LOADING

Type to search

الجولان وكامل الجنوب في الكيان الشامي.. مقدمات الضياع “1”

موضوع العدد

الجولان وكامل الجنوب في الكيان الشامي.. مقدمات الضياع “1”

Avatar
Share

بدأ الطوفان في غزة، وظهرت قوة وليدة تشترك مع بقية القوى المطلة على شرق المتوسط في عداء اسرائيل. بدأ الطوفان في غزة بعملية نستطيع أن نقول أنها استثنائية التكتيك في جميع المعارك ضد اسرائيل.

بدأ الطوفان، وفجأة ظهرت رقعة جغرافية سياسية تمتد من شرق المتوسط إلى عمق الهلال الخصيب المتصل في جنوب العراق إلى ايران وبذراع بحرية طويلة مع اليمن. نعم، هي رقعة مهترئة بالحروب والحصار والدمار المزمن ولكنها انخرطت في المعركة.

بدأ الطوفان، وكان الشارع السوري بين متفائل متوجس لمخاوف محقة ومتشائم متوجس لمخاوف محقة، ويبدو أن ما تحقق هو مفاجأة صادمة تجازوت أشد مقدرات خيالهم ومخاولفهم مع سقوط الدولة السورية بيد الإرهاب الذي تحول حرفياً إلى دولة.

قد تخبرنا الوثائق يوماً ما، أن انتهاء أو توقف الحرب على غزة، وبالشكل الذي تظهر به دول المحور قد حققت نتيجة ما، كان أمراً مرفوضاً إسرائيلياً. وكان أحد الشروط الاسرائيلية لإيقاف الحرب، لضرورة المضي قدماً بنتيجة واضحة نهائية لملف الدولة السورية، وخاصة أن كل سلوكيات الدولة السورية في التقرب من الدول العربية “المعتدلة” لم يعن أنها متنازلة عن مواقفها تجاه إسرائيل، وبالتالي كان الأسد حقاً “يلعب بالنار”.

باع الجولان

استخدم الإعلام العربي الذي عمل على التحريض على الدولة السورية ومنذ بداية المظاهرات الأولى في سورية، سردية أن الرئيس حافظ الأسد باع الجولان، أو أنه وقع سلاماً سرياً مع العدو، أو أنه حافظ على هدوء الجبهة السورية طوال فترة حكمه. واستخدمت هذه السريدية في برامج حوارية وأفلام وثائقية، وما زال متبنوها من مقدمين وضيوف وكتاب على قيد الحياة حتى اللحظة.

بعد تاريخ 8-12 تحولت هذه الشخصيات ومقدمي البرامج الحوارية من المدافعين عن السردية أعلاه، إلى وضعية ذاكرة السمكة، مع قصف كامل عتاد وذخيرة الجيش السوري من قبل إسرائيل، والقضم المتواصل اليومي للمزيد من الأراضي في القنيطرة ودرعا. على سبيل المثال مراسل محطة العربي، التابعة للمرشال عزمي بشارة، خالد الادلبي من دمشق، وعند سؤال المذيع له عن تقدم الجيش الاسرائيلي في القنيطرة وردة فعل الحكومة تسمع تقريراً مبهما عن التقدم والسيطرة على بعض المواقع منهياً تقريره دون الحديث عن ردة فعل الحكومة ودون إلحاح المذيع.

المثير للسخرية أن ذات المحطة وسواها من الجزيرة والعربية، عند الحديث عن المسؤولية تجاه يجري في الجنوب السوري للضيوف والمحللين، تجد أن اتفاقاً ضمنيا للحديث عن مسؤولية المنظمات الدولية والقانون الدولي والمسؤولية العربية وفقط، ولا حديث عن مسؤولية على الدولة السورية أو المجتمع السوري.

