز. مما يجعل سورية تشبه السعودية يوم اكتشاف النفط، ويضعها في المرتبة الثالثة بعد روسيا وايران عوضا عن قطر.
يقدم معهد فيريل معلومات حصل عليها عن توزع النفط والغاز:
- يتركز الاحتياطي السوري من الغاز والبترول في البادية السورية بواقع 83% بينما يوجد في الجزيرة السورية 12 % خلافا لما هو متداول بين العامة.
- تبدأ آبار الجزيرة السورية بالنضوب اعتباراً من عام 2022، بينما باقي الحقول في البادية والساحل إن بدأ استغلالها 2018م فهي ستبقى حتى 2051 على الأقل.
- احتياطي سوريا من الغاز في منطقة تدمر وقارة وساحل طرطوس وبانياس هو الأكبر بين الدول الست، حيث يقدر مركز فيريل للدراسات احتياطي الغاز السوري بـ 82500 مليار متر مكعب.
- إن ثلاثة حقول غاز متوسطة الحجم شمال تدمر، تكفي لتزويد سورية كاملة بالطاقة الكهربائية 24 ساعة يوميا، لمدة 19 عام.
- حجم الغاز المكتشف في اسرائيل يوازي 11% منه في سوريا، و 8% منه في لبنان، وفي مصر 31%
بدأت اسرائيل استخراج الغاز 2009م وبات واضحا أن حوض المتوسط دخل لعبة الطاقة، فهو إلى هجوم أو سلام، وهذا ما قاله الرئيس الأسد في مقابلة؛ أن السلام إذا لم ينجح فنحن أمام حرب. ولنتذكر دور تركيا في وساطة المفاوضات بين سوريا واسرائيل وربما بسبب أنها خرجت من مولد الغاز بلا حمص، وأن السلام في المنطقة سيعود عليها بنصيب من مشاريع الغاز القادمة، وخاصة ان سوريا رفضت خط الغاز القطري إلى تركيا واستعاضت عنه بأنبوب الغاز الايراني الذي سيعبر العراق وسورية وسيكون رافداً لشركة غاز بروم الروسية لا منافساً له.
يستعرض جميل شاهين في ترجمته “سورية الثالثة عالميا بانتاج الغاز” برلين مركز فيريل 2017م نتائج معهد فيريل بالشكل التالي (ولنتذكر أنها استناجات عام 2017):
- اصرار موسكو في الدفاع عن سوريا ليس فقط لتأمين منفذ لها على المتوسط بل الأهم هو الغاز والبترول وإنشاء قاعدة بحرية دائمة في طرطوس سببه بحر الغاز هناك.
- مناطق سيطرة الانفصاليين في الجزيرة السورية سوف تنضب في السنوات القليلة القادمة، فإن دعم واشنطن لهم مرهون بهذه الثروة، وأي فدرالية طموحة هناك ستكون انتحاراً اقتصادياً وخاصة بعد عام 2022م عندما تكون سوريا من أوائل الدول المصدرة للغاز، بينما غاز الجزيرة يشارف على النضوب.
- تركيا التي خرجت من مولد الغاز من دون أي متر مكعب، أصرت على دخول جيشها إلى سورية، تريد الاحتفاظ بمناطق نفوذ شمال غربي حلب، حيث توجد ثلاثة حقول غاز صغيرة. وتطمح للوصول إلى الرقة حيث الحقول متوسطة الحجم.
- داعش التي تم توكيلها خليجياً وغربياً باحتلال تدمر والسيطرة على البادية السورية، حيث حقول النفط والغاز العملاقة، وكان المخطط أن تدخل قوات اردنية وسعودية لتحريرها، لكن الجيش السوري وحلفاؤه افشلوا المخطط وحرروا تدمر.
- الارهابيون الذين حاولوا البقاء في منطقة القصير، وجاؤوا من لبنان، ثم سعوا إلى الامتداد شرقا وجنوبا حتى قارة (بحر الغاز الطبيعي) تم دحرهم أيضاً.
- الإرهابيون في الجولان وريف درعا يحرسون ثلاثة آبار غاز تسعى اسرائيل إلى السيطرة عليها كاملة، تقع مناصة بين أرض تحتلها وأرض تابعة لمحافظتي القنيطرة ودرعا.
- خط غاز قطر مات وانتهى، ولا امل للدوحة بعد اليوم بمرور هذا الخط عبر الأراضي السورية.
- أي هدوء أو انتهاء للحرب على سوريةـ يعني أن موازين القوة انقلبت لصالح دمشق عسكرياً واقتصادياً، لهذا سيتم تأجيج الوضع واختلاق معارك هنا وهناك، وبما أن الوكلاء فشلوا في فرض شروط واشنطن، بما في ذلك تركيا والسعودية وارهابيوهم، فجاء الدخول الأمريكي المباشر ولسان حال ترامب يقول: “أريد حصة من الغاز السوري”.