سوى أننا اكتفشنا أن الرئيس الأسد كان حقاً يحمي حدودنا مع اسرائيل، نحن أمام معادلة واضحة لابد من البت فيها. إما أن الرئيس حافظ الأسد باع الجولان ليستولي على السلطة في سوريا، وهذا ما فعله السيد الجولاني أيضا، وبالتالي يحق لنا أن نستنتج أن كل تغيير بالقوة للسلطة في سورية، يستتبعه قضم العدو لأجزاء من الوطن، أو ببساطة، الإقرار بالحقيقة التي تقول إن دولة السورية وقبل استلام الرئيس حافظ الأسد، كانت منشغلة في صراعات البعث الداخلية (وهي صراعات ذات امتدادات اقليمية) وهذا الانشغال أضعف قيمة الدولة بالإلتفات إلى أخطر حدودها، واستطاع العدو نيل ما يريد. وأن السيد الجولاني أيضاً أمام انشغاله الدولي في مساومات مناقصة السيطرة على سوريا، وفي أفضل الأحوال بالتأكيد، لم يكن يعنيه موضوع الجولان شيئاً أو قبل عواقب نجاحه دون الاهتمام لمخاطر هكذا مناقصات.

بكل حال علينا الإقرار أن الدول الأقليمية المتورطة في صراعات البعث في سوريا قبيل استلام حافظ الأسد السلطة، هي تقريبا ذات الدول الاقليمية المتورطة بما سمي الثورة السورية، وبالتأكيد إن اهتمامها بسيادة الدولة السورية وجولانها، بقياس سلم من عشرة درجات، هو صفر.

إذا كان سقوط الجولان عندما كان حافظ الأسد وزيراً للدفاع هو قضية مشينة بحق البعث، فإن سقوط الجولان الآن وبهذه الطريقة هو عار وقضية مخزية. وسيسجل التاريخ أن يوم 8- 12 ترافق وأشد صفحات سوريا سواداً وجنوناً.

زيارة الجار الأسرائيلي:       

لا تتعلق جردة الحساب هنا مع وقائع الزيارات العلنية إلى اسرائيل للعديد من الشخصيات في المعارضة السورية أو وثائق لقاءات البعض منهم مع استخبارات العدو في الخارج، بل إن جردة الحساب لهذه الزيارات أنها تمت دون أدنى بيان استنكار أو رفض من بقية اطياف المعارضة السورية المفرقة أو المكدسة في مجالسها، وجميع أطيافها المسلحة والممولة من الخارج، ولماذا الاستنكار وقد صنعت جمهوراً احترف الفرح وتناول البقلاوة مع كل انجاز تحققه اسرائيل في مواجهة المقاومة الفلسطينية ولبنانية.   

ببساطة، إن خلو 14 عام من الحرب من مجرد بيان استنكار أو رفض لهكذا سلوكيات يعني أن قضية سيادة الدولة على أراضيها ليست فقط أمر لم يفكر أو يقلق أو يحسب حسابه أي شخص من المعارضة السورية، وهو ينخرط في مشروعه الثوري للتعامل مع الممولين، بل يحق لنا أن نستنتج أن سيادة الدولة على أراضيها وخيراتها كانت ومنذ بداية الأيام الأولى للثورة السورية وإلى حد اللحظة موضوع سمسرة ومساومة يتم التنافس حولها على حساب دماء الناس التي نزلت إلى الشارع وحملت البنادق واعتقدت بقضية ما.

فزيارة كمال اللبواني إلى اسرائيل، واستنكار الائتلاف السوري زيارة عضوه المستقيل، هو قضية مثيرة للسخرية دون التعليق والتوضيح لطبيعة الفصائل التي كانت تقاتل وظهرها إلى اسرائيل سلاحاً ومالاً وأمناً، ودون التوضيح لطبيعة علاقة هذه الفصائل مع بقية الفصائل والمليشيات التي كانت تقاتل الدولة السورية على كامل مساحة الأرض السورية. هي فصائل وتشكيلات حملت ذات الأسماء وبالتالي يحق لنا أن نتخيل انهم حملوا ذات المهام.

نعم، إن صمت جميع المعارضات السورية على هذه الحقيقة فرادى ومجالس (وبكل توجهاتهم من اليمين إلى اليسار) لا يعني إلا الرضى على هذا النهج والموافقة على مجرياته، وهو ما ندفع ثمنه حالياً في الجنوب السوري.

اسلمة السياسة أم تسيس الدين:

يجمع باحثو الحركات الدينية على فارق كبير بين الحركات الاسلامية المجاهدة التي تسيس الدين عندما تستخدم مواقف ديني او حياتي للرسول محمد صلى الله عليه وسلم أو أحد الصحابة مستنتجة منه مثلاً اخلاقية أمام قضايا حياتية ومظلوميات اجتماعية تعني الوطن والمجتمع ككل، والحركات الإسلامية المجاهدة التي تأسلم السياسة أي تأخذ مفاهيم إسلامية فقهية (هي خلافية في أصلها) وتصنع لها قضية في عالم السياسة والإدارة ثم تحدثك عن أجماع الأمة (والاجماع كمفهوم هو قضية خلافية جدا) وطبعا متى تصبح قضية خلافية قضية عليها اجماع؟ عندما تحكم على المختلفين بالتكفير والقتل فيبقى رأي الواحد مع أصحاب الرأي المجمعين.

كان هناك إجماعاَ غريباً بين العلمانيين والمتدينين للاستسلام لحيثية “أسلمة السياسية” في الحدث الذي أطلق عليه اسم الثورة السورية. وهو اجماع مثير للريبة وانتهى مع نتيجة منطقية والتي وصلت إليها سوريا في الخاسر الوحيد فيها وهو المجتمع السوري.

إن التحريض الطائفي للمدعو الشيخ عدنان العرعور ضد العلويين والأقليات السورية، على احدى الفضائيات الخليجية، وقبل بداية أي مظاهرة في سوريا بخمسة أشهر، وبشكل شبه يومي يعطيك فكرة عن المنظر الأول وربما الوحيد لسنوات الثورة الأولى، وإذا اعتبرنا تحريضه قضية تافهة! فالأمر الملفت للنظر تجاهل كل العلمانيين وبقية رجال الدين الذين انخرطوا في تحريك الشارع وتحريضه ضد الدولة السورية شخصية هذا الرجل وما فعل ويفعل، وتستطيع العودة إلى كل بيانات الشخصيات والتجمعات المعارضة والثورية، من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها، فلا تجد فيها بيان واحد يقول أن هذا الرجل يمثل نفسه أو يخرب حراكنا الثوري أو يفض المجتمع من حول الفكرة. وطبعاً الأمر ينجر إلى شعارات الثورة من “العلوي للتابوت والمسيحي لبيروت” إلى “نساء طائفة ما للكيف رجالها للسيف” وبياناتها التي أصبحت تبدأ بـ أيها العلويون أيها السنة أيها الدروز أيها المسيحيون أيها الاسماعيليون.. وهكذا..

هل أقصد أن الخطوات الأولى لما يسمى الثورة السورية كانت طائفية؟ نعم وبامتياز. هل عملت أي جهة من الجهات المحسوبة على الثورة للتصدي لهذا الاتجاه أو نبذه أو فضحه أو احراجه؟ الجواب: لا. كان الجميع يتصرف كأنه الوحيد الممثل للساحة والبقية غير موجودة، وكأن الجميع في سباق مع الوقت لأنهيار سريع للدولة ليتصدر المشهد.

الخلاصة التي أريد الوصل إليها، أن الذي نجح في أسقط الدولة السورية هو الخطاب الأكثر تطرفاً في أسلمة السياسة والأكثر تطرفاً بعدم الرغبة بالشركاء، وقد تعتق عبر سنوات الحرب في أدلب مختلطاً ومنقسماً مع جهات تمارس ذات الأسلمة السياسة. وهذه الخلاصة هي الخطر المستطير مع كل الملفات التي تحياها سوريا الآن وخاصة في الجنوب السوري.

ببساطة، ولأصدق القول لأهلنا في القنيطرة ودرعا والسويداء من الشرفا ء، إن آلاف المقاتلين المسلمين الاجانب الذين تدفقوا إلى سوريا عبر سنوات الحرب “نصرة للمظلوم” وصنفوا كأفراد ومجموعات كأرهابيين أمام الامم المتحدة وقوانيين الدول العظمى، قد توقفت معركتهم ونصرتهم عند حدود دمشق، لهؤلاء الأجانب يا أهلنا في الجنوب، مهام كثيرة قادمة في الساحل وعلى الحدود اللبنانية والحدود العراقية وربما في تركيا ولكن ليس باتجاه العدو في الجنوب.