بخصوص الجولان ننقل عن الكاتب الفرنسي جان لو إيزامبير “56 جرائم دولة فرنسا في سورية” عندما يتحدث عن عام 2013 حيث طفقت قوات مراقبة الهدنة العسكرية التابعة للأمم المتحدة تُقدم أدلة على الاتصالات المتزايدة بين الجيش الاسرائيلي والدولة الاسلامية والقاعدة على طول هضبة الجولان، شَرعت Genise Energy وهي شركة نفطية غير معروفة في ولاية نيوجيرسي الأمريكية، بالتعاون مع فرعها في اسرائيل Afek oil & Gaz في استيطان هضبة الجولان للتنقيب عن النفط بضوء أخضر من حكومة نتنياهو واللافت للنظر، تصريح يوفال بارتوف وهو كبير جيولوجيي الشركة في فرعها الاسرائيلي، على القناة الاسرائيلية الثانية، الثامن من تشرين الأول، معلناً اكتشاف شركته حقل نفط بالغ الأهمية في الجولان، بقوله: (يترواح عمق طبقة النفط في المتوسط بين عشرين إلى ثلاثين مترا حول العالم، إلا أن الطبقة التي اكتشفناها جنوبي مرتفعات الجولان تبلغ 350 متراً، أي أنها تزيد عمقاً عن بقية الطبقات بمقدار عشرة أضعاف. إذا نحن نتحدث عن كمية هائلة من النفط. وطبعا لابد من الذكر أن في المجلس الاستشاري الدولي لشركة (G.E) أسماء معروفة مثل ديك تشيني وجيمس وولسي وجاكوب روتشيلد.
لا تحتاج المعلومات أعلاه إلى تحليل معمق، ولكن يمكن القول إن اسرائيل أخذت حصتها من الجنوب وربما كحسن نية لا تأخذ دمشق في طريقها. وستنال تركيا حصتها من حلب إضافة إلى اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينها وبين سوريا القادمة والتي ستكون مجحفة بحق سوريا. يبقى غاز تدمر قارة القصير، والغاز في طرطوس وبانياس ودور سوريا في مرور خطوط الغاز واتجاهاته غامضاً.
الخاتمة:
نعم هي أسئلة كبرى، ما هي الضغوط التي تعرض لها الروسي ليقبل بالتنازل عن كامل سوريا بغازها وموقعها، وهو يخوض حرب طاقة بامتياز مع كامل الغرب في اوكرانيا؟ ولمن؟ لتركيا الناتو! هل أصبح الروسي يريد تمزيق اتفاقيات الحرب العالمية الأولى التي شكلت عالمنا في المشرق العربي وصياغة جغرافيا جديدة؟ هذا منطقي لأن تشكل العالم الجديد المتعدد الأقطاب لا يكون دون أنهار من الدماء. عندما يمزق أردوغان معاهدة لوزان هل يمزق السبب في تشكل تركيا نفسها؟ هل يقدر التركي والاسرائيلي على رسم وتحقيق مصالح العالم المتناقض والشره والطامع بسوريا وثرواتها… هل نحن امام لعبة استخبارتية روسية كبرى من ذوات النفس الطويل والرابحة حكما.
إن تحديد المصطلح الذي يصف ما جرى في 8-12 يساعدنا على فهم حقيقة الواقع المعقد القائم. ولنترك كلمة تحرير لسفاهة المنتشين بهذا النصر التي لا تعني شيئا قانونيا أمام الأمم، سوى أننا تحت حكم أقذر من رضي الغرب بنجاحهم وتمويلهم، وقد وضع عليهم صفة ارهابي، نعم هذا سر الصفقات الناجحة التي تولّد أرقى أشكال خصخصة الحروب بعد تجربة العراق والربيع العربي. نحن أمام حكومة أمر واقع ومستمرة على بساط التطمينات والنوايا الحسنة ومحاسبة أركان النظام السابق وبالتالي إذا وصلنا إلى المرحلة التي أطلق عليها “حوار وطني” سيكون ما يناقش شكليا للغاية ويعدل بعض أوجه الأمر الواقع.
ما أراه أن سوريا تحت احتلال تركي غير مباشر، والذي هو مسؤول في مهمة قذرة أمام الغرب والشرق ليمنح اسرائيل أبعاداً جديدة من امكانيات البقاء وإفناء مصادر الخطر وامتصاص مصادر البقاء.
يحكم سوريا اليوم الخوف من ماضي المنتصر، أمام مهزوم يمتد على جميع الطوائف. وصدقوني للمهزوم ذاكرة حديدية في أن ماضي المنتصر بدأ قبل ما يسميه ثورة في خطابات العرعور على شاشات التلفاز بـ 6 أشهر محرضاً طائفياً بامتياز.
يحكم سوريا خوف المنتصر من المهزوم، ولنتذكر أن المنتصر لا يملك سلاحاً يتجاوز سلاح الشرطة الراجلة، وهو سلاح يستطيع أي قاطع طريق منافستهم به في سيل لا ينتهي من الدماء.
يحكم سوريا اليوم، غضب المهزوم والمنتصر من معركة مبهمة سقطت فيها سوريا، ولا وصف لها، سوى صفقات قادمة لا يداً ورأياً وقراراً فيها لمهزوم أو منتصر، بل لرجال الظل وخيالات الضوء يرسمون حدود الدماء والثروات على وطن تمزق في 8-12-2024.