بالمختصر، إن المليارات التي دفعت لهذه تنظيمات لتنتصر في سوريا فقط وحصراً، وليس لتتابع طريقها إلى فلسطين أو القدس أو غزة! وإلا كان يمكن صرف هذه المليارات على الأحزاب المقاومة والتنظيمات الفلسطينية… فما بالك يا عزيزي القارئ بالدفاع عن الجنوب السوري!

من هو المهزوم حقاً في سوريا:

إن مجمل المشهد السوري بعد تاريخ 8-12 يدور حول واقعية تحديد هوية المهزوم في سوريا.

إن الإجابة السريعة والاعلامية التي تقول: الرئيس بشار الأسد هو المهزوم! هي ذات العقلية التي تحدثنا عنها اعلاه وعن منطقها في أسلمة السياسة “الشريعة هي الحل” حسنٌ إذا كانت الشريعة هي الحل! فكم هي المشكلة تافهة! وإذا كان الأسد هو المشكلة فكم هو الحل تافه وبسيط! ولكن الأسد كشخص ليس هو المشكلة ولم يكن هو المشكلة! والعقلية التي تصر على اعتباره المهزوم هو الرئيس في مشهد 8-12 إلى حد اللحظة هي المسؤولة عن ضياع سوريا القريب جداً من ايدينا.

 وبالمناسبة هذه العقلية متنوعة وموزعة حتى بين العلمانيين حتى لا يساء فهم المقصد، فمنذ أكثر من عام قرأت أحد المنشورات لأحد العلمانيين من نفس المنطق أعلاه، والذي يقوإن على الرئيس الأسد إجراء انتخابات حرة وتشكيل حكومة بطابع جديد وبرلمان بتمثيل جديد، ويقدم هذه الصيغة كرقية لتنقذ سوريا من مصيرها القادم. وايضاً، واهم من يعتقد أن هكذا تصرفات هي حلول للمعضلة التي بدأت سوريا تعانيها منذ الأيام الاولى للمظاهرات.

من هزم هو الدولة السورية! يقارب هذا الجواب الملفات المقعدة والتي كان تمسكها وتديرها الدولة السورية، وهي ملفات تتجاوز “دولة البعث” بل عمرها من عمر الاستقلال ومنها من ركب في معاهدة سايكس بيكو وسان ريمو. إن ملفات كمثيل النفط والغاز وطرق الغاز والعلاقة مع اسرائيل وامتدادات سوريا في لبنان والعراق ومحور دمشق- القاهرة- الرياض والعلاقة مع الشرق والغرب وسواها لطالما كانت جزءاً من قصة السلطة في سوريا وانقلاباتها الكثيرة قبل حافظ الأسد. وهذه الملفات بعد تاريخ 8-12 دخلت في مجاهيل إرادات كل قوة فاعلة في العالم إلا إرادة السوريين أنفسهم، ورويدا رويدا ستصبح قصتنا تشبه قصص الدول التي لا تملك ابواباً كالصومال وليبيا وافغانستان، ومن هنا ندرك أن جواب “الذي هزم هو الدولة السورية” أيضا جواب مدخلي لطبيعة الهزيمة.

إن المجتمع السوري هو الذي هزم، فهو كان يملك قمحه وحقول غازه في الجزيرة السورية، وكان يملك أخصب أراضيه في الجنوب (درعا والقنيطرة والسويداء) وكان يملك أهم منشآته الصناعية والتجارية في حلب ودمشق ويملك ثوراته الزراعية والحيوانية والتاريخية في كل أنحاء سوريا في رقعة واحدة.

هو المجتمع السوري الذي كان يملك أرخص طبابة بين دول الجوار، وكان يستطيع أكثره فقراً شراء أو استئجار بيت وتأسيسه تقسيطاً أو بجمعيات مالية مع العائلة والاصدقاء.

إن المجتمع السوري وبكل سلبياته وايجابياته هو الدولة والمؤسسات، وليس الاصرار على خرافة النظام العلوي إلا من سلوك ومنطق أسلمة السياسة والتي تعني أننا أمام ليل طويل في نفق مظلم من استباحة وجود هذا المجتمع وأرضه وأن حدوده السيادية والدولية والاجتماعية التي كانت لتاريخ عام 2010م كقضية انتهت إلى غير عودة.  

ولأن المجتمع السوري هو الهدف فمن البديهي أن يكون المجتمع السوري هو الحل.

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
LinkedIn
Instagram0

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.